قليلة هى الندوات التى تشهد هذا الحشد الجماهيرى الكبير.. بل وحتى هذا النوع من الندوات، عادة ما يبدأ حضوره فى الانصراف قبل موعد انتهائه، ولكن الأمر هنا اختلف لأكثر من سبب، الأول هو أن الندوة أقيمت على جناحين مهمين من أجنحة الثقافة.. الأدب، والسينما، فحرص على حضورها المهتمون بالمجالين، والسبب الثانى هو أن المتحدثين بالندوة كانوا أشخاصا يمتلكون قدرا كبيرا من الشعبية والثقل بين محبى الفنين، أما السبب الثالث وهو الأهم، أن محور الندوة كان شخصا غير عادى.. وكان الغائب الحاضر فى المكان.. كان «المهاجر» يوسف شاهين! الندوة التى أقيمت بمكتبة الشروق بالمهندسين الأحد الماضى، ناقشت كتاب «يوسف شاهين.. نظرة الطفل وقبضة المتمرد» الصادر عن دار الشروق مؤخرا للكاتب والناقد السينمائى اللبنانى الكبير إبراهيم العريس الذى جاء خصيصا من لبنان لحضور الندوة، التى استضافت المخرج خالد يوسف، والناقد السينمائى الكبير كمال رمزى، والكاتب الصحفى خالد محمود رئيس قسم الفن بجريدة الشروق. فى البداية أوضح كمال رمزى أن الكتاب يعد محطة مهمة من محطات اكتشاف إبراهيم العريس ليوسف شاهين، حيث إنها ليست التجربة الأولى فى كتابات العريس حول شاهين، مشيرا إلى أنه من أكثر النقاد دراية بيوسف، وله عشرات المقالات، والدراسات عن مخرجنا الكبير، وكانت أهم الدراسات التى صدرت فى عدد خاص عن شاهين كانت الدراسة التى قام بها، وشبه رمزى شاهين ببهو المرايا، الذى يرى فيه أى إنسان يدخله عدة جوانب كثيرة، موضحا أن عالم شاهين كان شديد الثراء والاختلاف والتباين، مما جعل رؤى النقاد تختلف فى قراءته. من النقاط المهمة التى توقف عندها الناقد كمال رمزى، هى أن الكتاب لا يعد استكمالا لدراسات العريس، ووجهات نظره فى «جو»، ولكنه يقدم نظرة جديدة، مليئة بالنضارة، ويكشف جوانب جديدة، كما أن منهج العريس فى كتابه، هو وضع يوسف شاهين وسط الدوائر المحيطة به، سواء كانت ثقافية، أو اجتماعية، أو سياسية، ويسلط عليه العديد من الكشافات، لكى ندرك حقيقة هذا الفنان الكبير، وقد قسم أعمال شاهين تقسيما به الكثير من المنطقية الفنية، وحاول فى كل قسم أن يتلمس كل جزء ويعرفنا بتفاصيله. وعلق كمال رمزى على الفصل الذى يتناول يوسف شاهين فى عيون النقاد، حيث يرى أنه كان من الممكن توسيع حلقة التناول، وأبدى رغبته فى أن يكون هناك كتاب خاص عن هذه المسألة «لأن الدراسات التى كتبت عن هذا العملاق كثيرة وتستحق التوقف». مخرج العالم الثالث واستعرض رمزى بعض الجمل التعبيرية التى استوقفته فى الكتاب، والتى جاءت على لسان بعض النقاد العرب والأجانب عن يوسف، فكان منها على سبيل المثال ما قاله عنه الناقد سمير نصرى، عندما وصف شاهين بأنه مجنون يريد العمل فى العالم الثالث وكأنه فى هوليوود، أو ما قاله الناقد كرستيان بسينو «عنده حساسية جريحة لرجل من العالم الثالث»، ووصف رمزى هذه الكتابات مازحا «إن بعض النقاد الأجانب، استطاع أن يسبر غور يوسف شاهين بطريقة مبهرة قد تثير الحقد». «هذا الكتاب هو قصة حبى ليوسف شاهين الذى اكتمل بموته، لأن الفنان طوال حياته يكون طامحا فى أعمال أفضل، فبالتالى تحدث له تغيرات، إلى أن يموت، فيتحول من متغير إلى ثابت، ويصبح أسطورة»، هكذا بدأ الكاتب والناقد الكبير إبراهيم العريس حديثه عن يوسف شاهين، موضحا أنه يعرفه منذ عام 1964، عندما كان يعمل فى الديكور، «من الصدف العجيبة فى حياتى أن أول صورة فوتوغرافية أخذت لى كانت فى الثالثة من عمرى. وكانت على أفيش فيلم بابا أمين ليوسف شاهين، من وقتها وأنا أشعر بارتباط روحى بينى وبينه، وعندما ذكرت شاهين بهذه الصور قال: عايز تقول إنك أصغر منى؟.. فمازحته: بل أمى هى التى أصغر منك». فكرة الكتاب طرحت منذ فترة عندما قررت وزارة الثقافة المصرية عمل كتاب عن شاهين ضمن عدة كتب عن الفنانين المكرمين فى مهرجان السينما، وعندما سألوا يوسف عن الكاتب الذى يفضل أن يؤلف الكتاب فاختار إبراهيم العريس «وبعد فترة اتصل بى وقال إنه اختلف مع وزارة الثقافة، وطلب منى أن أوقف فكرة الكتاب، ثم تلقيت اتصالا من المهندس ابراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة مؤسسة الشروق، الذى كان قد سمع بالكتاب، وطلب منى إتمامه لنشره بدار الشروق» وأبدى الكاتب بالغ سعادته بإخراج الكتاب الفنى «وأتمنى أن يكون هذا فخا لكى يهتم الناشرون بالكتب السينمائية، لأن هذا النوع من الكتب لا يلقى إقبالا كبيرا من دور النشر». العالم الشاهينى من أهم الملاحظات التى لفت إليها الكاتب عند «جو» هى علاقته بالنقد، حيث إنه رغم اختلافه معه طوال الوقت «لكنه كان يتحمل النقد اكثر من أى فنان آخر، مهما بلغ من قسوة، لأن الفنان عادة يحتاج إلى وقت بعد انتهاء العمل لكى يرى ما به من ملاحظات، على عكس الناقد الذى يرى الأمور من الخارج، وغالبا ما يستاء الفنانون من النقد السلبى، لكن شاهين لم يكن من هؤلاء» ويتذكر العريس «وكان حتى لو زعل ييجى تانى يوم يناقشك وهو بيضحك، وهذا هو الفنان الحقيقى» ويرى الكاتب أن كل الأعمال قابلة للنقد، لأنه لا يوجد عمل مكتمل تماما «حتى أعمال شكسبير، وأفلاطون، وسقراط» ويندهش إبراهيم من كثرة المقالات التى قرأها عن كتابه «نظرة الطفل وقبضة المتمرد» التى بلغت المائة وعشرين مقالا كلها تمتدح الكتاب، ويقول إنه يحتاج إلى مقالة تظهر ما به من عيوب لكى يتطور بعد معرفته هذه العيوب، ومن حسنات الكتاب التى يراها العريس إنه جعله على مدار الثلاث سنوات التى كتبه خلالها، يلمس شاهين بشكل أعمق، حيث كان يقرأ كل ما كتب عنه، وشاهد كل أعماله، يقول «عشت العالم الشاهينى واغتنيت به، واكتشفت أشياء تتعلق بى شخصيا. واتضح بعد ذلك إننى فى محاولة إنجازى هذا الكتاب كنت أتحدث فيه عن نفسى، مثلما كان هو يتحدث عن نفسه من خلال القضايا الكبرى التى تناولها فى أعماله مثل الثورة وغيرها». ومن النقاط المهمة أيضا التى أثارها العريس، فكرة الامتداد، فشاهين ومن هم فى قامته، يكون عادة لهم تلاميذ، ولكن العريس يرى أن هؤلاء التلاميذ لن يكونوا امتدادا لهذا المبدع، لأن الفنان الحقيقى لن يكون له امتداد. ورقة وقلم هذه النقطة تحديدا أتفق فيها مع الكاتب المخرج خالد يوسف، أحد أبرز تلاميذ يوسف شاهين «أنا متضامن جدا مع كلام إبراهيم العريس، لأنه حتى ابنك لن يكون امتدادا لك مهما حاولت أن تجعله يتماس معك، ولن يكمل شخص مسيرة شخص سبقه، لأن المبدع أو الفنان يبدأ بلحظة ميلاده، وينتهى بلحظة موته» ولفت خالد إلى أنه رغم إشارة الكثيرين بأنه هو ويسرى نصر الله، هما الامتداد الحقيقى لشاهين إلا أن هذا غير صحيح. ولكن هذا لا يمنع أنه كان المعلم بالنسبة لهما ومعهم الكثيرون، ولكن كانت عنده طريقة مختلفة فى تعليم تلاميذه، حيث كان يرى أن من يريد ان يتعلم فسيفعل، ولم يكن يجلس معهم ليشرح طريقة أو تقنية ما، بل كانت طريقة تعليمهم فى مشاهدتهم له وهو يعمل، بجانب الاستفسارت التى يطرحونها عليه، وإذا لاحظ فيها أقل قدر من الغباء فلم يكن يرد عليها، ولو تكررت على حد قول خالد، فلم يكن يتكلم مع هذا الشخص ثانية، وبالتالى فإن تعليمه كان يعتمد بالدرجة الأولى على قوة ملاحظتك، وموهبتك، وتذكر خالد «كانت أول مرة أتعلم منه شيئا، عندما أعطانى سيناريو فيلم المهاجر، وقال لى اقرأه، وعندما قرأته وجدت أنه مأخوذ من «العهد القديم»، فقلت له إن هذه القصة حكيت فى القرآن بشكل مختلف، ورويت له قصة سيدنا يوسف كما ذكرت فى القرآن الكريم» ويتذكر خالد ضاحكا «فقال شاهين عندما رويت له القصة، والله اللى كتب الكلام ده راجل بيفهم فى الدراما أحسن من أرسطو». ثم طلب من تلميذه أن يكتب له القصة معالجة، وأخذ ورقة وقلما، وراح يشرح له تقنيات كتابة القصة بعد معالجتها، ثم صححها له مرة أو اثنتين، ويؤكد خالد أن هذه هى المرة الأولى والأخيرة التى أمسك فيها شاهين بالورقة والقلم ليعلم فيها احد تلامذته شيئا ما، وحكى عن الأيام التى كان ينزل فيها معه إلى مواقع التصوير لمعاينتها، وكيف كان يندهش من تعامل شاهين مع عوامل الطبيعة، واستغلالها لأقصى درجة، فكان يستخدم البوصلة، ويدرس اتجاه الشمس والظلال، وكان يقول إن هذا الكلام يسهل شرحه على الورق، ولكنه يكون سهل النسيان، كان يرى أن التجربة والمحاكاة هما خير معلم، خاصة إذا كان معلمك يتعامل مع الأمور بهذه الدقة، وعلى هذا المستوى من استخدام المنهج العلمى. صورة الغلاف وأبدى خالد إعجابه بكتاب العريس عن شاهين، لافتا إلى عنوان الكتاب «نظرة الطفل وقبضة المتمرد» وتماسه مع صورة شاهين الموجودة على الغلاف، وهى آخر صورة التقطت للمخرج الكبير قبل وفاته، ويبدو أن الصورة لمست شيئا ما فى ذاكرة خالد، لوحظ ذلك على ملامحه وهو يقول إنه يعرف هذه الصورة ويعرف متى التقطت تحديدا ومن الذى كان ينظر إليه يوسف، ويبدو أيضا أنه كان ينوى تجاوز هذه النقطة التى حفرت فى أرض ذاكرته، وفكرته بالذى مضى، إلا أن سؤالا من «الشروق» حول قصة الصورة قد اضطره للاستسلام إلى حبل ذكرياته، والتغلب على مقاومة الحنين، فحكى قصة آخر صورة ليوسف «كان بيبص لخالد صالح أثناء تصوير فيلم هى فوضى، آخر أفلامه» كان يجد مشكلة فى تقبل فكرة أن شخصية خالد صالح فى الفيلم «حاتم» هى شخصية شريرة، بل كان متضامنا معه باعتباره مريضا». ورغم الفترة الطويلة التى عاشها خالد يوسف مع الأستاذ يقول «إبراهيم العريس كشف لى عن جانب مهم فى حياة الأستاذ، وهو أنه استطاع طوال سنوات عمره ان يحافظ على شعوره بالدهشة، ومن هنا استطاع الحفاظ على طفولته، وهى أحد خصائص العظمة عند شاهين، لأن الطفل من الممكن أن يندهش للعبة بسيطة، وشاهين كان مثل الطفل، وكانت لعبته هى الأفلام «كانت لعبة متجددة بالنسبة له» والغريب فى شخصية شاهين إنه جمع بين هذه الطفولة والتمرد فى آن واحد، وهو أمر صعب لأن التمرد عنده لم يكن تمرد الطفل، بل كان تمرد الثورى، الناقم على الوضع الحالى. الهجرة الدائمة وهو الأمر الذى لفت الناقد كمال رمزى، وأوضح أن النقاش أوصله إلى نقطة مهمة، وهى أن تمرد يوسف اتضح بشكل رمزى بأعماله متمثلا فى فكرة الهجرة على سبيل المثال، فأبطاله دائما تحلم بالسفر، وأشار إلى عدة افلام تناولت هذه الفكرة على اختلافها، مثل «ابن النيل»، «الثلاثية»، «العصفور»، «اليوم السادس»، وهى الفكرة ذاتها التى عاشها شاهين، حيث سافر من مصر إلى لبنان، ثم رجع إلى مصر، ثم سافر مرة أخرى إلى أمريكا. وردا على سؤال من الكاتب الصحفى خالد محمود رئيس قسم الفن بجريدة «الشروق»، حول رؤية العريس إلى أفلام شاهين البعيدة عن السيرة الذاتية، وكيف وجد فيها روح المخرج الكبير؟، اجاب العريس أنه يرى حياة يوسف فى كل أفلامه حتى التى لم تتخذ منهج السيرة الذاتية بشكل واضح، «يوسف شاهين منذ بدايته وهو بيتكلم عن نفسه»، واعتبر أنه كان رائدا فى هذا المجال، حتى على المستوى العالمى، لأن الأدباء هم من اشتهروا بكتابة السيرة الذاتية. وألمح إلى عدم المصداقية عند أغلبهم، مشيرا إلى «الأيام» لطه حسين، وكتاب «حياتى» لأحمد أمين، والسير الخاصة بابن خلدون، والغزالى، حيث يرى أن شاهين من القلائل الذين «عرى نفسه» أمام الجمهور، قائلا «تحملونى»، كما أشار العريس إلى منطقة مهمة فى فكر شاهين، وهى أنه كان يمتلك من العمق والقدرة، والمكر ما يعينه على استغلال أبسط الأدوات فى إنجاح عمله، وحتى الأعمال التى كان يضطر لها، كان يستطيع إبراز أهم ما فى فكرته ويقدمه للجمهور، «كان ينحنى يقليل أمام العاطفة، وهو مثل غيره عنده الجيد وغير الجيد، لكن أجمل ما فيه هو أنه لايزال حتى الآن أجمل ما فى السينما العربية، وهناك الكثير من أعماله ظلم إعلاميا ونقديا مثل: «عودة الابن الضال، واليوم السادس». ومن الجوانب المهمة التى تناولها الكتاب وأشار إليها الكاتب، هى أن العمق عند شاهين من الممكن أن تراه فى عناصر فنية رفيعة «تراه مثلا فى رقصة محسن محيى الدين بفيلم اليوم السادس، أو نظرة محمود حميدة فى إسكندرية نيويورك، وهذه الطريقة فى التعبير يتميز بها كبار المبدعين مثل نجيب محفوظ، أو بهاء طاهر» ويرى العريس أن هؤلاء الفنانين وأمثالهم، خلقوا للأمة العربية حياة موازية، فيها العمق، والسطح، والتجاوز، يسعدوننا أحيانا، ويضايقوننا أحيانا، ويفاجئوننا أحيانا أخرى. أنسنة السينما «أحيى دار الشروق التى لا تزال معلما، والتى جاءت لنا بيوسف شاهين إلى هنا عن طريق كتاب الناقد الكبير إبراهيم العريس» هكذا بدأت الكاتبة الصحفية نعمة الباز مداخلتها، حيث كانت ضمن الحضور. أصيبت نعمة الباز بالدهشة، والحنين فى وقت واحد، عند قراءتها للكتاب « لأن يوسف كان صديقى وأستاذى، وكون وجدانى ومصريتى، زى المصريين الذين تمسكوا به» جاءت الدهشة إلى نعمة الباز من كون الكاتب يعيش فى بيروت ورغم هذا استطاع أن يتماس مع شاهين ويقدمه بهذا الوعى بشخصيته وأعماله. تقول «كان أهم ما فعله هو أنسنة السينما، وتحويلها إلى لحظات إنسانية، وشبهته بشخص يجلس داخل منجم من البشر، ففى فيلم «وداعا بونابرت»، على سبيل المثال استطاع أن يظهر إنسانية المصريين، وإنسانية بونابرت، بجانب الاهتمام بالوطن وتلبية حاجته، وحاجة البشر، وأشارت إلى أن كتاب العريس استطاع أن يدخل إلى هذه الأعمال بشكل متخصص، ونتج عن هذا وثيقة مهمة كانت تنقص المكتبة العربية، وليس كتابا عاديا. وعلقت الباز على ترديد البعض بأن سينما شاهين غير مفهومة غير للنخبة، وقالت إن «ده كلام فاضى» بل ترى أن سينما شاهين «علمتنا إن السينما ليست ملهاة فقط، ولكنها رفع الغطاء عن البشر» وطالبت بأن يتم طبع الكتاب طبعة شعبية، لأنها تتمنى أن يقرأه أكبر عدد من الشباب، الذى ترى أنه سوف ينقصه الكثير بدون وجود يوسف شاهين، «لما مات زعلت على حفيدتى وقلت هتعمل إيه من غير سينما يوسف شاهين» وفى رد على سؤال من صحيفة الحياة اللندنية حول الإضافة التى ضافها شاهين للهوية العربية، رغم أن أعماله كانت تتمحور حول المصرية طوال الوقت. قال العريس إن الفن هو المكان الوحيد الذى يجتمع حوله الناس من مختلف البلدان، ولكى يكون الفنان عالمى يجب عليه ان يستطيع التعبير عن بيئته بشكل جيد أولا وهو ما حدث مع شاهين، وغيره من عمالقة الثقافة مثل نجيب محفوظ، وجبران خليل جبران، ومحمود درويش، ومن هنا تلقاه المشاهد العربى بشكل طبيعى وتلقائى، ولا نستطيع إنكار ان أهم فيلم أنتج عن فى لبنان وظهرت فيه معالم البلد بشكل بديع، كان فيلم «بياع الخواتم» الذى أخرجه شاهين. جائزة مهرجان كان السؤال الذى طرحته السيدة درية حمدى كان من أكثر الأسئلة إثارة للجدل بين الضيوف، حيث تساءلت عن السر فى تشبث يوسف بأن يأخذ جائزة من مهرجان كان أيا كانت الصعوبات، مشيرة إلى أنها مسيسة إلى حد كبير، وهو لم يكن فى حاجة لأى تنازل، حيث كان متحققا بما يكفى، وهو السؤال الذى أجاب عليه العريس بأن شاهين لم يكن متشبثا بالجائزة، بل كان يريدها، وهذا من حقه، وأشار إلى حالة المرض فى المجتمعات العربية، والتى تجعلنا لا نعترف بعبقرية المفكر أو الفنان إلا إذا أخذ جائزة عالمية، وهو ما حدث مع مبدعين بحجم نجيب محفوظ، وأكد أن شاهين لم يقدم أى تنازلات للحصول على الجائزة، بل إنه فى فيلم «وداعا بونابرت». ورغم أن فرنسا هى صاحبة التمويل، إلا أن هذا لم يمنعه عن السخرية من نابليون، كما رأى أن جائزة «كان» ليست مسيسة كما قالت السيدة درية، وهو الأمر الذى اختلف معه فيه خالد يوسف، موضحا وجهة نظره فى أن الجائزة فى أحيان كثيرة تلعب فيها الميول السياسية دورا كبيرا، وأوضح خالد أن شاهين كان يريد الجائزة بشدة، ولكن كان لهذا أسباب منطقية فى تاريخه الفنى، حيث إنه ظلم أكثر من مرة فى المسابقات الأوروبية، فعندما دخل فيلم ابن النيل مهرجان فينسيا. تعاملت معه لجنة التحكيم على إنه فلكلور، وهو ما تعارض بشدة مع طبيعة شاهين المعتز بنفسه بشدة، كما أن فيلمه البديع باب الحديد، عندما دخل إحدى المسابقات لم يستطع شاهين السفر بسبب الحالة المادية، ولم تصدق لجنة التحكيم أن الممثل الذى قام بشخصية قناوى سليم وليس «أعرج»، وعندما عرفوا بعد انتهاء المسابقة ذهلوا، كما أنه فى إحدى المرات عندما كان مايكل دوجلاس أحد أعضاء لجنة التحكيم، رفض مشاهدة فيلم يوسف شاهين على اعتبار أن العرب قوم يتسمون بالتخلف والرجعية، وعندما أجبروه على المشاهدة، جلس فى صالة العرض، ووضع ساقه بصفاقة على المنضدة التى أمامه، بمنتهى الاستهتار، ولذلك كان شاهين يحتاج إلى اعتراف عالمى. وفى نهاية الندوة أشار الكاتب والناقد كمال رمزى إلى بعض الأحداث التى توقعها شاهين وقدمها فى أفلامه، مثل مشهد النهاية فى فيلم عودة الابن الضال، الذى قدم فكرة انقلاب العائلة المصرية على بعضها البعض بعد الترابط الذى كان بينهم، وبعد عرض الفيلم بعدة أشهر حدثت المظاهرات الشهيرة فى مصر، والحرب الأهلية فى لبنان، وأشار إلى فيلمين آخرين تميزا بتوقع الأحداث المقبلة فى البلاد، وهما فيلم البرىء، للمخرج العبقرى عاطف الطيب، وفيلم عيون لا تنام لرأفت الميهى.