بينما ينشغل البرلمان المصرى بمناقشة قانون يعصف بالسلطة القضائية ولا يراعى حقوق آلاف القضاة، أصبح الحفاظ على حقوق "الشواذ" الهم الشاغل لبرلمانات العالم، إذ فرض زواج المثليين نفسه على المؤسسات التشريعية فى الدول الأجنبية ليحصل المثليون على إقرار بحقهم فى تكوين علاقات جنسية. والغريب فى الأمر أن هذا التشريع الذى يستشرى كوباء من برلمان إلى برلمان ومن دولة إلى أخرى يلقى قبولا وترحيبا واسعا داخل الدول التى تقبلت وسمحت بالعلاقات الشاذة، كما حدث منذ أيام قليلة عندما قام نواب البرلمان النيوزيلندى بغناء أغنية عاطفية بعد إقرار قانون زواج المثليين. منذ عقود قليلة مضت، كانت ظاهرة الشذوذ الجنسى فى المجتمعات الغربية تلقى اعتراضات واستنكار شديد، لكنها بدأت فى الانتشار حتى أصبح لها منظمات وجمعيات ومؤسسات تدافع عما اعتبرته حقا من حقوق الإنسان. لكن منذ أواخر التسعينيات، تحول حق مثليى الجنس فى الزواج إلى قضية شغلت العديد من الدول، وكانت هولندا هى أول بلد يسمح بزواج المثليين عام 2001، وكانت تحت مسمى الزواج المدنى والشراكة المنزلية، وذلك كنوع من الاعتراف بعلاقات مثليى الجنس. كما أن الدولة الأوربية والولاياتالمتحدة وأستراليا ودول أمريكا اللاتينية كانت تسمح بهذا النوع من العلاقات وأصبح شيئا فشيئا مقبولا اجتماعيا. وخلال الشهر الجارى، انضمت دول أخرى إلى هولندا فى قائمة البلدان التى تصدر تشريعات تسمح بهذا النوع من الزواج ووصل عددهم إلى 14 دولة بعد تصديق البرلمان الفرنسى اليوم الثلاثاء على مشروع قانون زواج المثليين. وتلك البلاد هى: بلجيكا - إسبانيا - كندا - جنوب أفريقيا - النرويج - السويد – الدنمارك – البرتغال – آيسلندا - الأرجنتين - المكسيك – البرازيل - نيوزيلندا. وبعد شهور من المشاحنات والنقاشات فى البرلمان الفرنسى لإقرار مشروع قانون يتيح للمثليين جنسيا الحق فى الزواج مثل الزواج التقليدى، والتى تأثر بها الشارع الفرنسى كثيرا بسبب المظاهرات والاحتجاجات المؤيدة والمناهضة لزواج المثليين، جاء قرار البرلمان، اليوم الثلاثاء، بالتصويت لصالح المشروع 331 نائبا مقابل 225 صوتا، وذلك بعد نقاشات حادة شهدتها الساحات السياسية والبرلمانية والدينية فى فرنسا، لتلتحق فرنسا بعدة دول أوربية سبقتها بإقرار حقوق المثليين جنسيا. وكانت هولندا أولى دول العالم التى تقر قانونا يحمى حقوق الشواذ والمثليين جنسيا، ويعترف بحقهم فى الزواج وتبنى الأطفال، تماما كحقوق الزواج التقليدى، وذلك بعد أن أقرته هولندا واعترفت به الحكومة فى الأول من أبريل عام 2001. لتلحق بلجيكا بها فى عام 2003، بعد أن أقرت الحكومة البلجيكية الاعتراف بالشواذ والمثليين جنسيا وسط معارضة واسعة، وعاد البرلمان البلجيكى فى عام 2006 ليزيد من حقوق المثليين جنسيا، بالموافقة على تبنيهم للأطفال. وفى 2005 أصبحت إسبانيا ثالث دولة أوربية تعترف بحقوق الشواذ جنسيا، والمثليين ولكن دون اعتماد حقهم فى تبنى الأطفال، لتتوالى بعد ذلك الدول فى أوربا وجميع أنحاء العالم، فى تمرير قوانين تحفظ للمثليين جنسيا حقهم فى الزواج والتبنى. وبالنسبة إلى ألمانيا فيعتبر التشريع الألمانى الخاص بالمثلية الجنسية أحد أكثر الخطوات تقدمية فى أوربا: يسمح هنا بإقامة علاقات بالزواج المدنى بين فردين من نفس الجنس مع سريان الحق فى التبنى - كما يحظر القانون أى نوع من التمييز لمن يمارسون هذه العلاقات من الرجال أو النساء. انعكست ثمار هذا التشريع القانونى على صورة ألمانيا، حيث أصبح مجتمع المثليين الجنسيين يمارس حياته بطبيعية وانفتاح، الأمر الذى يؤثر فى استمرار تدعيم الحياة الثقافية فى ألمانيا، كما أن أجواء الحماسة والمرح صارت سمة مميزة للاحتفالات التى تشهدها تقريبا كل مدينة ألمانية كبيرة بيوم كريستوفر ستريت. بالإضافة إلى ذلك فإن المخرجين السينمائيين يسعدون كثيرا بمهرجان أفلام المثلية الجنسية "فيرتساوبرت" الذى يقام فى ميونيخ، وفرانكفورت، وبرلين، وكولونيا الذى يقرب الأفلام ذات الموضوعات المتعلقة بالمثليين الجنسيين إلى بؤرة اهتمام الجمهور العام، ومع ذلك فإن هذا المهرجان لا يعد الحدث الأبرز الوحيد فى أجندة أحداث المثليين الجنسيين الذين يرمز لهم باللون الوردى. تجدر الإشارة إلى أن برلين وحدها يعيش بها ما يقرب من 300 ألف مثلى جنسى، وبذلك فإن العاصمة الألمانية تعتبر ثالث أكبر عاصمة فى أوربا يعيش بها مجتمع مثلى جنسى، وبهذا المستوى من الحيوية تسرى مجريات المشاهد الأخرى: توجد هنا 150 حانة للمثليين الجنسيين، ودورات رقص ونواد رياضية خاصة بهم، بالإضافة إلى محال الموضة الخاصة، وحتى أنه يوجد محل للبطاطس المحمرة أغلبية العاملين فيه من المثليين الرجال. كما أن زواج المثليين المعقود على النظام الهولندى تعترف به دول مثل إسرائيل، وجزر أروبا، كوراساو، وسانت مارتن، وولايات رود آيلاند، وكاليفورنيا الأمريكية. فيما تعمل بعض الدول حاليا على السماح للمثليين بالزواج مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وفنلندا، وكولومبيا، ولوكسمبورج. كما أخذت قضية زواج المثليين منحا سياسيا بعد استغلال الكثير من المرشحين الرئاسيين حول العالم لها فى إقناع المواطنين بانتخابه مثل الرئيس باراك أوباما الذى أعلن فى برنامجه الانتخابى دعمه لحقوق المثليين. ومنذ أسابيع مضت، شهدت أمريكا جدلا حول زواج مثليى الجنس خلال استماع المحكمة العليا الأمريكية إلى المرافعات الشفوية فى قضيتين حول زواج مثليى الجنس، وأظهر وقتها استطلاع «وول ستريت جورنال» أن 53% من المواطنين يؤيدون زواج مثليى الجنس، بينما يعارضه 42%. وأعلن العديد من الساسة الديمقراطيين، بالإضافة إلى عدد قليل من الجمهوريين مؤخرا عن دعمهم لهذه القرار. ومع ذلك، فإن غالبية الكنائس المسيحية تعارض الزواج المثلى باعتباره ضد الخطة الإلهية فى الزواج والخلقة ومخالف للفطرة، وتناهض الكثير من الكنائس تلك الظاهرة إلا أن الطبيعة العلمانية لتلك الدول وفصلها الدين عن أمور الحياة وليس السياسة فقط أدى إلى فشل الكنيسة فى التصدى لهذه الظاهرة. وقد وصف البابا بندكت السادس عشر بابا الفاتيكان السابق "زواج المثليين بالخطر على مستقبل البشرية". فى المقابل، أعلنت بعض الكنائس دعمها لهذه الظاهرة مثل كنيسة المسيح المتحدة بأمريكا ما يجعلها أول طائفة مسيحية رئيسية فى الولاياتالمتحدة تقدم على هذه الخطوة. أما اليهودية فإن الطائفة الأرثوذكسية المحافظة ترفض الاعتراف بزواج المثليين لكن هناك عض الطوائف اليهودية الأخرى تؤيده كما فى المسيحية. أما الإسلام فموقفه معروف برفض هذا النوع ممن العلاقات الشاذة، ونص القرآن الكريم على تحريم حرم الشذوذ الجنسى وحذر منه.