بقبلة علي رأسه افتتح أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني فصلاً جديداً من الذوبان في الأيديولوجية الإخوانية مع الأب الروحي الشيخ يوسف القرضاوي، الذي أصبح اسمه وقطر وجهان لعملة واحدة. القرضاوي الذي شنّ الحملات من قطر ضدّ دول الخليج، عراب الأجندة الإخوانية، استمر علي امتداد السياسات والتحولات القطرية، فيتغير ما حوله ويبقي هو نقطة الارتكاز لفكر استنزف الدول العربية قائداً إياها لغياهب القتل والدم والظلام. في عام 1961، سافر القرضاوي إلي قطر وعمل فيها مديراً للمعهد الديني الثانوي، وبعد استقراره هناك حصل علي الجنسية القطرية، وفي 1977 تولي تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظل عميداً لها إلي نهاية 1990، كما أصبح مديراً لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر ولايزال قائماً بإدارته إلي يومنا هذا. ويعد القرضاوي من قيادات الإخوان المعروفين، وهو منظر الجماعة الأول، وعرض عليه فيما مضي تولي منصب المرشد، وكان يحضر اللقاءات الخاصة بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين كممثل للإخوان في قطر. والقرضاوي صاحب كتاب 'الإخوان المسلمون، سبعون عاماً في الدعوة والتربية والجهاد'، كاد يرقص طرباً بتولي الجماعة الحكم في مصر واصفهم بالجماعة الإسلامية الوسطية المنشودة، وقال عن الإخوان أنهم 'أفضل مجموعات الشعب المصري بسلوكهم وأخلاقياتهم وفكرهم وأكثرهم استقامة ونقاء'. وليس خافياً علي أحد كيف جن جنونه بعد عزل مرسي، فمنذ وطأت قدماه قطر وهو يبني إمبراطوريته الإخوانية الموعودة، ليجد هذه الإمبراطورية تنهار دفعة واحدة، وبعد أن كانت الأمور مستترة إلي حدّ ما وجد نفسه مضطراً والحال ذاك لكشف كل أوراقه، منذ ثورة 30 يونيو، فانقلب من داعية إلي قائد إخواني ميداني يحرك عصا الدين يميناً وشمالاً. ورغم أن كثيرين توقعوا أن يطرأ تغيّر ما علي السياسة القطرية، بعد تولي الأمير الجديد مقاليد الحكم، وشيوع أنباء عن طرد القرضاوي الذي كان وقتها متوجهاً للقاهرة بعد التنصيب، إلا أن القرضاوي نفسه نفي في يوليو 'تموز' 2013 صحة طلب الأمير منه مغادرة الدوحة، متهماً النظام السوري باختلاق الأكاذيب عنه. وبالفعل، كان لتلك القبلة التي وضعها الشيخ تميم بن حمد علي رأسه خلال تنصيبه خلفاً لوالده أثر السحر في تأكيد استمرار قطر والقرضاوي علي خط واحد، وأصبحت في رأي الكثيرين بداية 'قصة حب' جديدة، بين الأمير الشاب والقرضاوي. وبأسلوب 'ديكي' متجاوز، استمر القرضاوي بإشعال الفتن، واتخذ من الإمارات عدواً يرشقها بالاتهامات المتتالية تحت عباءة الدين، وهذه التصريحات كادت تعصف بعلاقات الإماراتبقطر، ففي خطبته الأسبوعية التي بثها التلفزيون القطري الرسمي في 25 يناير، قال 'الإمارات تقف ضد أي حكم إسلامي، وتسجن المتعاطفين معه'، وما كان من قطر إلا أن تجاهلت غضبة الإمارات، مستمرة كالعادة في إطلاق طوق القرضاوي ليقود بلا خجل حملة مسعورة لصالح لإخوان علي كل من عاداهم. وفي الوقت الذي شنت فيه الإمارات حملة واسعة علي خلايا جماعة الإخوان المحظورة علي أراضيها، ودعمت الإدارة المصرية الجديدة بعد أن عزل الشعب محمد مرسي، انطلقت قطر لتزيد من دعمها لتلك الجماعة وقياداتها، وانبري القرضاوي كالعادة لدعم الإخوان قلباً وقالباً. ولعل العلاقة بين قطر والقرضاوي والإخوان، قامت في الأساس علي ذلك التداخل العميق في المصالح، والذي قام في الكثير منه علي رهانات، من قبل الطرفين، علي مكاسب ستعود عليهما جراء هذه العلاقة. ففي الوقت الذي سوّقت فيه قطر الإخوان في الدوائر والأوساط السياسية الغربية، بما في ذلك أمريكا، بوصفها البديل المعتدل عن الإسلام السياسي المتشدد في المنطقة، مقنعة بعض حلفائها بأن التيار الإخواني يتمتع بحضور شعبي جارف في الشارع العربي، وخصوصاً في مصر، فقد ساعدت واجهات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في أمريكا وأوروبا، بدورها، علي تسويق قطر، وتضخيم دورها في المشهد السياسي العربي.