فى ظل سعى جماعة الإخوان المسلمين للسيطرة على مقاليد الأمور فى مصر وإخضاع جميع مؤسسات الدولة لنفوذ وسيطرة مكتب الإرشاد تأتى أهمية البحث عن بديل سياسى آخر يستطيع تحقيق أحلام المصريين وإحداث توافق عام بين جموع الشعب من خلال تغليب مبدأ «المشاركة لا المغالبة» الذى رفعه أحفاد البنا فى الأيام الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير ثم سرعان ما تخلوا عنه أمام بريق السلطة.. «صالون فيتو» استضاف قامتين فكريتين هما الدكتور كمال الهلباوى المتحدث السابق باسم الإخوان فى أوروبا وأحد القيادات التاريخية الذى استقال مؤخرا من الجماعة والمفكر الشيعى الدكتور أحمد راسم النفيس لتحليل موقف الجماعة وتوضيح فكرة التيار البديل وإمكانية حدوثها، وهل بالفعل انتهى عصر الإخوان كجماعة دينية؟ الجماعة وفكر «البنا» فى البداية أبدى الدكتور كمال الهلباوى رفضه لطرح فكرة البديل الإخوانى مشيرا الى أن مشكلة جماعة الإخوان فى قياداتها التى حادت عن مبادئ وأفكار مؤسسها الأول الإمام حسن البنا. وأضاف : «مشروع الإخوان المسلمين بفكر حسن البنا من الصعب أن نجد له بديلا إلا إذا كان أفضل لأن فكر البنا ناضج بشكل كبير وقادر على التطور والتعاطى مع ما يستجد من قضايا فإذا نظرنا مثلا الى رسائله وخصوصا رسالة التعليم سنجد بها مجموعة من القيم والأسس الأخلاقية التى تتماشى مع أى زمان ومكان مما يدل على براعته وتوفيق الله له». وتابع : «فى تلك الرسالة تحدث الإمام البنا عن المجاهدين من الإخوان ثم ذكر أركان البيعه وحدد 20بندا سماها أصول الفهم وربما تكون هذه المرة الأولى فى التاريخ التى يقوم فيها إنسان بوضع مجموعة من الأصول تحظى باجماع وقبول من السنة والشيعة وغيرهما من أتباع المذاهب الأخرى والسبب فى ذلك أنها ليست أراء حزبية ولكنها تعبر عن فهم شديد للوسطية وتنم عن العالمية وتوضح المرجعية، والماده 18من الرسالة تقول إن الإسلام يحرر العقل إذن الدعوة تحرر العقول ولا يوجد فى الإسلام ما يسمى بالسمع والطاعة إلا إذا كانت طاعة مبصرة هدفها إسعاد البشر بما لا يخالف أصول التعاليم السماوية المتفق عليها بين مختلف الأديان». وواصل الهلباوى كلامه عن الأسس التى بنى عليها البنا فكر الإخوان وتطرق إلى قضية التكفير مشيرا إلى أن مؤسس الإخوان تحدث باستفاضة عن تلك القضية وبين أن الإسلام لا يعطى الحق لأى شخص فى تكفير الآخرين مشيرا إلى أن جماعة التكفير والهجرة التى ظهرت فى مصر فى فترة من الفترات كانت بعيدة كل البعد عن الإسلام وعن تعاليمه السمحة التى تحث على الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة مصداقا لقول الله تعالى «ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن». وأشار الهلباوى إلى أن الإمام البنا قال فى إحدى رسائله تعليقا على قضية التكفير:«لاتكفر مسلما أقر بالشهادتين» ومن ثم فإن الإخوان طبقا للمبادئ التى وضعها إمامهم ومؤسس جماعتهم بعيدين كل البعد عن الدعوات المتشددة وربما كان ذلك سببا من الأسباب التى أدت الى استمرار الجماعة وتواجدها القوى على الساحة السياسية فى مصر رغم الضربات الموجعة التى تلقتها من النظام السابق على مدى سنوات طويلة وفى اعتقادى أنه لا يوجد بديل مناسب لإخوان حسن البنا. الخلط بين التنظيم والدعوة وحينما جاء الدور على الدكتور أحمد راسم النفيس المفكر الشيعى للحديث قال: «ليس قدرنا نحن المسلمون أن نعيش على فكرة الجماعات كل فترة نختار تنظيما ومرشدا دون وجود أدلة لأن الإسلام فكرة ومشكلة الإخوان أنهم حاولوا وضع قضية التنظيم والفكر معا فلا هم خدموا الفكر ولا استطاعوا البقاء فى التنظيم ويجب على الإخوان أن ينصفوا أنفسهم ويكتفوا بالعمل داخل الإطار الحزبي من خلال حزبهم الحرية والعدالة لأن مفهوم الشخص فى العمل الحزبى يصيب ويخطئ ويقدم اجتهادات لكن الجمع بين الشرعية المطلقة والقداسة الدينية يؤدى إلى خلل واضح بين وظيفة الحزب وموقع الجماعة. وأضاف: «الإخوان بذلك يتحملون أكثر من طاقتهم لذلك عليهم أن يعفوا أنفسهم من القيام بحمل أعباء مسئولية الحفاظ على الفكر والإسلام والدعوة لأنهم فشلوا فى ذلك». واختلف النفيس مع الهلباوى حول عدم وجود بديل للإخوان مشيرا إلى أن هناك أكثر من بديل سياسى للإخوان لأنه لا يمكن الحديث عن بديل «جماعاتى» لأن تنظيم الجماعات سقط ولن ينهض مره أخرى والإخوان يتحدثون فى الدين كما يشاءون. من جانبه علق الدكتور كمال الهلباوى على كلام النفيس قائلا: «إذا تحدثنا عن السياسة فهو موضوع معقد والإمام البنا اجتهد فى السياسة وأراد الدخول فى البرلمان لكن النظام فى ذلك الوقت تصدى له وبدأ فى غلق «الشعب» داخل الإخوان والتضييق عليها ووضعوا البنا أمام خيارين إما بقاء «شعب الإخوان» وإما عضوية البرلمان لكنه اختار استمرار الشعب فى عملها حتى يكمل رسالته فى دعوة الناس الى تعاليم الدين والالتزام بشرع الله». وأضاف : «من الصعب فى الوقت الحالى أن نتحدث عن بديل للإخوان صحيح أن الجماعة لديها أخطاء كثيرة لكن ذلك مرده أن الإخوان ليسوا ملائكة ولا «ظل الله فى الأرض» فهم بشر يصيبون ويخطئون لذلك وجه لهم الشيخ القرضاوى رسالة عن موقفهم من أبو الفتوح وموقفهم السياسى طالبهم فيها بالرجوع عن موقفهم وترك الحرية لشباب الجماعة لدعم وتأييد من يرونه الأنسب للمرحلة المقبلة» جريمة الإخوان فى حق الثورة واعترف الهلباوى بأن الإخوان الآن فى أزمة وتخبط نتيجة ضعف فهم مقاصد دعوة الإخوان كما ذكرها البنا مشيرا الى أنهم بعد تنحى مبارك تركوا الميدان واعتمدوا على المسار الديمقراطى وحده وتركوا المسار الثورى منخدعين فى المجلس العسكرى الى أن تحول الثوار إلى مجموعة من «الشحاتين» يطلبون من المجلس العسكرى والذى بدوره أحيانا يعطيهم وكثيرا يقاومهم بشدة. وأكد الهلباوى أن الإخوان كانوا فى وضع يمكنهم من إمساك البلد لكنهم تخلوا عنه نتيجة سوء تقدير وانخداعهم فى العسكرى ولكن ذلك لا يمنع من الاعتراف أنهم قدموا للمجتمع المصرى خدمات جليلة يكفى أنهم علموا الناس معنى التنظيم الدقيق، وإذا كان الإخوان أخطأوا فالآخرون ليس أفضل حالا منهم ومصر كلها فى مرحلة المراجعة. وقبل أن يختم الهلباوى حديثه فى هذه الجزئية قائلا:«إذا لم يجدد الإخوان من أنفسهم فكرا وتنظيما لتحمل المسئولية قد يصبحون تقليديين وتنشأ جماعات أخرى ولكن فكر الإخوان ومشروعهم باق وأتمنى أن يقوم الاشتراكيون والعلمانيون مثلا بتدشين جماعات للجهاد مثلا فى فلسطين كما كان يفعل الإخوان أيام النظام السابق». وقال الهلباوى: «حزنت بشدة حينما مدح الكتاتنى ملك البحرين وأشاد بموقفه فى قمع الشعب فقد حول رئيس مجلس الشعب الإخوان إلى مداحين مع أن ملك البحرين رجل مجرم وقاتل». وعاد الدكتور أحمد راسم النفيس ليؤكد على أن الإخوان المسلمين ينظرون إلى السلطة على أساس أنها خلافة وقد ذكروا فى مشروعهم ثلاثة أشياء هى إعادة وتكوين أمة «لا اله الا الله» .. ثانيا .. ذكروا أن الأمة الإسلامية لم تعد موجودة وفى هذا السياق نسمع تفسيرات لا معنى لها ولا وجود .. ثالثا .. وهو الأهم تكوين إمامة جديدة وهو «المرشد» وهذه مسألة خطيرة خصوصا مع عدم وجود آلية لعمل هذا المرشد هل هو معصوم وبالتالى لا يحاسب أم انه يعمل داخل الإطار القانونى للدولة، وبالتالى فهذه مشكلة كبيرة جدا قد تتسبب فى الإطاحة بالجماعة وهنا يكون البحث عن بديل ضرورى لامحالة. الجماعة والدستور وحول سعى الإخوان للاسئثار بوضع الدستور الجديد قال الهلباوى لا يوجد استئثار بوضع الدستور لكنهم طبقوا منطقا خطأ وهو أنهم أغلبية فى البرلمان فبالتبعية نكون أغلبية فى الدستور. واختلف النفيس فى هذا الأمر حيث إنه يرى أن الإخوان ابتلعوا لقمة كبيرة لن يتمكنوا من هضمها وهذا التصرف جاء فى مصلحة من هم ضد الإخوان لأنه أثبت فى النهاية رغبتهم المرضية فى الاستئثار بالدستور بدليل أن الإخوان أهملوا قامات فكرية وقانونية فى التشكيل. خلافات الداخل وفيما يتعلق بوجود خلافات داخل الإخوان قال «الهلباوى» إن أى جماعة إسلامية أو غير إسلامية ينشأ بينها اختلافات فكرية نتيجة اختلاف العقول وتباين القدرة على الفهم لكن عندما يكون هناك مفكر كبير الناس تسمع له مثل «القرضاوى» وفى حالة عدم وجود قيادات فكرية دينية فقهية سياسية فبالتأكيد تكون هناك مشاكل. وتدخل «النفيس» قائلا: «الانقلاب الموجود داخل الجماعة الآن بين القيادات فكرى وسوف يستمر من أجل محاولة كل منهم فرض رأيه فكيف يتخلى الإخوان عن شخصية مثل الدكتور كمال الهلباوى الذى كان يقدم لهم خدمات جليلة من خلال تواجده فى بريطانيا وتواصله مع التيارات الفكرية والسياسية والمذهبية والعرقية المختلفة فهو كان كبير الإخوان فى بريطانيا ومعنى ذلك أن الإخوان لا يبالون بأى خسائر فى مقابل أن يبقى التحكم والسيطرة على كتيبه تتآكل باستمرار. العلاقة مع الرئيس القادم وعن علاقة الإخوان بالرئيس القادم خصوصا إذا كان من خارج الجماعه قال «النفيس»: «العلاقة سيكتنفها العديد من الأسرار لأن العلاقة الوحيدة كانت مع «مبارك» وكانت تشبه علاقة القط بخناقه وهذا الوضع كان مريحا جدا للإخوان فقد كان يوفر لهم شماعة يعلقون عليها أخطاءهم لكن الوضع تغير وإذا جاء رئيس جديد لن يمارس القمع فى حقهم وإنما سيمارس الاختلاف السياسى فهذا سيؤدى إلى مزيد من تفاقم أزمة الإخوان الداخلية. وشدد على أن الإخوان المسلمين اعتادوا إبرام الصفقات كاشفا عن أنهم دخلوا فى صفقة لتدمير سوريا لحساب إسرائيل وأمريكا بالإضافة إلى مشروع إنهاء المقاومة الفلسطينية وسحب حماس من دمشق الى قطاع غزة والمشروعان متكاملان وبالتالى فإن الجماعة طبقا لكلام النفيس ترى أن ما يسمى بمصلحة الإسلام هو مصلحتها. الصراع مع العسكرى وتوقع النفيس تكرار سيناريو 54 بين الإخوان والعسكر قائلا: «فى ثورة 1952 كان الإخوان المسلمين يشكلون «المخ» والضباط الأحرار «العضلات» لقيام الثورة وعندما بدأ الصراع بين المخ والعضلات حدث ما حدث وهو ما يتشابه كثيرا مع أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث يتصارع الإخوان والعسكر حول أيهما الأحق بالثورة والآن يتكرر نفس السيناريو بالرغم من أن الاثنين لم يبدآ الثورة لكنهما قاما بالترتيب فيما بعد، واليوم الإخوان يعتقدون أنهم أصحاب القوة. واختتم «النفيس» كلامه قائلا: الإخوان «بيستحمرونا» ويصرون على تزييف حقائق التاريخ من خلال التأكيد الدائم على أن الإمام حسن البنا مات شهيدا على الرغم من أنه مات مقتولا وقتل رأس برأس. ترشيح الشاطر للرئاسة وحول دفع الجماعة بالمهندس خيرت الشاطر فى سباق الرئاسة قال النفيس: الشاطر يمثل النزعة النازية داخل الإخوان، وترشيحه مثل ترشيح هتلر لرئاسة ألمانيا بمعنى أنه يتمتع بقدرة هائلة على تصفية كل خصومه ومعارضيه بأساليب تآمرية من طراز فريد وأنا شاهد على ذلك فهو يعمد إلى التصفية المعنوية لأنه يمتلك عدداً لا يستهان به من الآذان الصاغية والأصوات التى تردد ما يقوله دون تدبر أو وعى فمن السهل عليه أن يقوم بتلويث سمعة كل من يشعر أنه منافس له. وأضاف: الشاطر هو الذى يهيمن ويحرك الجماعة طيلة السنوات الماضية فهو يعتبر المرشد الحقيقى للإخوان ويجمع بين صفتين يتقاربان مع الأسلوب النازى الصفة الأولى أنه خريج منظمات الشباب الاشتراكى الذى كان يقوم عليها مجموعة من الشيوعيين الماركسيين أساتذة التآمر والطعن من الخلف وبالتالى وجودة وسط جماعة عقلها فى أذنيها فإذا قال الشاطر شيئا فله السمع والطاعة؟؟ وتابع: فى حالة فوز الشاطر سيكون له إمكانيات عسكرية من الممكن أن يقوم باستخدامها فى اغتيال معارضيه كما كان يفعل مبارك الذى كانت لديه فرق اغتيالات ولكنه كان أكثر انضباطا ولم يكن يستند إلى شرعية دينية وكانت شرعيته «برجماتية نفعية» ولكن الشاطر يعتقد أن لدية شرعية دينية وخصوصا قيام الجماعة بمطالبة العسكرى بالحصول على منصب مفتى الجمهورية ما أريد قوله أن الاغتيال عقيدة راسخة لدى الإخوان وقاموا بتنفيذ اغتيالات شهيرة. أما الدكتور الهلباوى فيرى أن ترشيح الشاطر أمر غير مقبول فى منطق الدعوة واصفا القرار بالتخبط الواضح من جانب مكتب الارشاد لأنه ليس من صفات الداعية التردد أو التخبط أو نقض الوعود والجماعة أعلنت أكثر من مرة عدم ترشحيها أحد للرئاسة وقيامها بفصل أبو الفتوح بدعوى أنه خالف قرار الجماعة.