غياب الردع يغرى بارتكاب الجرائم ودرجات التقاضى تعانى خللًا وضع المشرع المصرى قانون العقوبات سنة 1937 في عهد الملكية، وعلى الرغم من إجراء تعديلات مختلفة على القانون على مر العصور فإنه ما زالت به عقوبات لا تناسب فداحة بعض الجرائم التي ترتكب، الأمر الذي نتج عنه انتشار عدد من الجرائم التي تهدد أمن المجتمع وتستلزم من البرلمان التدخل لتعديل هذا القانون لإنقاذ المجتمع من الجرائم التي ينام ويستيقظ كل يوم على أخبارها. وتتعدد أشكال الخلل في قانون العقوبات المصرى ومن ضمنها أنه لا يعاقب على النصب إذا سلك النصاب طريق الإدلاء بأقوال فقط دون أن يستخدم مظاهر خارجية مثل أن يكذب ويقول إنه لديه القدرة على السفر دون أن يتخذ ذلك مظاهر خارجية مثل أن يتخذ مكتبا لإلحاق العمال للخارج أو أي مظاهر تجعل الضحية تؤمن بصدق القول فقط لا يعد جريمة حتى لو تحصل على أموال؛ لأن ببساطة قانون العقوبات المصرى لا يعاقب على الأقوال الكاذبة حتى ولو تحصل على مال منك. وهناك مثل شائع يردده البعض وينطبق على هذه الحالة وهو "القانون لا يحمى المغفلين"، ومثال آخر ذلك الدجال الذي يدعى قدرته على تسخير الجان والشفاء من الأمراض هذا يعد أقوالا فقط ولو تحصل منك على أموال لا يعاقب أما إذا أوهمك بكذبه بأنه اتخذ مكانا ووضع فيه أشياءً تجعلك مهيئا لتصديق أقواله كوضع مبخرة ورسومات تجعلك تشعر بصدق كلامه، هذه المظاهر الخارجية يعاقب عليها القانون ما يعنى الكلام فقط لا يعاقب عليه القانون حتى لو النصاب استولى على مال الضحية، أما إذا استخدم مظاهر خارجية ففى هذه الحالة يعاقب عليها القانون. عقوبة الراشى في قانون العقوبات هي الإعفاء من العقوبة حال الاعتراف على المرتشي، وهذه سقطة من المشرع؛ لأن الراشى هو الأصل في الجريمة، وهو أصلا من حرض المرتشى على مخالفة القانون، وغالبًا الراشى هو من صنع المرتشى بإغرائه بمخالفة القانون للحصول منه على حق ليس له، وتنص المادة 107 مكرر من قانون العقوبات على أنه "يعاقب الراشى والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي، ومع ذلك يعفى الراشى أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها". كما أن القانون المصرى أقر بأنه لا يجوز تحريك دعوى الزنا ضد المتزوجة إلا من قبل زوجها إن أراد، وهذا غير وارد على الزوج، فلا عقوبة على الزوج الزانى إلا إذا زنى على فراش الزوجية، وهذا يعنى أنه فرق بين الزوج والزوجة في حالة الزنا وهذا تمييز لا يقره الدستور ولا الشرع. وتنص المادة "273 على أنه "لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناءً على دعوى زوجها"، كما أن المشرع قرر عقوبة بالحبس سنتين للمرأة الزانية على عكس الرجل وهى 6 أشهر فقط، وتنص المادة 274 على أن "المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين"، في حين أنه إذا قام الزوج بالزنى لا تستطيع الزوجة تحريك الدعوى الجنائية إلا إذا ارتكب جريمته في فراش الزوجية، حيث تنص المادة 277 على أنه "كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور"، كما أن العقوبة هنا مخففة عن عقوبة الزوجة الزانية. كما أن قيادة سيارة غير صالحة للسير وبطريقة متهورة مما يؤدى إلى صدم الغير وقتله يحاسب الجانى فيها على جنحة قتل خطأ والعقوبة فيها غرامة 200 جنيه، بالرغم من أن هذه الحالة يكون القتل فيها نتيجة مؤكدة للقيادة، وبالتالى يجب أن يكون التكييف القانونى بالقتل العمد وليس القتل الخطأ وهذا غير وارد بالقانون، بمعنى آخر ضابط القتل الخطأ هو عدم العمد في إزهاق روح، وفى هذه الحالة لو قمت بقيادة سيارة غير صالحة ومتهالكة فإن النتيجة الحتمية لقيادة تلك السيارة هو القتل، وبالتالى لا وجود هنا للخطأ والأصح هو القتل العمد. وتنص المادة 238 على أنه "من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تتجاوز مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين"، وأدت هذه المادة إلى استهتار قائدى السيارات بأرواح الناس والقيادة بسرعة جنونية وعدم الالتزام بقوانين المرور والقيادة تحت تأثير المخدرات والتي تعتبر كلها مقدمات لارتكاب جريمة القتل. من جانبه يقول الدكتور أيمن السعدني، المدرس المساعد بكلية الحقوق، جامعة القاهرة، إن قانون العقوبات يحتاج إلى تعديل بعض المواد التي أصبحت غير مناسبة للوقت الحالي؛ نظرًا لضعف العقوبات أو انخفاض الغرامات في ظل تراجع قيمة الجنيه، وأضاف أن هذا القانون ما زال يحتفظ ببعض المصطلحات والجرائم التي كانت تطلق في عهد الملكية مثل جريمة الإخلال بأمن الحكومة وهى الجريمة غير المحددة حتى الآن. وأشار "السعدني" إلى أن عقوبات الغرامات والقتل الخطأ والزنى من أبرز النصوص التي تحتاج تعديلًا؛ لأنها أصبحت لا تناسب العصر أو بها قصور يغرى المجرمين بارتكاب هذه الجرائم دون رادع، وطالب البرلمان بإجراء تعديل شامل لقانون العقوبات ومراجعة كل مواده، مؤكدًا أن غياب الردع في العقوية يشجع على ارتكابها. ووصف "السعدني" إصدار التشريعات الخاصة ببعض الجرائم مثل التحرش والغدر وغيرهما من القوانين الخاصة ب"الإسهال التشريعي"، وأكد أن تعديل قانون العقوبات كان يغنى عن كل هذه التشريعات، مضيفًا أن قانون التحرش الذي صدر حديثًا له أصول في قانون العقوبات، وكان من الأفضل للمشرع تعديل المواد الخاصة بمادة الاعتداء على الأنثى. وأضاف أن بدرجات التقاضى خللا جسيما، ففى الوقت الذي يكفل فيه القانون للجنح والمخالفات درجتى تقاضى هي الجنح والاستئناف يشكل ضمانة للمتهم بنظر قضيته مرتين، إلا أنه حرم المتهم في جريمة جناية من هذه الضمانة وجعل التقاضى في الجنايات على درجة واحدة على الرغم من خطورة عقوبة الجناية، مشيرًا إلى أن محكمة النقض لا تنظر موضوع القضية وإنما تنظر إلى تطبيق القانون فقط، وبالتالى فهى محكمة قانون وليست محكمة موضوع ولا يستفيد منها المتهم إلا إذا كان الخلل في تطبيق القانون واضحًا.