علي مدي التاريخ المصري الحديث لعب الأزهر والكنيسة دورًا مهمًا في السياسة وذلك من خلال علاقتهما مع الدولة ومع الجماهير، كذلك في العلاقة بين مسيحيي مصر ومسلميها، فكان حاكم البلاد سواء كان واليًا أو باشا أو خديويا أو ملكًا أو رئيسًا يهتم كثيرًا بأن يجمع شيخ الأزهر وبطريرك الكنيسة في معظم إن لم يكن في كل المناسبات الرسمية وذلك حتي يبعث برسالة إلي شعب مصر أن الأزهر والكنيسة يؤيدانه في الحكم بشكل عام وفي القرارات التي يتخذها بشكل خاص ويعلنها في تلك المناسبات، ولقد كان للأزهر دور في تعيين محمد علي واليًا علي مصر وهو مؤسس مصر الحديثة، وكان شيخ الأزهر يختار في ذلك الوقت بالانتخاب، إلا أنه بعد تولي محمد علي حكم البلاد جعله بالتعيين لكي يضمن ولاءه، ومازال هذا النظام ساريًا حتي اليوم، وفي ثورة عام 1919 كان لموقف مؤسستي الأزهر والكنيسة مع سعد زغلول والثورة الشعبية تأثيراً ضخماً في الشعب ككل حيث خرج منددًا بالاستعمار، يهتف عاش الهلال مع الصليب، الدين لله والوطن للجميع، وقام القمص جرجيوس بإلقاء خطاب في الأزهر كما قام شيوخ الأزهر بإلقاء خطابات في الكنائس، وبعد ثورة عام 1952 حاول جمال عبدالناصر إضعاف دور الأزهر بأن أضاف لجامعته كليات مدنية مثل التجارة والآداب والطب... إلخ، وذلك حتي يأخذ الأزهر وجهًا علمانيًا لكن العكس هو الذي تحقق، حيث أخذت هذه الكليات طابعًا دينيًا، ومصر هي البلد الوحيد الذي يوجد به ازدواجية في التعليم، أي تعليم ديني وآخر مدني يسيران جنبًا إلي جنب، ولقد حاولت المؤسسة الكنسية أكثر من مرة أن تفعل نفس الشيء أي تقوم بإنشاء جامعة قبطية لكن الدولة لم تسمح لها بذلك علي أساس أن الجامعة الأمريكية جامعة مسيحية غربية، وإن كانت - بالطبع - جامعة للطبقات العليا من الشعب ولا تحمل أي امتيازات خاصة للمسيحيين، علي غرار الامتيازات في جامعة الأزهر حيث القبول بمجاميع منخفضة وبشرط حفظ القرآن مما يحرم المسيحيين من الالتحاق بالأزهر وعندما اصطدم السادات بالبابا شنودة، كان يحرص علي الجمع بينه وبين شيخ الأزهر والبابا لكي تهدأ الأجواء في جلسات تذاع بالتليفزيون المصري حيث يتحدث البابا ثم شيخ الأزهر لكي يبدو للمشاهدين وكأن كل شيء علي ما يرام، حتي قام السادات بعزل البابا شنودة وتحديد إقامته بالدير، والذي أعاده الرئيس حسني مبارك، ثم تولي الشيخ محمد سيد طنطاوي مشيخة الأزهر وبدأ علاقة شخصية بينه وبين البابا، فقام الإعلام بتضخيم هذه العلاقة علي أنها العلاقة المثلي بين جموع المسيحيين والمسلمين، وجاءت موائد الإفطار لتكون إحدي هذه المظاهر والتي فقدت معناها لسببين أنه رغم العلاقة بين البابا والشيخ، إلا أن أحداث الفتنة الطائفية تزايدت وأصبحت أكثر شراسة، مما يدل علي أن العلاج لم يكن له أن يأتي بنتائج لأنه علاج سطحي ولا يعالج جذور المشاكل، في الوقت الذي بدأت فيه الكنيسة الإنجيلية ممثلة في الهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بعقد اتفاقية مع وزارة الأوقاف للحوار الإسلامي المسيحي، حيث عقدت عشرات المؤتمرات لعدد من مشايخ الأزهر مع قساوسة الكنيسة الإنجيلية، وقد أتت هذه المؤتمرات بنتائج لا بأس بها في قبول الآخر ومحاولة الفهم والتفهم، إلا أن رقعة التأثير لم تكن كبيرة كفاية، حيث رفضت المؤسسة الدينية الأرثوذكسية الانضمام لهذا الحوار، بل رفضت حتي الحوار الثنائي بينها وبين الأزهر، وهكذا كان الأزهر يقيم حوارًا مع الڤاتيكان (الطائفة الكاثوليكية العالمية) والإنجليكان (الطائفة الأسقفية) ومع الكنيسة الإنجيلية الوطنية، ولا يقيم حوارًا مع أكبر الطوائف المسيحية في مصر وهي الأرثوذكسية، الذي كان يمكن أن يكون له تأثير صحي أكبر بكثير من تأثير علاقة الشيخ بالبابا أو موائد الإفطار، بل يمكن إقامة مشروعات مسيحية إسلامية مشتركة علي أرض الواقع مثل المستشفيات وقروض للشباب والتدريب المهني... إلخ، وهنا نكون قد انتقلنا من الكلام إلي الفعل، فهل يمكن أن يحدث في المستقبل مع تعيين الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخًا للأزهر؟ أرجو ذلك إن كنا جادين في قتل الفتنة الطائفية.