الشمول المالي هدفه إتاحة واستخدام كافة الخدمات المالية لمختلف فئات المجتمع بمؤسساته وأفراده وبالأخص الفقيرة والمهمشة منها، مع التركيز على إتاحة التمويل للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال القنوات الرسمية للقطاع المالي، بالإضافة إلى تشجيع تلك الفئات على إدارة أموالهم ومدخراتهم والحصول على التسهيلات الائتمانية بشكل سليم لتفادي لجوء البعض إلى القنوات والوسائل غير الرسمية التي لا تخضع لحد أدنى من الرقابة والإشراف مما يؤدي إلى سوء استغلال احتياجات الأفراد والمؤسسات. وقد قامت العديد من الدول بإدراج الشمول المالي كهدف من أهدافها الإستراتيجية، مع محاولة المواءمة بين الشمول المالي كهدف إستراتيجي جديد وبين الأهداف الثلاثة الأخرى المتعارف عليها وهي: الاستقرار المالي Stability Financial، والنزاهة المالية Financial Integrity، والحماية المالية للمستهلك Consumer Protection Financial.. يفضل العديد من الخبراء تحقيق الارتباط الأمثل بين هذه الأهداف عن طريق الوصول لأعلى قدر من التآزر Synergy وأقل قدر من المفاضلات Tradeoffs بينها بما يعرف بالإطار المتكامل للشمول المالي وأهدافه المرتبطة I-SIP، ومع ادراك العديد من المؤسسات المالية الدولية والبنوك المركزية بأن الاستبعاد المالي يُعتبر من أهم المخاطر التي تواجه الجهود المبذولة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لذلك كان لابد من الربط بين النزاهة المالية والشمول المالي الذي يؤدي بدوره إلى الاستقرار المالي؛ حيث تشجع المعايير الدولية للنزاهة المالية على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحة الفساد والجرائم المالية. ويعتبر عدم التنفيذ الصحيح لتلك المعايير في الأسواق الناشئة عامل أساسي في استبعاد ملايين من أصحاب الدخول المنخفضة من الخدمات المالية الرسمية نتيجة امتناع البنوك عن التعامل معهم في حالة عدم اكتمال بياناتهم، وبالتالي يتم اللجوء إلى الخدمات المالية غير الرسمية، مما يؤثر على التقدم الاجتماعي والاقتصادي ويعوق الجهات الرقابية القائمة على تنفيذ هذه القوانين من تعزيز النزاهة المالية نظرا لتعذر القدرة على تتبع حركة الأموال. ومع استضافة مصر للمؤتمر السنوي للتحالف الدولي للشمول المالي خلال الفترة من 13 – 15 سبتمبر 2017 في شرم الشيخ بمصر بتنظيم مشترك بين البنك المركزى المصرى التحالف الدولي للشمول المالي AFI، بدأت تتعالي الأصوات المطالبة بتسريع الإعتماد على آليات " الشمول المالي " كوسيلة لمحاربة الفساد في شتى المجالات، خاصة بعد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي في فبراير الماضي، بإنشاء المجلس القومى للمدفوعات، الأمر الذي من شأنه أدى إلى محاربة الفساد وضم الاقتصاد غير الرسمى الذي يتراوح حجمه - وفقًا للعديد من الدراسات - بين 30 إلى 60% من إجمالى الناتج المحلى، مما يؤدي إلى تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلى وزيادة إيرادات الدولة، ورفع التصنيف الائتمانى للبلاد، وقد استهدف القرار الجمهورى الخاص بإنشاء المجلس القومى للمدفوعات - رقم 89 لسنة 2017 - عدة أهداف، في مقدمتها خفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع المصرفى، ودعم وتحفيز استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية في الدفع، والعمل على تحقيق الشمول المالى لدمج أكبر عدد من المواطنين في النظام المصرفى، وضم القطاع غير الرسمى للقطاع الرسمى، وتخفيض تكلفة انتقال الأموال، وزيادة المتحصلات الضريبية، وحماية حقوق مستخدمى نظم وخدمات الدفع. ورحب العديد من الخبراء بقرار إنشاء المجلس القومى للمدفوعات، باعتباره "ضربة قاصمة" موجهة للقضاء على الفساد، وخطوة طال انتظارها لتحقيق الشمول المالى ودمج الاقتصاد غير الرسمى. وطالب المهندس علاء فكرى، عضو شعبة الاستثمار العقارى، وزارة الإسكان، وشدد على أهمية توعية المواطنين بالغرض منه وعقد ندوات للشرح والتبسيط لأهدافه وفوائده من حيث الحفاظ على حقوق الدولة في الرقابة والحصول على ضرائب الاقتصاد الموازى والذي يمثل نسبة كبيرة للغاية من حجم المعاملات المالية بالإضافة إلى محاربة الانشطة غير المشروعة مثل تهريب وغسل الأموال والإرهاب وتجارة السلاح وغيرها، بما يضمن الاستقرار الأمني والاقتصادى ورفع موارد الدولة وتنفيذ العديد من الخدمات التي تعود بالنفع على المواطنين مشيرًا إلى إمكانية اللجوء في خطوات لاحقة إلى محاولة الحد من الاحتفاظ بأية أموال أو سيولة نقدية خارج القطاع المصرفي.. وأضاف في تصريحات صحفية "إن تحجيم الاقتصاد الموازي وتقنين وضعه يعد هدف من أهداف المرحله، فهناك مليارات الجنيهات خارج الإطار المصرفى والضريبي ولاتعلم الدولة والأجهزة الرقابية عنها شىء وهو مايتسبب في الإضرار بالمناخ الاقتصادى والأمني "، وأوضح بامكانية بدء تطبيق تجربة الشمول المالى بطريقة مبسطة على الأراضى المطروحة من قبل وزارة الإسكان بنظام القرعة وخاصة على قطع أراضي الإسكان الأكثر تميزًا والتي تطرح بعدد من المدن المتميزة التي تستحوذ على اهتمامات المواطنين والمستثمرين، وأكد أن تطبيق تلك الآلية سيحد من المتاجرة بالأراضي التي عانى منها السوق في السنوات الماضية واسهمت في استمرار ارتفاع الأسعار. ومن ناحية أخرى، قال المستشار أحمد سعيد خليل رئيس مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب إن الأسواق المالية على مدار العقود الثلاثة الماضية شهدت تغييرا جذريا وتوسعا تبلور في رفع القيود التنظيمية على حركة رءوس الأموال وسهولة وسرعة تنفيذ المعاملات المالية، وأضاف " لابد من تبنى الدول استراتيجة طموحة لتحقيق الشمول المالى في الدول النامية والأقل نمو من خلال العمل على وصول الخدمات المالية لكل فئات المجتمع واستخدام الابتكارات التكنولوجية المصرفية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة"، وأوضح أن الشمول المالى له آثار إيجابية كبيرة على الاستقرار المالى والاجتماعى ومكافحة الجرائم المالية والحد من مخاطرها خصوصا غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقال خليل إن عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب تستغل ما يتسم به النظام المالى حاليا من استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، كما تستغل الاختلافات بين التشريعات والنظم الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بين الدول، وتابع " توافر البنية التشريعية القوية للدول والرقابة المالية بما تشمله من ضوابط للحد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب له عظيم الاثر على تعزيز النزاهة المالية والاستقرار المالي". كما أشار الدكتور مدحت نافع، أستاذ التمويل والخبير المصرفي، إلى أن قيام البنك المركزي بتدعيم الشمول المالي يهدف إلى تحجيم عمليات غسل الأموال، ورحب بقرار إنشاء المجلس القومى للمدفوعات، مؤكدًا أنه يؤكد التزام الدولة المصرية بمكافحة غسل الأموال، بالإضافة إلى تسهيل المعاملات داخل النظام المصرفى ومنع تضخم الاقتصاد غير الرسمى. وطالب "نافع"، في تصريحات صحفية بضرورة وضع حد أقصى للتعاملات النقدية والتعامل خارج النظام المصرفى، مؤكدًا أن "تفضيل النقود أصبح غير مقبول إطلاقًا على مستوى العالم، فهو أسهل وسيلة لغسل الأموال". وأضاف "نافع" أنه إلى جانب تعزيز الشمول المالى، فإن قرارات المجلس القومى للمدفوعات من شأنها ضخ سيولة نقدية جديدة في شرايين القطاع المصرفى، وزيادة حجم الودائع التي بدأت تتناقص بسبب إقدام بعض المودعين على السحب من مدخراتهم، في ظل موجة الغلاء الحالية وتراجع القوة الشرائية للجنيه.