قبل 200 عام، قال الفيلسوف الألماني أرتور شوبنهاور، إن بني البشر اخترعوا السياسة، لإخفاء الأنانية الكامنة تحت جلودهم، ولكنها تخترق كل النقب وتفضح نفسها لدى كل مصادف؛ ربما يكون هذا المثل العبقري، العنوان الأمثل لما انتهى إليه الشيخ يوسف القرضاوي، الداعية المصري، الذي وضعته سلطات بلاده، إلى جانب السعودية والإمارات والبحرين، على رأس قائمة الإرهاب المُعلنة أمس، بعدما سخّر الرجل علمه وقدراته وتأثيره الديني، لتأميم السلطة ل«الإخوان». والقرضاوي من مواليد 9 سبتمبر 1926، بقرية صفط تراب، مركز المحلة الكبرى، بمحافظة الغربية، التحق بالأزهر الشريف، مرورا بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ومنها حصل على العالمية عام 1953. انضم لجماعة الإخوان، وبمرور الوقت صار أهم ربُانها، وأحد رموزها التاريخية، واكتسب زخما إضافيا، بعدما رفض تولي منصب المرشد عدة مرات، وكان دائما يؤكد أنه لايريد أن يحصر نفسه على جماعة واحدة، بالرغم من تأكيد مصادر عربية، أنه كان يشارك بشكل أساسي، في كافة لقاءات التنظيم الدولي للإخوان، ممثلا ل«تنظيم قطر». توثقت علاقة القرضاوي بإمارة قطر منذ ستينيات القرن الماضي، وتحديدًا بعدما لجأ إليها هربا من ملاحقة أجهزة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبعد أن ذاق تجربة اعتقال مريرة في يناير سنة 1954، تبعها باعتقال آخر في نوفمبر من نفس السنة، واستمر اعتقاله نحو عشرين شهرًا. تولي رئاسة المعهد الديني الثانوي القطري، ليحصل بعدها على الجنسية القطرية، ليقود الرجل تأسيس المنابر الدينية هناك، على الهوى الإخواني، بدأها عام 1977 بتدشين كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظل عميدًا لها إلى نهاية 1990، ومنها إلى إدارة مركز بحوث السنة والسيرة النبوية بنفس الجامعة، نهاية بتنصيبه رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو الكيان الموازي للأزهر، الذي رغبت الدوحة من خلاله وبالاستعانة بالقرضاوي في الهيمنة الدينية على العالم العربي والإسلامي. حاول القرضاوي طوال سنوات عمره تعميم مشروع «حسن البنا» مؤسس جماعة الإخوان في كافة الدول العربية والإسلامية انطلاقا من قطر، وكان يجاهد لإقناع قادتها، أن «الإخوان» أفضل ما في الشعب المصري، وبفضله بات الإخوان يشكلون الأغلبية العظمى بين الجالية المصرية في الإمارة. كان القرضاوي أهم رءوس حربة الجماعة، إبان اشتعال ثورة يناير، وكان أحد نجوم الداعين للتمرد على قناة الجزيرة، والتي كانت تخصص له حصة يومية، للدعوة للثورة والحشد ضد مبارك وخلعه، وبعد نجاح مقصده، زار مصر عدة مرات، وخطب من ميدان التحرير والجامع الأزهر. شارك «القرضاوي» في حملات تشويه خصوم الإخوان ومحمد مرسي في انتخابات الرئاسة عام 2012، وخاصة الفريق أحمد شفيق، الذي وصفه بعدو الثورة، وكانت لخُطب الرجل تأثير كبير في إيصال الإخوان للحكم. وكما حشد القرضاوي لثورة 25 يناير، كان أهم الداعين لتحطيم ثورة 30 يونيو، وشن الرجل حربا ضارية على الجميع واتهم خصوم مرسي بالخوارج، وكان أخد المحرضين للإخوان على الثبات في «رابعة» لاستعادة منصب مرسي، ورفض أي حل وسط، ليصبح «الداعية» الذي سخرته الجزيرة من وقتها للنفخ في نيران الفتنة، مطارد أمنيًا وشعبيًا، وخاصة بعدما طالب بتدخل دولي لإعادة مرسي، ومحاكمة وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ومحاكمة قادة الجيش والشرطة أمام محاكم دولية، ما حمل السلطات المصرية، على مطالبة قطر بتسليم القرضاوي، بجانب طلبات متعددة عبر الإنتربول. كانت قطر تقابل طلب مصر بتسليمه، بالرفض والتجاهل التام، إلى أن وقعت الواقعة مع إمارة تميم، ليضع الحلف الرباعي العربي القرضاوي على رأس المطلوبين بالقائمة الموحدة لإرهابيي الدول العربية، ليدفع الداعية ثمن الارتماء في أحضان السياسة والإخوان.