هل صدفة أن يولد يوسف شاهين، في الخامس والعشرين من يناير، نفس اليوم الذي وافق قيام الثورة المصرية؟ مع «چو»، لا احتمالات للصدفة؛ لا صدفة مع الذي عاش طوال حياته فنانا، على يسار كل سلطة، ينادي بحريته وفنه وهمومه؛ يصرخ تارة، ويهدأ تارة أخرى، فيتهمونه بالجنون. يحكي «چو» في حوار له: «جمال عبد الناصر كان مسميني الواد ابن المجنونة، وكانوا بيخافوا يستضيفوني على الهواء؛ علشان لساني فالت». الثورة والتمرد، شيئان متواجدان دائما في سينما يوسف شاهين، هو متمرد دائما على كل شيء، حتى على نفسه؛ ففي نهاية مشواره قال: إن معظم أفلامه كانت غامضة، وأنه نادم؛ لأنه لم يستطع أن يحكي للناس ما يريده ببساطة، لذلك لجأ في أواخر أفلامه إلى الأسلوب المباشر في طرح الفكرة. «چو» يكره قوى اليمين أيضا؛ هذا واضح جدا في أعماله، مثلا في أول مشهد في فيلم حدوتة مصرية، يظهر بشخصيته الحقيقية داخل الاستوديو، يوجّه الممثلين، أحدهم يسأله: «أكسر يمين يا أستاذ؟»، يرد «چو» قائلا: «يمين فين يا منير، هتخش في الحيطة». أدرك «شاهين» الفنان، أن الوقوف على الحياد لا يدخل صاحبه الجنة، ولا يدخله النار أيضا، فكان منحازا دائما لأفكاره، التي كوّنها لنفسه، سواء أعجبت الناس أو أغضبتهم. الثورة موجودة دائما في أفلام «چو»، أبرزها فيلمه الأخير «هي فوضى»، الذي ساعده المخرج خالد يوسف في إخراجه، هذا العمل الذي يمثل ملحمة درامية عن نظام فاسد، حكم مصر ثلاثة عقود، تجسد في شخصية «حاتم» أمين الشرطة المستبد، والذي كان يردد دائما: «أنا الدولة.. أنا مصر». تناول «چو» الفكرة بشكل مباشر بسيط؛ فالسجون ممتلئة بالشباب، انتخابات الشعب مزورة، القمع يصل إلى حد اغتصاب الشعب، متمثلا في شخصية «نور»، التي تعرضت للاغتصاب من قبل أمين الشرطة الفاسد، فكانت النهاية طبيعية بعد تفشي هذا الفساد، ثورة وشعب خرج ليقتحم أقسام الشرطة؛ تعبيرا عن غضبه، وهذا ما حدث تماما في ثورة يناير 2011، التي توافق ذكراها ميلاد هذا العبقري الثائر. لكن هل انتصرت ثورة يناير التي تنبأ بها يوسف شاهين؟ يجيب «چو» من خلال فيلم «عودة الابن الضال» عام 1976، الذي تناول فيه قصة أب له ابنان؛ الابن الأصغر غائب؛ لأنه يدرس الهندسة، والأكبر لم يستكمل دراسته، فيصير طاغيا في القرية، وتسانده أمه في ذلك، فيضع أهل القرية آمالهم على عودة الابن الغائب، كي ينقذهم من بطش أخيه، لكنه يعود في النهاية ضعيفا، مغلوبا على أمره، إلا أنهما يصطدمان في النهاية، ويتقاتلان، وتكون النهاية مأساوية. في هذا الفيلم يمكن أن نضع أحداثه بجانب ثورة يناير، وسوف نجدهما متطابقين، فهذا الابن الذي كان يتطلع الناس إليه كي يأتي، ويخلصهم من القمع، جاء ضعيفا وهزيلا، وغرق في بركة من الدماء، وهكذا كانوا شباب الثورة، الذين دفعوا دماءهم وأرواحهم ثمنا لأحلامهم النقية البيضاء. ولا يمكن أن ينسى المصريون أغنية «الشارع لمين؟ الشارع لنا» التي غنتها ماجدة الرومي خلال الفيلم، والتي أصبحت أنشودة ثوار مصر في ميدان التحرير، هذه الأغنية التي تطلب الحرية وترفض القمع. في فيلم «العصفور» أيضا، الذي أخرجه يوسف شاهين في 1972، كانت عينه الثاقبة التي تشبه عين القط البري، متيقظة منتبهة، فبعد هزيمة نكراء في 1967، رأى «چو» أن الفساد المستشري في النظام المصري، لا يقف وراءه الرئيس وحده، ولكن هناك دولة عميقة، هي التي تتحكم في كل شيء، وذلك تجلى في شخصية «رؤوف» التي قام بها الممثل سيف عبد الرحمن، وهي شخصية تستخدمها أجهزة الدولة؛ لتنفيذ كل عمليات الفساد، ويكون هو الواجهة فقط، وعندما يقع يخرج الفاسدون مطالبين بتحقيق العدالة، والتخلص من أمثاله. يُصدم الشعب المصري بعد النكسة، فيستسلمون، لكن «چو» في هذا العمل يصرخ، يقول: لا. فيخلق أشهر شخصيات السينما المصرية، وهي «بهية» التي قامت بدورها القديرة محسنة توفيق، والتي تجسد مصر؛ لتخرج قائلة: «لا.. هنحارب.. هنحارب»، وتقوم مظاهرة كبيرة، تعبر عن رفض الشعب للظلم والفساد والهزيمة والاستسلام.