قساوسة اعتلوا منبره .. وأئمة خطبوا فى الكنائس فى ثورة 19 الأزهر .. فى عيون الأقباط جمال أسعد: الإخوان والسلفيون يريدون القضاء على دوره الوطني حنان عبد الهادى العلاقة الطيبة والوثيقة بين الأزهر والكنيسة ليست وليدة اللحظة، فهى علاقة قوية وممتدة على مر التاريخ وتؤكد أن كليهما رمانة الميزان للحفاظ على المجتمع ، وفى مراحل النضال الوطنى كان كلاهما دائمًا "إيد واحدة"، والشواهد على ذلك كثيرة منها أن الشيخ محمد عبد اللطيف دراز قاد الأزهر فى ثورة 1919 وخطب فى الكنيسة القبطية. ويرى الاقباط أن هذا التاريخ الوطنى المشرف للكنيسة والأزهر جعل منهما ليس فقط مجرد مؤسستين دينيتين، وإنما لهما دور كبير فى عالم السياسة، ومع مرور الوقت أصبحت مؤسسات كبيرة معقدة يتشابك فيها الدينى والدنيوى، وخاصة بعد اندلاع 25 يناير 2011، حيث سعى الأزهر للبحث عن دور جديد يحقق له الاستقلالية بعيدًا عن السلطة السياسية، فى حين سعت الكنيسة إلى توسيع دورها، وكان ذلك واضحًا فى الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية، وذلك فى سياق مختلف لكليهما عما كانا عليه قبل الثورة. القس إكرام لمعى رئيس لجنة الحوار بالكنيسة الإنجيلية تحدث عن الأزهر والكنيسة فى كتاباته، مؤكدًا أنه على مدى التاريخ المصرى الحديث لعب الأزهر والكنيسة دورًا مهمًا فى السياسة، وذلك من خلال علاقتهما مع الدولة ومع الجماهير، كذلك فى العلاقة بين مسيحيى مصر ومسلميها، فكان حاكم البلاد سواء كان واليًا أو باشا أو خديو أو ملكًا أو رئيسًا يهتم كثيرًا بأن يجمع شيخ الأزهر وبطريرك الكنيسة فى كل المناسبات الرسمية وذلك حتى يبعث برسالة إلى شعب مصر أن الأزهر والكنيسة يؤيدانه فى الحكم بشكل عام وفى القرارات التى يتخذها بشكل خاص، ويعلنها فى تلك المناسبات. وأضاف :"فى ثورة عام 1919 كان لموقف مؤسستى الأزهر والكنيسة مع سعد زغلول والثورة الشعبية تأثيرًا ضخمًا فى الشعب ككل، حيث خرج الأزهر منددًا بالاستعمار، يهتف عاش الهلال مع الصليب، الدين لله والوطن للجميع، وقام القمص جرجيوس بإلقاء خطاب فى الأزهر كما قام شيوخ الأزهر بإلقاء خطابات فى الكنائس". ووفقًا لإكرام لمعى ، فإن مصر كانت تموج بالأحداث السياسية المهمة، ففى فترة جلوس البابا كيرلس شهدت ثورتين كبيرتين هما الثورة العرابية وثورة 1919، كذلك تغيير نظام الحكم فيها عدة مرات من ولاية عثمانية إلى خديوية تحت الحكم العثمانى إلى سلطنة تحت الحماية البريطانية، وأخيرًا مملكة مستقلة، وبالطبع فقد تأثرت الكنيسة ورأسها وأثرت فى كل هذه الأحداث ، وفى ذروة الثورة العرابية طعن السلطان العثمانى أحمد عرابى من الخلف وأصدر إعلانًا بعصيانه وخروجه على طاعة السلطان، ولكن الأزهر والكنيسة بقيادة البابا كيرلس وكل المصريين وضعوا أيديهم فى يد عرابى ضد الجيش الإنجليزى القادم لاحتلال مصر بحجة حماية الخديو، وهنا لم يهتم البابا كيرلس بديانة الإنجليز، بل اعتبرهم غزاة طامعين فى خيرات بلاده، ونادى أبناءه بالتوحد خلف عرابى ومقاومة الغزاة الإنجليز. و تابع :"بعد احتلال مصر جاهد البابا كيرلس الخامس الإنجليز ووصل دوره الوطنى لذروته أثناء ثورة 1919، حيث أمر الأقباط بالمشاركة فى الثورة مع أخوتهم المسلمين ضد الاحتلال الأجنبى، وأمر بفتح الكنائس للشيوخ لإلقاء خطبهم من على منابرها، وأمر بذهاب الكهنة لإلقاء الخطب فى الأزهر الشريف، وامتزج الدم الوطنى دون تفرقة بين مسلم وقبطى تحت راية وشعار واحد "يحيا الهلال مع الصليب". وأوضح لمعى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم يغفل الدور الحيوى الذى يمكن أن يقوم به الأزهر والكنيسة ، خاصة فى أفريقيا وآسيا سواء من خلال البعثات التعليمية للأزهر، أو الكنائس التابعة للكنيسة المصرية فى أفريقيا وخاصة إثيوبيا مع العلاقة القوية التى نشأت بين البابا وإمبراطور إثيوبيا هيلاسلاسى فى ذلك الوقت وفى بداية الستينيات كانت الكنيسة القبطية قد بدأت تستعيد مكانتها العالمية، وكانت الوفود تأتى إليها من مختلف أنحاء العالم، وبدأ البابا كيرلس يفكر فى بناء كاتدرائية جديدة تليق بمكانة وتاريخ مصر والكنيسة ووافقه الرئيس عبد الناصر، بل قرر مساهمة الدولة فى المشروع بقيمة مائة ألف جنيه، وكانت مبلغًا ضخمًا فى هذا التوقيت، بل إن أبناء الرئيس انفسهم وكانوا اطفالًا صغارًا فى ذلك الوقت قد تبرعوا بمصروفهم للمساهمة فى البناء، ولم يكن مشروع بناء دينى فقط ولكنه كان مشروعًا وطنيًا فى المقام الأول، وذهب الرئيس بنفسه ليضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية بالعباسية فى احتفالات يوليو عام 1965، لتتلاقى المناسبة الوطنية مع المناسبة الدينية، ولتزداد الرابطة بين الصديقين. كما أن الرئيس جمال عبد الناصر اعتمد بشكل كبير على البعثات والمنح الأزهرية إلى دول شرق آسيا وأفريقيا مما ساعد على أن تكون لمصر مكانة كبيرة فى تلك الدول. وظلت الكنيسة واحدة من أهم أدوات تنفيذ السياسة المصرية طوال عهد عبد الناصر سواءً على المستوى الداخلى فى خلق جيل يؤمن بالمبادئ الوطنية والقومية، أو على المستوى الخارجى من خلال علاقات البابا الطيبة بمعظم دول العالم، وهو ما تجسد وبشدة عقب العدوان الإسرائيلى فى يونيو 67 عندما لعبت الكنيسة دورًا فى إدانه دول أفريقية كثيرة للعدوان وقطع علاقاتها بإسرائيل خاصة إثيوبيا ومات عبد الناصر فى سبتمبر 1970 ليبكيه الشعب المصرى كله وفى مقدمتهم البابا، ولم تكد تمر 6 أشهر حتى لحق كيرلس بصديقه حيث توفى فى مارس 1971. وتابع :"تجسدت العلاقة بين الأزهر والكنيسة بشدة فى السبعينيات عندما رفض البابا شنودة الثالث زيارة القدس إلا ويده فى يد شيخ الأزهر، ليصبح مضربًا للأمثال فى الوحدة الوطنية بل العربية أيضًا، على الرغم من أن هذا الموقف قد جلب عليه متاعب كثيرة داخليًا وخارجيًا، وخاصة غضب الرئيس الراحل أنور السادات ليدفع البابا ثمنًا باهظًا لموقفه الذى جمع حوله المصريين والعرب. ولفت لمعي إلى أن الروح الوطنية العالية للبابا شنودة كانت سببًا فى صداقته بالعديد من رجال الدين الإسلامى مثل الشيخ متولى الشعراوى التى كانت مقابلتهم الشهيرة حديثًا للجميع لما اتسمت به من ود ومحبة، كذلك صداقته بالدكتور حمدى زقزوق، وكذلك الدكتور على السمان، إلا أن صداقته العميقة مع شيخ الأزهر الراحل فضيلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوى كانت مضرب الأمثلة للصداقة الحقيقية بين رجلين تربعا على قمة مؤسستين هما منارة مصر للعالم أجمع وهما الأزهر والكنيسة، مما جعل البعض يؤكد أن علاقة الرجلين تشبه احتضان الهلال والصليب ، وعندما توفى الدكتور سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق عام 2010، أقام البابا مؤتمرًا صحفيًا كبيرًا نعى فيه صديقه العزيز، وظهر التأثر واضحًا على البابا فى مشهد يدل على عمق الصداقة بينهما، ولم يمض وقت طويل حتى كان البابا قد لحق برفيق دربه. ويؤكد المفكر القبطى جمال أسعد أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والأزهر صناعة مصرية وهما منارتان وطنيتان,، ورمانة الميزان فى المجتمع المصرى لأن الأزهر بدوره الإسلامى الوسطى التاريخى يعتز به المصريون، والكنيسة المصرية واجهت الفكر الدينى الغربى بفكر دينى وهوى مصرى، لذا تسمى الكنيسة القبطية المصرية، مشيرًا إلى أن المؤسستين تكاملتا على مر التاريخ، ولا توجد مرحلة تاريخية شهدت تناقضًا بين الأزهر والكنيسة. "الكنيسة والأزهر يقومان بدور وطنى وليس سياسيُا، وتكاملت أدوارهما بما يدل على التحالف والتآلف، ولذلك نجد أنه إذا استهدف الأزهر تستهدف الكنيسة"، هكذا قال أسعد ، مؤكدًا أن الأزهر والكنيسة يتبنيان القضايا الوطنية ومن يستهدفهما فإنه يستهدف الدور الوطنى. وأضاف : بعد ثورة 25 يناير عادت المؤسستان للدور الوطنى بعيدًا عن لعب دور سياسى لحساب النظام، مما يجعلهما مستهدفين من الإخوان والسلفيين، فهم يريدون القضاء على الدور الوطنى للأزهر بما يمثله من إسلام وسطى وتحويل الأزهر إلى دور إسلامى خاص، فهم يريدون أن يترك الشيخ الطيب الأزهر للاستيلاء على مؤسسة الأزهر، وأخونتها.