قرى واحة الفرافرة تعانى غياب الخدمات الأساسية منذ 27 عاما.. و30 ألف نسمة «خارج حسابات الدولة» سكان درب الأربعين: نادمون على الإقامة بالمحافظة.. ووعود الخدمات والحياة المريحة «فشنك» 40 كيلو مترا يقطعها الأهالي لإجراء مكالمة تليفون أو إرسال حوالة بريدية.. والإسعاف خارج نطاق الخدمة هل تعرف حكومة المهندس شريف إسماعيل، الحدود الجغرافية لجمهورية مصر العربية، مثلما تحفظ أرقام الزيادات التي تفرضها على المصريين صباح مساء؟.. هل تمتلك الحكومة الرشيدة تلك أية خطة لا لشيء إلا لتقوية شعور الانتماء لدى قطاع كبير من أبناء الوطن، مثلما تنفذ الخطط لجذب المستثمرين، وتمنحهم كل المزايا بأسعار رمزية؟.. أخيرا.. هل تعرف حكومة "إسماعيل" شيئا عن مصر التي تديرها أم أنها قررت تأكيد شائعة أنها حكومة "سكرتارية"، لا أكثر أو أقل؟ بالقطع.. لا تمتلك قيادة واحدة في الحكومة إجابة نموذجية للأسئلة السابقة، وهذا ليس لغرور منها، لكنها بالفعل تجهل كل ما يجب أن تعرفه عن أحوال المواطنين في "بر المحروسة"، وزيارة كافية لقرى محافظة الوادى الجديد، كفيلة بإثبات هذا الأمر وتأكيده، ليس هذا فحسب، لكن من الممكن أن يمتد الأمر لمحاكمتها بتهمة "إهدار كرامة المصريين". 19 قرية على مستوى محافظة الوادى الجديد تعانى من انقطاعها عن العالم وعزلتها، بسبب الاتصالات منها 12 قرية بواحة الفرافرة و4 قرى بمنطقة درب الأربعين جنوب واحة باريس، فضلا عن القرية الأولى بمنطقة الشب، والتي تقع على الحدود المصرية السودانية أقصى الجنوب الغربى بالواحات. قرى الفرافرة.. 27 سنة "صمت" تعتبر قرى واحة الفرافرة من أكثر القرى عزلة، وأكبرها من حيث المساحة، فالقرى لا توجد بها شبكات محمول أو اتصالات أرضية منذ 27 عاما، وهو التوقيت الذي تم فيه تحويل واحة الفرافرة إلى مركز، وبدأ توطين القرى التابعة لها بالسكان، حيث يعيش بهذه القرى نحو 30 ألف نسمة يعملون في مهنة الزراعة فقط والحرف الصغيرة. إسلام عمران، من قرية الكفاح بواحة الفرافرة، قال في بداية حديثه: غياب الاتصالات أثر بشكل كبير على تنمية القرى وإعمارها وتوطينها بالواحة، فكل من قرى (أبو هريرة، على بن أبى طالب، الخير والنماء، حطية الشيخ مرزوق، قرية 17، قرية الأمل، قرية زراعة 10، قرية عين التنين، قرية الكفاح، قرية أبو الهول، قرية أبو بكر الصديق، قرية عمر بن عبد العزيز، قرية جمعية الوادي، قرية عمر بن الخطاب) بواحة الفرافرة والتي تقع على امتداد 80 كيلو، لا توجد بها خدمات الاتصال، وتفتقر للتواصل مع الآخرين ما يصعب الحياة علينا، فأبسط مثال عندما تقع حادثة لا نستطيع أن نتصل بالإسعاف لنبلغها بنقل المصابين، وسبق أن حدثت أكثر من حالة وفاة بسبب وقوع حوادث لايتم الإبلاغ عنها، كما أن بعضنا عندما تتعطل سيارته في مكان ما لا يستطيع أن يتصل بأحد لينجده، إلى جانب أن أهالي القرية يجدون صعوبة في التواصل فيما بينهم، فهم تقريبا يعيشون حياة بدائية بسبب الاتصالات وسوء الخدمات الأخرى. "عمران"، أكمل بقوله: قضية الاتصالات في القرى الحدودية مسألة أمن قومى في الوقت الحالى، ودون الاتصالات فنحن معزولون عن العالم الأمر الذي نتجت عنه توابع أخرى تؤثر على حياة السكان في هذه القرى، والذين بالفعل لم يتحمل بعضهم هذه المعيشة واضطروا تدريجيا للعودة إلى مسقط رأسهم مرة أخرى، بعد أن كانوا قد جاءوا منذ سنوات إلى الفرافرة لتعميرها وزراعة أراضيها، متحملين في خلال هذه الفترة سوء الخدمات المقدمة، منتظرين أن تنفذ الحكومة وعودها لهم بتوصيل كافة الخدمات والمرافق لهم. كما لفت "عمران" النظر إلى أن قضية الاتصالات في الفرافرة تتنافى تماما مع الجهود التي تبذلها الدولة لاستصلاح المرحلة الأولى من مشروع المليون ونصف المليون فدان، حيث قال: الخدمات والبنية الأساسية التي تقدمها الدولة في أي مكان تعتبر العامل الأساسى في جذب الاستثمار، وتوطين السكان ودونها فلن تكون هناك حياة وتنمية، كما أن منطقة الفرافرة واعدة بالأمل والحياة، ويجب على الدولة الاهتمام بها والتكفل بتوصيل الخدمات لسكانها، الذين تحملوا صعاب ومشاق الحياة للعيش في هذه البقعة بالصحراء الغربية مبتعدين عن ترف المدينة لتعمير الصحراء، والبحث عن رزقهم ورزق أبنائهم. قرى درب الأربعين والثمانين.. "عاوزينها تبقى أزمة" تقع قرى الأربعين والثمانين جنوب واحة باريس بنحو 80 كم، ويبلغ عددها 6 قرى نفذتها الحكومة جنوب المحافظة، لتعمير وتوطين المناطق غير المستغلة، وتأمين الحدود من المنطقة الجنوبية في عام 2001، عن طريق توزيع 7 أفدنة مزروعة ومنزل على كل أسرة مقابل توطين المنطقة وزراعتها، حيث يوجد أكثر من 6000 نسمة، يعيشون بتلك القرى الصغيرة يعملون فقط في الزراعة ومنتجات الألبان. الوضع في قرى الأربعين الست، لم يكن مغايرا لقرى "الفرافرة"، حيث إنها هي الأخرى تعانى من العزلة، وانعدام غالبية المرافق بسبب عدم توفر خدمات الاتصالات، وهو ما ساهم في أن تتحول القرى تلك شيئا فشيئا إلى أماكن لا حياة فيها. محمد حسن، يعيش بالقرية الثالثة بدرب الأربعين برفقة أسرته المكونة من 6 أفراد، أكد أنه ارتكب جريمة في حق نفسه وعائلته عندما جاء إلى هذا المكان منذ 15 عاما لتعميره وزراعته، بعد أن ترك مسقط راسه بمركز طهطا بمحافظة سوهاج، مشيرا إلى أن الحكومة وعدتهم بقرى متكاملة المرافق، ينقصها فقط المعيشة ولكن الحقيقة غير ذلك. وأضاف: عندما جئنا إلى هنا وجدنا كافة سبل الحياة مقطوعة بالكامل، خاصة الاتصالات فنحن لا نعلم شيئا عن ذوينا، ونضطر لقطع مسافة 40 كم حتى نتمكن من إجراء مكالمة هاتفية، أو إرسال حوالات مالية لأبنائنا أو تحديث بطاقتنا التموينية أو الاستفادة بأية خدمات متعلقة بالاتصالات والإنترنت. وتابع حديثه قائلا: الأمر لم يقتصر على إرسال الحوالات أو الاتصال، لكن التأثير امتد لجوانب أخرى، ففى إحدى المرات أصيب طفل بلدغة عقرب، وفشلنا في التواصل مع أي طبيب لإنقاذه، ولولا العناية الإلهية لكان في عداد الموتى، وحدث أيضا أن انقلبت سيارة أجرة تقل نحو 14 شخصا على الطريق الواصل بين منطقة الشب وقرى الثمانين وتوفى عدد من المصابين في الحادث نتيجة عدم نجدتهم واستدعاء سيارات الإسعاف لهم، وهناك الكثير من الحوادث تقع بصفة مستمرة على الطرق الجنوبية بالمحافظة، ولا يعلم عنها أحد شيئا إلا بعد مرور عدة ساعات على وقوعها. "حسن" في سياق حديثه كشف أن الأطباء والممرضين والموظفين الحكوميين يرفضون تكليفهم للعمل في هذه المنطقة، وذلك لعدم توفر الاتصالات، مشيرا إلى أن هناك عشرات الأطباء لم يصمدوا في عملهم بهذه القرى سوى بضعة أشهر، وطلبوا نقلهم إلى مناطق متكاملة المرافق، الأمر الذي يؤدى في بعض الأحيان لبقاء القرى دون خدمات طبية لفترة طويلة. الشب.. قرى الحدود "خارج نطاق الخدمة" تقع مجموعة قرى الشب أقصى الجنوب الغربى من جهمورية مصر العربية من ناحية الأراضى السودانية، وتتبع محافظة الوادى الجديد، وتعتبر القرية الحدودية الأخيرة التي تم توطينها بالسكان، وبها نحو 130 أسرة بإجمالى 700 نسمة تعمل جميعها في مهنة الزراعة فقط، خاصة أنهم يبعدون عن أقرب مدينة لهم بنحو 350 كم، ومنعزلون عن الحياة المدنية بالكامل، نتيجة نقص المرافق وعدم وجود خدمات الاتصالات والشبكات، كما أنهم يعتمدون اعتمادا كليا على الطاقة الشمسية لإنارة منازلهم وتشغيل محطات وماكينات الرى. أهالي قرى الشب، يعيشون في معاناة مثل بقية القرى المحرومة، لكنهم يصفون معاناتهم بأنها أكبر من باقى القرى التي لا تتوفر بها اتصالات، خاصة أنهم في منطقة حدودية، ولا يوجد بالقرب منها قرى أخرى أو مدن، الأمر الذي جعلهم في منفى. بدوره أكد محمد عبد الله من أهالي قرى الشب، أنه استوطن وأسرته هذه القرية منذ نحو عام بعدما أعلنت الحكومة عن توزيع أراض ومنزل لكل أسرة سوف تستوطن منطقة الشب، وأكمل: بالفعل جئت إلى الوادى الجديد برفقة أسرتى، رغم بُعد المسافة لأجد مفاجآت عدة في انتظارى، فالاتصالات مقطوعة ولا توجد بنية أساسية لها ولا توجد مكاتب بريد،، ولا نستطيع التواصل مع أهالينا في المحافظات الأخرى، إضافة إلى أننا لا نعلم شيئا عما يدور حولنا وغير قادرين على التواصل مع المسئولين لحل مشاكلنا، أو الإبلاغ عن الأعطال التي نواجهها سواء فيما يتعلق بالكهرباء والصرف والمياه والآبار الزراعية، ويجب علينا قطع مسافة تتخطى 350 كم لإجراء اتصال هاتفى فقط. كما أشار عبد الله أن الحياة أصبحت سوداء بالنسبة لنا، بسبب ما نعانيه حاليا في ظل وعود الحكومة ومحافظ الوادى الجديد بالصبر والتحمل، لحين توصيل خدمات الاتصالات إلينا، لافتا إلى أن هناك الكثير من الأسر لم تتحمل هذه المعيشة، وبالفعل تخلت عن الأرض والمنزل التي حصلت عليها من الحكومة وعادت إلى مسقط رأسها مرة أخرى كى تستطيع العيش في حياة كريمة. وأكمل: أذكر كذلك أن أحد المواطنين انطلق بسيارته نحو مدينة الخارجة لقضاء عدد من المصالح والأشغال الخاصة به، وفى الطريق تعطلت سيارته، وانقطعت كافة السبل به ولم يتم اكتشاف أمره إلا بعد ثلاثة أيام مصادفة، عندما عثر عليه أحد أهالي القرية كان متوجها في نفس الطريق ولولا العناية الإلهية لكان في عداد الموتى، خاصة أنه عُثر عليه في حالة سيئة للغاية، وهناك أحد الأشخاص ترك والده المريض بالسكر في المنزل وذهب إلى مزرعته ليباشر عمله وفجاة أصيب والده بغيبوبة سكر ولولا تصادف مرور عدد من المارة الذين سمعوا استغاثته في الخارج لكان في عداد الموتى. على الجانب الآخر قال اللواء محمد الزملوط، محافظ الوادى الجديد: المحافظة تبذل كافة جهودها مع وزارة الاتصالات وكافة الجهات المعنية لتوصيل شبكات المحمول والخطوط الأرضية لكافة القرى المحرومة والطرق العرضية التي تصل الواحات بالمحافظات الأخرى، وتم تحديد 57 موقعا لإنشاء وتركيب أبراج لتوصيل شبكات المحمول للمناطق التي لا توجد بها تغطية لشبكة الهاتف المحمول، وذلك بواقع 250 مترا مربعا بكل موقع بتكلفة إجمالية 100 مليون جنيه، بعد أن تمت أعمال الترسية والتنفيذ على إحدى شركات المحمول، وهذا المشروع سيخدم كافة المناطق المحرومة بطريق (الخارجة باريس- الشب)، وطريق (الداخلة والفرافرة- الواحات البحرية)، وبطريق (بغداد - الأقصر) وأكمل: هذه الشبكات سوف تساهم أيضا في تنمية القرى المحرومة وتوطينها، وجذب المزيد من الاستثمارات التي ستمكن من إقامة مشروع كبرى لتشغيل الأيدى العاملة، في ظل تنفيذ مشروعات كبرى كالمرحلة الأولى من مشروع المليون ونصف المليون فدان بواحة الفرافرة.