سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في بداية الأسبوع السبت 11 مايو 2024    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    مندوب مصر لدى الأمم المتحدة: ما ارتكبته إسرائيل من جرائم في غزة سيؤدي لخلق جيل عربي غاضب    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو حول دعوتها للمشاركة في إدارة مدنية بغزة    مأ أبرز مكاسب فلسطين حال الحصول على عضوية الأمم المتحدة الكاملة؟    على طريقة القذافي.. مندوب إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة (فيديو)    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    الخارجية الفرنسية: ندعو إسرائيل إلى الوقف الفوري للعملية العسكرية في رفح    البحرين تدين اعتداء متطرفين إسرائيليين على مقر وكالة الأونروا بالقدس    هانيا الحمامى تعود.. تعرف على نتائج منافسات سيدات بطولة العالم للإسكواش 2024    أوباما: ثأر بركان؟ يحق لهم تحفيز أنفسهم بأي طريقة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    «كاف» يخطر الأهلي بقرار عاجل قبل مباراته مع الترجي التونسي (تفاصيل)    جاياردو بعد الخماسية: اللاعبون المتاحون أقل من المصابين في اتحاد جدة    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    ضبط المتهم بقتل صديقه وإلقائه وسط الزراعات بطنطا    أنهى حياته بسكين.. تحقيقات موسعة في العثور على جثة شخص داخل شقته بالطالبية    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    حار نهاراً.. ننشر درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت فى مصر    مصرع شخص واصابة 5 آخرين في حادث تصادم ب المنيا    غرق شاب في بحيرة وادي الريان ب الفيوم    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    «عشان ألفين جنيه في السنة نهد بلد بحالها».. عمرو أديب: «الموظفون لعنة مصر» (فيديو)    عمرو أديب عن مواعيد قطع الكهرباء: «أنا آسف.. أنا بقولكم الحقيقة» (فيديو)    حج 2024.. "السياحة" تُحذر من الكيانات الوهمية والتأشيرات المخالفة - تفاصيل    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    سيارة صدمته وهربت.. مصرع شخص على طريق "المشروع" بالمنوفية    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    حظك اليوم برج الجوزاء السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    تراجع أسعار النفط.. وبرنت يسجل 82.79 دولار للبرميل    محمد التاجى: اعانى من فتق وهعمل عملية جراحية غداً    الإبداع فى جامعة الأقصر.. الطلبة ينفذون تصميمات معبرة عن هوية مدينة إسنا.. وإنهاء تمثالى "الشيخ رفاعة الطهطاوى" و"الشيخ محمد عياد الطهطاوى" بكلية الألسن.. ومعرض عن تقاليد الإسلام فى روسيا.. صور    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    أخبار كفر الشيخ اليوم.. تقلبات جوية بطقس المحافظة    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لتعزيز صحة القلب.. تعرف على فوائد تناول شاي الشعير    مادلين طبر تكشف تطورات حالتها الصحية    شهادة من البنك الأهلي المصري تمنحك 5000 جنيه شهريا    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    نقاد: «السرب» يوثق ملحمة وطنية مهمة بأعلى التقنيات الفنية.. وأكد قدرة مصر على الثأر لأبنائها    "سويلم": الترتيب لإنشاء متحف ل "الري" بمبنى الوزارة في العاصمة الإدارية    آداب حلوان توجه تعليمات مهمة لطلاب الفرقة الثالثة قبل بدء الامتحانات    حسام موافي يكشف أخطر أنواع ثقب القلب    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    فضائل شهر ذي القعدة ولماذا سُمي بهذا الاسم.. 4 معلومات مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة، الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام «شاهين» الستة: يوسف مات.. لكن النبوءة تحققت
نشر في المصري اليوم يوم 27 - 07 - 2012

في البدءِ خلق الله السماوات والأرض، ستة أيام ثُم فَرغ، ورأى كُل ما عَمله حَسن جدًا. وفي المُنتهى تَبقى روح المرءِ مُعلّقة، لأيام ستة أيضًا، تنظر إلى ما عَملت في سنينٍ عدّة، قبل أن تصعد إلى السماء.
وبالمِثلِ كانت روح «يوسف» في أيامه الأخيرة.. في البداية غَيبوبةٍ كاملة لمدّة شهر ونصف بين مستشفيات القاهرة وباريس، مُعافرة ومُناطَحة من يأبى مُغادرة الحياة التي ملأها صَخبًا لثمانين حولًا دون أن يَسأم. وفي النهاية أصبحت الرّوح مُعلّقة: بين هذا الجسد الغائب في فراشه يترك فيه حَيزًا غائرًا بطولِ ما بقى عليه، وبين كُل ما تركه قبل اللحظة التي جاءَ فيها هُنا بنزيفٍ حاد في المُخ وقلب مُعتل من أثرِ السنين وعمليتي القلب المفتوح اللتين أجراهما.
في تلك الأيام لم يكن شاهين يَشعر بشيء.. ربما مرت في ذهنه أحلام بأفلامٍ لم يحققها.. مُحبُّوه في المقابل تمنوا أن تستمر حياته أبدًا وأن يكون الأمر كوباء «الكوليرا» الذي تناوله في أحد أعظم أفلامه: يَصمد لستة أيام ضد المرض ثم يَعيش. أما الرَّوح ذاتها فكانت تجوَّل بين إرث الأيام قبل أن يُقضى الأمر بالحياةِ أو الموت:
اليوم الأول: نوفمبر 1948
الصَقيع لم يَكن مُحتملًا في تلك الليلة الشتوية، ولكن دفء قَلب الفتى الصّغير والهَاش للحظة التي انتظرها طوال عامين في بلادِ بعيدة لم يجعل جسده يشعر بشيء. فقط كان يبتسم وهو ينظر إلى البحرِ المُمتد، ويفكر في أن ساعات قليلة تفصله عن شاطئ الإسكندرية من جديد.
كان «شاهين» يحمل في يده حقيبة ملابسه، وفي قلبه الكثير من الأحلام التي صارت قريبة التحقق. أحلام احتمل لأجلها قَحط السنوات الثلاث الماضية منذ انتهى من الدراسة في «فيكتوريا كوليدج»، وصولًا للجري بأقصى ما يستطيع وراء «السراب» المتمثل في السفر إلى أمريكا لدراسة السينما، ثم مُعجزة أنه استطاع اللحاق بال«الفرصة» وسافر.
وفي حين اعتقد أن الجزء الأصعب قد انتهى، كان في الحقيقة قد بدأ لتوه.. مواجهة حقيقة أنه صغير جدًا بالنسبة للعالم من حوله، أنه فتى مصري صغير وفقير وغريب في بلادٍ غريبة، وأن هناك الآلاف مثله يحلمون بالسينما والأفلام، ولكي يُصبح شيئًا فإنه بحاجة إلى الوصول لأبعد من السراب الذي لحقه قبل وقت قليل.
فقط الأحلام هي التي جعلته يحتمل.. الأحلام التي كان يعبئها في حقيبته كل ليلة، حلمًا وراء حلم.. ويكبر الفتى بالتجربة ليعرف الكثير عن الحياة.. يعرف مثلًا الفارق الضخم بين ما يستطيع فعله وما يريد فعله، ولكنه يصر، رغم ذلك، على السير وراء ما يريد، ويزداد إيمانًا بضرورة أن يكمل المَسير مهما كان الطريق أطول من اعتقاده أو احتماله أو مؤنه القليلة، ويفكر دائمًا فيما سيحدث عندما يعود، وفي الآمال التي تعلقها عليه العائلة، ويفكر كذلك أن يجد في أمريكا إجابة السؤال الذي سمعه على لسان جدته وهو في الرابعة من عمره حين مات أخيه الأكبر: «مش كان الصغيَّر هو اللي مات؟»، والأهم: أن تكون الإجابة «لا».
لم يستطع من فرطِ الحماس أن ينام في تلك الليلة. فراح يتنقل على سطحِ السفينة بخفة راقصة.. يحكي عن الإسكندرية ورائحة بحرها.. يحكي عن أحلام المستقبل.. بينما أسئلة الآخرين كانت أكثر عقلانية مما يحتمل قلبه المنطلق: «ماذا تعلمت هناك يا يوسف؟».. «ماذا تعلّمت هناك؟» يرددها على مسامع نفسه.. الكثير من التقنيات بالتأكيد: كيف يخلق الصورة وكيف يسبر أغوار جمالياتها التي تختلف من مرة إلى مرة.. «تعلمت أيضًا كيف أحكي الحكاية، كيف أروي الحدوتة بشكل جذاب».. ثم «ماذا تعلمت أيضاً يا يوسف؟».. ربما أهم شيء تعلمه هو «الإحساس»، وهو أهم ما جذبه للسينما من البداية، كيف تضع جزءًا من روحك في كل فيلم تصنعه، كيف يبدو الأمر كأنك تنظر في المرآة.. الذكريات الصغيرة والتفاصيل والأسماء.. كيف تصبح الأفلام ذاكرة حياتك وحياتنا لشدّة التصاقك بها..
بدأت الإسكندرية تظهر في الأفق.. صعد إلى أعلى نقطة في السفينة وصرخ بأقصى ما يستطيع وكأنه ينادي المدينة فعلًا كي تسمعه.. المدينة بشوارعها وبيوتها ودكاكينها التي عاش بينها وفيها.. راجع للمرة الأخيرة كل ما يحمله.. هاملت وشكسبير وجين كيلي وفريد إستير والموسيقى والرقص و..السينما، الكثير من السينما المُختلفة التي يعرف جيدًا أن أحدًا لن يقدمها في بلاده غيره.
كان يوسف يشعر في تلك الليلة أنه أحضر العالم في قلبه من العالم الآخر كي يزرعه على شواطئ مدينته، وأنه لن ينتظر طويلًا كي يرى الحصاد.
اليوم الثاني: أغسطس 1961
كم هي المسافة بين الأحلام العظيمة التي تلامس حدود السماء والإحباطات التي تدفن كل شيء دون رحمة؟ ما هو الفارق بين الفتى الذي عاد يحمل العالم في قلبه ويريد أن يغير وطنه، وبين الكهل الأربعيني الذي غيره هذا الوطن وأغرقه في الواقعِ المُر الذي لا يسمح لأي حلم أن يتنفس؟ كم عام مر لتدرك يا يوسف أنك مازلت صغيرًا جدًا أمام هذا العالم؟
تلك هي الأسئلة التي كانت تدور في رأسه بعد أن انتهى لتوه من مكالمة مع «سميرة أحمد»، بطلة ومنتجة فيلمه الأخير «رجل في حياتي»، تخبره بأن الفيلم لم يدر عليها أي دخل. أغلق الهاتف بأسى. فحتى مع كل التنازلات التي قام بها، كان الحصاد فشلًا جديدًا.
ومع كل فشل كان يتذكَّر ليلة «باب الحديد» التي لن ينساها. ثلاث سنوات مرت، ومع ذلك كانت كل التفاصيل واضحة: الجمهور الذي كَسَّر قاعة العرض، الفيلم الذي رُفع بعد ثلاثة أيام من عرضه، منتجه الذي كاد أن يفلس وأخبره أنه لن يتعامل معه مرة أخرى، النجوم الذين أعرضوا عنه في حال ظل على هذا «التعقيد» الذي لن يفهمه المتفرجون، والأهم: تلك «البصقة» الغاضبة من أحد المتفرجين والتي بدت كنهاية للعالم، عالمه على الأقل.
مَسح يوسف بيده على وجهه وكأنه يحمل عجز الدنيا كله، طفل تائه لا يعرف أين يذهب أو ماذا يفعل، يتذكر كل مواجعه وآلامه وكأنها تتجسد من جديد وتخرج له لسانها، يتذكر سؤال جدته المُحَمَّل بالتمني «مش كان الصغير؟» ولا يجد الإجابة.. ربما كان أفضل أن يموت.
لن يفهم أحد ماذا عنى «باب الحديد» له، كيف حال بينه وبين «الموت»، ولا شيء أقل من ذلك، بعد أن فقد الحبيبة لآخر فَتي.. كل ما كان يريده هو أن يتكلم، وحين لم يستمع أحد، حين نهروه لمجرد التعبير عن آلامه، عاد الموت من جديد.. إعياء كامل لأسابيعٍ طويلة، في كل ساعة منها يفكر أنه لن يستطيع أن يكمل للساعة القادمة، وفي النهاية استسلم تمامًا.. سأصنع القصص التي تريدونها، سأحكي الحواديت، من أحب ومن تزوج ومن شُلّت ومن أصبحت راقصة، لابد من نجوم كما يريدهم الجمهور.. لم لا؟ برلنتي عبدالحميد أو نادية لطفي أو شكري سرحان أو أحمد رمزي أو سميرة أحمد كعمياء في ميلودراما مفجعة.. ألا تريدون الخيرِ مطلقًا والشر كذلك؟ ولم لا؟ طالما سيسعد الجميع.
والحقيقة أن أحدًا لم يسعد، بينما حمل هو كل الحزن وحده.. فشل وراء الآخر، ثلاث سنوات هي الأسوأ، حتى مضاعفة عدد السجائر التي لم تعد تنطفئ لم يكن كافيًا ليعبر عن احتراقِ روحه كل يوم.
حتى مشاهدته للقطات التصوير بين المعابد في «صراع في الوادي» لم يكن يؤانسه، حتى تذكره كيف سهر مع المصور «أحمد خورشيد» حتى الصباح لكي يضعوا عدة مرايات تعكس ضوء الشمس للتصوير بداخل مقبرة فرعونية، حتى عشقه لأدائه في باب الحديد أو لمشهد الطوفان في ابن النيل أو حب الجمهور ل«جميلة بوحريد» التي اخترعها دون أن يرها أو يرى الجزائر، حتى كل هذا لم يكن كافيًا ليشعره أنه مخرج جيد.. آلاف الكادرات تتزاحم كشريط المونتاج في رأسه، والسؤال الأكبر الذي يراوده «هل لكل هذا قيمة؟»
كان يشعر لمرةٍ جديدة أن العالم سينتهي في تلك الليلة وما من صباحٍ.. الهاتف يرن من جديد، ويكاد قلبه ينخلع.. ولكن ما حدث بعد عدة دقائق أعاد روحه إليه.
كانت مكالمة من «عز الدين ذو الفقار» يطلب رؤيته، والسبب: إخراج فيلم «صلاح الدين» الذي يحضره ذو الفقار منذ سنوات ويحول المرض بينه وبين إكماله ويريده هو، تحديدًا، أن يخرجه. حاول شاهين الاعتذار لأنه ليس «فيلمه» و«لا يعرف شيئًا عنه» والأهم -الذي لم يقله- أنه لا يحتمل فشلًا جديدًا سيقضي حتمًا على حياته. رد ذو الفقار في هدوء أن «كل مخرجي مصر يسعون لهذا الفيلم، ولكن أعتقد أنك الوحيد الذي يستطيع إخراجه بصورة جيدة». ورغم أن شاهين لم يكن مقتنعًا بعد، إلا أن الجملة التالية كانت كافية لإقناعه، لأنها في الحقيقة ما كان بحاجة لسماعه في تلك اللحظة، حين أوضح ذو الفقار سبب تمسكه به: «لأنك أفضل مخرجي مصر».
أغلق شاهين الهاتف بموافقة مبدئية وموعد مع ذو الفقار والسيدة «آسيا» منتجة الفيلم. وعادت كل الأحلام لتحتل الغرفة.. أخذ يفكر في مشاهد بعينها سيخرجها، وأنه سيصنع فيلمًا تاريخيًا يضاهي أكبر أفلام هوليوود.. فكّر في العائلة التي ستفخر به وفي المهرجانات التي ستكرمه وفي الناس الذين سيعاملونه لأول مرة ك«مخرج كبير».. فكر أن تلك هي «الفرصة الأخيرة» كي يخرج من بئر الفشل والإحباط الذي سَقط فيه ويعود للعالم الذي مازال يحمله في قلبه.. أشعل السيجارة الأخيرة في علبته وابتسم برضا لأول مرة منذ زمن وفكر أن الحصاد تلك المرة سيكون مختلفَا.
اليوم الثالث: مايو 1970
كالعادة لا يستطيع البقاء في صالة على شاشتها أحد أفلامه، خصوصًا لو كان العرضِ الأول.. يُشعل سيجارة من علبة سجائره.. يتحرك جيئةً وذهاباً في الطُرقة الخارجية للقاعة التي تعرض الفيلم بمهرجان «كان».. يحاول أن يتلمَّس أي رد فعل من الجمهور.. ولكن لا شيء.. فقط صوت فيلمه وموسيقى علي إسماعيل.. الكورال وهو يغنّي «الأرض لو عَطشانة» والتترات وهي تنتهي لتوّها، ليبدأ الفيلم.
«الراجل أبو سويلم ده مش هيجيبها لبر أبدًا، بيحفر قبره بإيده، آخرته وحشة»..
ومع طول الانتظار، فكر شاهين في مسيرته. فكر في الماضي والمستقبل.. وفكر في فيلمه هذا: «الأرض».. لقد انتهيت لتوّكَ يا يوسف من أعظم أفلامك، أنتَ تعرف ذلك، وليرى العالم بعد ذلك ما يرى، فهم لا يعلمون ماذا عنى لك، لا يعرفون شيئًا عن قضاء الأيام وسط الفلاحين لكي تسرق تفصيلة من هنا وهناك، لا يعرفون شيئًاعن الجلوسِ على «الأرض» بالساعات وملامسة طينتها كي تصدق ما تتحدث عنه، لا يعرفون شيئًا عن إعادة تصوير كل لقطة عشرات المرات حتى تصل إلى ما تتخيَّله، وهم -حتماً- لا يعرفون شيئًا عن مشاعر الخزي والضعف والخيانة والخوف التي كانت تُحركك أثناء إخراجه، مشاعر النكسة.
«البقرة وقعت في الساقية.. الحقني يا عبدالهادي.. الحقوني»..
الأمر يبدو واضحًا بالنسبةِ له، إذا كان «باب الحديد» هو الرد على الموت، فإن «الأرض» هو الرد على الهزيمة الأشبه بالموت.. هزيمته الشخصية. لا تحتاج أن تكون مسؤولًا في الدولة أو حتى جندي في أرضِ سيناء كي تشعر بأنّك أحد المتسبّبين فيها.. يكفي فقط أن تكون في ذات الوقت بالجنوب تصنع فيلماً ك«الناس والنيل» عن «مجد السد العالي» و«الشراكة المثمرة بين مصر والإتحاد السوفييتي» كي تشعر بأنك فعلت ما هو أسوأ: تزييف وجدان الناس وتصدير ما هو غير حقيقي، حتى لو كنت أنتَ نفسك مؤمنًا به.. «الناصر» صلاح الدين؟ «الناصر» كان منتصرًا.. فأين نحن الآن من الانتصار؟ أين نحن الآن من «الثورة» التي بدأت -كبداية كل شيء- هادئة ورائعة؟
في كل مرة سار في الشارع ورأى رؤوس الناس المُنَكَّسَة، في كل مرة لاحظ أنهم لا ينظرون مباشرةً في عيون بعضهم، كان يُدرك أن لديه شيئًا يريد أن يقوله، بدافع من الذنب نعم، ولكن أيضاً بدافعِ من الإيمان: تلك ليست النهاية وأنتم -أيها الناس- الثورة والحياة كلها، لذلك يجب أن نتمسَّك بالأرض ونؤمن أنها ستعود ولو بعد حين.. أدمع للحظاتٍ وهو يستمع لصوتِ «أبو سويلم» من داخل القاعة:
«على أمل تيجي يا شيخ حسونة وتنفخ في صدورنا نصحى من جديد.. نصحى من جديد»..
كان يريد أن يَنفخ الرَّوح في نفسه قبل الآخرين. هو يتذكَّر جيدًا تصوير هذا المشهد تحديدًا.. أراده بعثًا للحياة.. ثلاثة دقائق وعشرون ثانية دون أن تتوقف الكاميرا لأنه لا يريد للمونتاج أن يقلل من حماسة وحميمية اللحظة.. عشرون مرّة أعاد المليجي المشهد، وفي كل مرة كان الأستوديو يصفق، لكنه كان يريد أكثر.. ينظر في عين ممثله وهو مدرك أنه سيفهمه، وفي النهاية.. حين وصل إلى اللقطة التي يريدها لم يصفق.. ذهب إلى المليجي وقبَّل يده وبَكى بشدّة، لأن الرّوح كانت قد عادت إليه مع نهاية المشهد وأدرك أن ذلك سيكون شعور كل من سيشاهده.
ورغم ذلك، رغم كل شيء، ظل شعور الذنب مسيطرًا عليه. شعور بالغضب تجاه نفسه وتجاه جيله كله، تجاه «المثقفين» الذين كان يجب عليهم أن يكونوا في صف الشعب، فإذ بهم يندمجون تمامًا مع رؤية وكاريزما السلطة ويمارسون تناقضًا مُدهشًا بين ما ينادون به وما يفعلونه.. يذكرونه بالقصة التي حكاها له «نجيب محفوظ» قبل سفره إلى «كان» عن الشقيق الذي قتل شقيقه التوأم ليعيش حياتين، يعيش بوجهين، أحدهما وسط مجتمع السلطة والآخر وسط الناس.. مثلهم كان، ولا شيء يمكن أن يغفر له ذلك. لن تغفر له مشاهد الدماء التي تسيل على القطن الأبيض، لن تغفر له يد «أبو سويلم» المسحول التي تتمسَّك بالأرض، ولن يغفر له شعور الرفض والحماسة و«الثورة» الذي يتركه الفيلم بداخل الجمهور الذي يسَمعه الآن، في تلك اللحظة تحديدًا، يُصفّق بعنف بعد نهاية «أفضل أفلام دورة المهرجان» حسبما قال له أحد النقاد الفرنسيين الذي خرج ليبحث عنه.
وبالفعل كان الأرض ملحمة عظيمة طاولت بجمالياتها السماء. صديقه «مارسيل مارتن» قال إن هذا الفيلم يعد «فتحًا للسينما العربية».. «كلود ميشيل» قارنه بفيلم «أندريه روبلوف» للروسي «أندريه تاركوفسكي» من حيث عظمة وصرامة النزعة الملحمية.. «جيرارد كونستابل» قال إنه «أعظم فيلم سينمائي شاهده في السنوات الخمس الأخيرة».. والأهم من ذلك كله كان التصفيق الذي لم يتوقف من مشاهدين فضّل أغلبهم الوقوف احترامًا لما انتهوا من مشاهدته لتوهم.
خلال تلك الليلة، ظل يوسف وحيدًا في غرفته يزاوج بين مشاعر اليأس والأمل فيما هو قادم.. بين الإيمان والكفر بما يمكن أن يفعله كسينمائي في وجدان جمهوره.. يشعر بالرضا والفرحة بالاقتراب من الجائزة الكبرى للمهرجان.. ولكنه في المقابل يفكر أن ما قدمه في «الأرض» هو رد على الهزيمة.. يتبقى له الآن أن يفهم لماذا حدثت.. والمؤكد أنه شعر بالثقة كي يقول ما يريد بالشكل الذي يريد لأول مرة منذ «باب الحديد».. سيتوقف عن سردِ الحواديت دون أن يخافَ الناس.. لن يخاف بعد الآن سوى من نفسه التي سيقابلها في نهاية الرحلة الطويلة.
اليوم الرابع: يناير 1978
لم يكن مُضطرًا -على غير عادته- أن يعيد كل مشهد عشرات المرات، خصوصًا في المشاهد التي جمعت الفتى الصغير بالمليجي. كان الأخير قد أصبح ركنًا دائمًا في أفلامه، فصار مع طول العشرة -الممتدة لعشرين عام أو يزيد- يفهمه ويشعر بإحساسه منذ اللقطة الأولى. ولكن ماذا عن هذا الفتى الصغير، المُدهش، صورته الصغرى في المرآة، الحلم الأخير الذي تحقق فجعل لكل الأحلام الأخرى معنى؟
كان في اليوم السادس من تصوير عمله الجديد الذي يتناول فيه سيرته الذاتية بشكلٍ مباشر حين قام بتصوير هذا المشهد.. مشهد بسيط يجلس فيه «يحيى» مع والده على الشاطئ، الأخير يصطاد والأول يخبره أنه لا يريد دراسة الهندسة ويفكر في دراسة السينما.. كاد المشهد أن يمر بشكل عادي حتى رأى «تلك النظرة».. شَعر برعشةٍ قوية بداخله.. كأن الأيام قد عادت للوراء.. نفس النّظرة ونفس الشعور ونفس طريقة النُّطق والتّهْتَهة.. كان المليجي يبدو كوالده بالمللي، و«محسن» تجسد تمامًا بالشكل الذي كانه هو يومًا.
يفكر في تسمية الفيلم «إسكندرية ليه؟!».. «ليه؟» هي الحكاية كلها.. البحث والتفكير في زمنه وجيله والنقطة التي بدأ منها كل شيء.. جيل الثورة والأحلام العظيمة، ثم الانكسارات والنكسات العظيمة أيضًا.. يجب أن يفهم ثم يتصالح كي يكمل حياته بصورة أفضل.. يجب أن يحدث الناس بصوتٍ عال كي يفهموا معه.. ليست نرجسية وليس لأن سيرته هي المهمة، ولكن لأن المهم هو سيرة جيل كامل.
بدأ كل شيء بعدما انتهى من ثلاثيّة الهزيمة، بعد أن حاول يفهم، وبصوتٍ عالٍ أيضًا، كيف ولماذا حدثت، كيف خان المثقف مجتمعه وصار صوتًا للسلطة في «الاختيار»، وكيف ازداد الفساد بداخل السلطة نفسها لدرجة غير مسبوقة أدت للهزيمة في «العصفور».. وانطلاقًا من نهاية «العصفور»، التي كانت صرخة رفض جديدة بعد «الأرض» ترفض الخضوع والانكسار وتؤكد «هَنْحارب»، بدأ عمله الأخير «عودة الابن الضال» بحثًا عن إجابة لسؤال «ماذا بعد؟».. والإجابة كانت: جيلٍ جديد يتحرَّر من الماضي بكل ما فيه وبكل ما يحمله من أحلام وأشباح وينظر إلى الأمام ويخلق مستقبله الذي يغيّر كل شيء.
وبعدما انتهى من كل هذا، من السؤال الذي حيَّره لمدة عشرة سنوات -لماذا انهزمنا وانهزم جيلنا كله؟- شعر أنه أصبح فارغًا.. خواء كامل.. فكّر في الاعتزال بعد أن صار في عامه الخمسين ولا يجد ما يقوله. لكن صوتًا عميقًا خرج من داخله ليخبره أن لديه الخمسين عامًا كاملة.. لديه حكايته وحكاية زمنه وحياته والبذور التي أنبتت كل ما عايشه لسنواتٍ طوال.. لذا كان القرار: أن يحكي ويقول، خاصة بعدما امتلك ما كان ينقصه وينتظره: هذا الفتى ولا أحد غيره. وهكذا، ففي اليومِ السادس من تصوير «إسكندرية ليه؟» أدرك قيمة ما أصبح يمتلكه.
عين «محسن» التي حملت نظرة يوسف جعلت كل الأحلام التي ظن أنها فاتت تعود من جديد.. فرصة ثانية لكل شيء.. صار هناك معنى لأن يحكي سيرته طالما هناك من يمثّله بذلك التطابق.. يفكر في احتمالية أن يصنع فيلمًا يهديه إلى «جين كيلي» ويملأه بالغناء والرقص.. يشعر للمرة الأولى أن «هاملت» الذي تمنى أن يجسده يومًا بات قريبًا للغاية.
كان الأمر أشبة بأن تُبعث ذاتك التي كنتها في العشرين من جديد.. تصحح كل الأخطاء التي ارتكبتها، وتحقق كل الأمنيات التي فاتتك مع مرور السنين. كان الأمر أشبه عودة بالزمن وبتدفُّق الدماء إلى القلب ورجوع الأحلام كي ترقص في الغرفة من جديد، لفرطِ الحماس لكل شيء، ولكل الأفلام التي آن لها أن تُصَوَّر.
صرخ يوسف «قفشتها» لينهي هذا المشهد.. كان ينظر إلى «مُحسن» وهو يتحرّك في الكواليس، ويشعر بعظمة المعجزة التي تحدث، ويفكر بامتنانٍ: أنَّك تستحق ذلك يا يوسف، لطولِ الصبر وكثرة الآلام والظلم والجروح التي لا تحتمل، يَطيب وجدانك للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة وتجري وراء الأحلام في رأسك كي تحققها كلها، ينظر في الورقة في يده ويجد اسم «هاملت».. ربما يجب أن يكون ذلك هو الفيلم القادم.
اليوم الخامس: مايو 1997
الثقل الذي يشعر به في أذنه جعله لا يسمع «إيزابيل إدجاني» حين نطقت باسمه. لَكزة خفيفة من «جيل جاكوب» -رئيس مهرجان «كان» المنتظر- نبهته إلى اللحظة الأهم في حياته كلها.
لكن المسألة لم تكن ثقلًا في الأذن فقط، بل أيضًا الأفكار والذكريات التي غرق فيها طوال الساعات الماضية بعد أن عرف أن المهرجان سيكرمه بجائزة الدورة رقم 50 عن مجمل أعماله.
كل الأشخاص الذين رغب في تواجدهم في تلك اللحظة اختلطوا في رأسه.. جمع كل الآلام واللحظات المُرَّة وفرّقها بين كراسي القاعة.. جمع المنتجين والممثلين والجمهور وأتى بالرجل الذي بصق في وجهه ليلة افتتاح «باب الحديد» وبالآخر الذي شتمه وقت عرض «الاختيار».. استحضر المدرس الذي ضربه بعنف حين كان طفلًا وكذلك رئيسه في العمل الذي سخر منه حين أخبره برغبته الدراسة في أمريكا.. أراد أن يبعث روح والده ووالدته إلى الحياة من جديد، وأن يجيء بحبيبته القديمة التي تزوّجت نجمًا سينمائيًا، وأن يأتي بممثله الذي تركه وفرَّط في كل الأحلام.. باختصار، كانت رغبته هي أن يستعيد حياته بدقائقها وتفاصيلها وناسها هُنا في تلك القاعة الصغيرة ليخبرهم ويريهم.. ها أنا قد أصبحت على مرأى ومسمع من العالم الذي حملته في قلبي لسنينٍ عدّة.
فكَّر أنه قد وصل إلى هُنا حين بدأ التصالح مع كل شيء.. لقد أمضى الكثير من الوقت كي يحدث هذا.. حتى الجرح الذي لم يندمل برحيلِ «محسن» أفرد له فيلماً كاملًا.. يقسو على ذاته، ويختبر أوهامه، ويحاول أن يفهم، أن يرى المستحيل في صور، أن يحقق كل شيء لمرةٍ أخيرة، أن يرقص ويغني ويعود للإسكندر وكليوباترا، أن يجمع الحياة كلها على شريط فيلمه، والنتيجة كانت مذهلة: «إسكندرية كمان وكمان».. صالحه على نفسه كشيخ عجوزٍ جاوز الستين يعلم أن النهاية ستحين في أي لحظة.. ويعلم أيضًا أنه سيكون راضيًا.
لكزة «جاكوب» تلك، التي رافقها سماعه لدويّ التصفيق في القاعة، أخرجته من أفكاره. تحرَّك بخطى بطيئة تليق بالعَجائز.. صَعد إلى المسرح ونظر إلى الجميع.. صفوة سينمائيي العالم يقفون ليصفقوا للرجل الذي صاحب مصر من وراء الكاميرا لخمسة عقود، وللدَّهشة والخجل وضع يده على فمه بساعدٍ مُرتعش دلالة على أنه لا يجد الكلمات.. وحين نطق لم يسعفه سوى وصف وحيد «أشعر بالفراشات وهي ترقص بداخل بطني».
في تلك الليلة وجد يوسف إجابة السؤال الذي أرقه لعقود طويلة.. يكادَ يسمع صوت جدته وهي تقول:«مش كان الصغير هو اللي مات؟».. وللمرة الأولى يستطيع أن يجيبها: «لا، لم يكن، كان يوسف يستحق الحياة».
اليوم السادس: يوليو 2007
العَجز، إنه العجز ولا شيء سواه، أن تظل بجسدك هنا ولكن كَكَومة لَحم عَجوز، غير قادر على تغيير شيء، فقط تُراقب من بعيد، تجلس على كرسي المخرج الذي يحمل اسمك دون أن يكون ما يحدث أمام الكاميرا هو حقًا فيلمك، ولكن -رغم كل شيء- هناك فقط هذا المشهد، هذا المشهد الأخير.
«يوسف» يعرف قَسمات وجه الموت جيدًا.. فهو قد رآه قريبًا.. بدأت الحكاية حين أراد أن يكون فيلمه الأخير يحمل اسم «نهاية النظام» ليعبر من خلاله عن كل الحراك السياسي الذي جرى في مصر خلال السنوات الأخيرة وعن أمنيته/نبوءته ب«ثورة».. الفيلم صار يُسمى «هي فوضى».. ومع تغيير الاسم، تغيّر كل شيء آخر بعد أن محت بصمة تلميذه الذي أبقاه بجانبه لسنوات بصمته هو نفسه.. ما تبقى منه فقط كان تلك النبوءة الختامية: «نهاية النظام».
في هذا اليوم.. صور يوسف المشهدالأخير له في حياته.. النبوءة التي كان يراها في خياله رؤى العَين: شعب يتحرّك ويحاصر قسم الشرطة ثم يقتحمه ويسقط عقودًا طويلة من الظلمِ والقهر.. نبوءة الثورة التي تعطي معنى لكل ما عاشه وقدمه وأخرجه في حياته.
في اليومِ السادس، صَعدت الرَّوح إلى السماء بعد جولة في حياة كاملة.
يوسف مات ، لكن النبوءة تحققت.
ملاحظة: اعتمد كاتب النص على الخيال في بناء السياق الدرامي لأيام شاهين الستة، مستعينًا بما رواه شاهين نفسه في أفلام سيرته الذاتية، وبالفيلم التسجيلي «مشوار شاهين» للمخرج محمد شبل، وكذلك بعدد من الحوارات التي أجريت مع المخرج الكبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.