منح الخليج ضاعت على أجور العاملين بالدولة.. ومناخ الاستثمار لم يستفد من دفعات إنعاش الاقتصاد 13 مليار جنيه تذهب لجيوب المدرسين "مكافأة امتحانات".. والقضاة يستحوذون على نصيب الأسد في "البدلات بصعوبة بالغة، وبعد شد وجذب مع مجلس النواب، نجحت الحكومة في اجتياز اختبار الموازنة العامة التي أقرها البرلمان الشهر الماضى رغم اعتراضات واضحة لعدد من أعضاء المجلس، وبعض القوى السياسية التي أبدت ملاحظات على عجز الموازنة والمخصصات المالية لبعض الفئات خصوصا رجال القضاء والشرطة وبعض الجهات العليا في الدولة. ورغم أن موازنة حكومة المهندس شريف إسماعيل هي الأولى التي يقرها البرلمان منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير الا أنها قوبلت بعاصفة من الانتقادات بسبب "ألاعيب شيحة" التي تضمنتها بنودها، خصوصا تلك المتعلقة بالبدلات والمكافآت المخصصة لشرائح وظيفية معينة بالإضافة إلى العجز الواضح والذي وصل إلى أرقام غير مسبوقة في تاريخ مصر. خلال أيام تتسلم وزارة إسماعيل الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولى، بعد إتمام إجراءات القرض والبالغ قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات بواقع 4 مليارات دولار سنويًا، عقب موافقة مجلس إدارة الصندوق على القرض وتحويل الشريحة الأولى لحساب الحكومة المصرية. وفيما تسعى الحكومة، عبر قرض صندوق النقد الدولى الذي وقعت عليه مع صندوق النقد الدولي، إلى تخفيض كل من عجز الموازنة والدين العام، تستحوذ بنود الأجور وتعويضات العاملين على المركز الثانى ضمن بنود المصروفات بالموازنة بنحو 228.13 مليار جنيه، حيث تأتى بعد الفوائد التي تتحملها الدولة ضمن بنود المصروفات بنحو 292.52 مليار جنيه، وكل ما سبق يبرر فشل جهود الإصلاح الاقتصادى وعلاج عجز الموازنة، رغم القروض والمنح العربية والخليجية لمصر، خلال الثلاث سنوات الماضية، لأن أغلبها يتم توجيهه إلى الأجور وفوائد الديون، دون ضخ أية استثمارات جديدة في شريان الاقتصاد، وهو ما سيحدث مع قرض «النقد الدولي». وتتزايد أزمة الحكومة ليس فقط مع ارتفاع أعباء مخصصات الأجور للعاملين بالحكومة ووحدات الجهاز الإدارى التابعة للدولة، بل مع وجود بنود فرعية ضمن بنود الأجور بالموازنة تعد بمثابة بوابات لإهدار المال العام، من بينها بنود المكافآت والبدلات النوعية، والتي تذهب أغلبها لأصحاب الكوادر الخاصة، ودون أي مردود اقتصادى. هنا يستوجب على الأجهزة الرقابية في الدولة -وفى مقدمتها مجلس النواب والجهاز المركزى للمحاسبات- ضرورة تتبع مخصصات المكافآت والبدلات النوعية، وأوجه صرف تلك المخصصات، والمردود الاقتصادى لها، بما يسهم في تجفيف منابع الفساد الإدارى للدولة، والسيطرة على عجز الموازنة، على حد سواء. المفاجأة الأكبر في بنود الأجور بالموازنة تتمثل في استحواذ المكافآت على النصيب الأكبر من المصروفات بواقع 77.76 مليار جنيه، تمثل نحو 43.08% من إجمالى مخصصات الأجور، وتذهب أغلبها لأصحاب الكوادر الخاصة على رأسهم القضاة. وتتضمن بنود المكافآت بالموازنة كلًا من بدلات نوعية بنحو 26.617 مليارات جنيه، تمثل نحو 33.64 % من إجمالى المكافآت بالموازنة، فيما تأتى حوافز العاملين بالكادرات الخاصة في المركز الثانى بنحو14.899 مليار جنيه، يليها بند مزايا نقدية بنحو 14.536 مليار جنيه، ما يضع العديد من علامات الاستفهام حول طبيعة وأسباب تلك المكافآت. وتشمل بنود المكافآت بالموازنة كل من مكافآت الامتحانات ب13.790 مليار جنيه، وتعويض العاملين عن جهود غير عادية ب12.296 مليار جنيه، ما يعد إهدارًا واضحًا للمال العام، خاصة في ظل عدم وجود أية بيانات تفصيلية حول الجهود غير العادية التي تتحملها الموازنة فيما يتحمل المواطن البسيط أعباء تلك المكافآت غير العادية، والتي تتجاوز حاجز المليار جنيه شهريًا. العلاوة الخاصة للعاملين بالجهاز الإدارة للدولة تأتى أيضًا ضمن بنود المكافآت بالموازنة وقدرها 7.301 مليارات جنيه، فضلًا عن 7.283 مليارات جنيه حوافز العاملين بالكادر العام، و6.360 مليارات جنيه علاوة الأعباء الوظيفية للمعلمين. وهناك كذلك بنود المكافآت بالموازنة كل من تكاليف حافز الإثابة بنحو 6.349 مليارات جنيه، ومكافآت تشجيعية بنحو 4.475 مليارات جنيه، وبدل معلم (تدريس) بنحو 4.115 مليارات جنيه، وحوافز الأداء للمعلمين بنحو 3.495 مليارات جنيه، ونحو 1.92 مليار جنيه تحت مسمى مكافآت أخرى، دون تحديد أصحاب تلك المكافآت وأوجه وأسباب صرفها. وتضم بنود المكافآت عددًا من البنود غير المنطقية من بينها تخصيص نحو 1.258 مليار جنيه تمثل حافز الجودة، و53 مليون جنيه مكافآت المستشارين، رغم إعلان الحكومة عقب ثورة 25 يناير، وإلغاء جميع بنود المصروفات المخصصة للمستشارين، كما تم تخصيص 1.862 مليار جنيه للمكافآت، يمثل الحافز التعويضى لتطبيق قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015، رغم قرار مجلس النواب في العشرين من يناير الجارى، رفض قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 18 لسنة 2015 بشأن إصدار قانون الخدمة المدنية. وعن البوابة الثانية للفساد فتتمثل في بنود الأجور بالموازنة، وهو البند الخاص بالبدلات النوعية، والتي تصل قيمتها إلى 26،617 مليار جنيه، وتتضمن عددًا من البنود يأتى في مقدمتها من حيث القيمة بدل اعتماد (معلمين) بنحو 11.139 مليار جنيه، بالإضافة إلى بدل معلم (تدريس) بنحو 4.115 مليارات جنيه. واستحوذ المعلمون على نصيب الأسد من البدلات النوعية، ما دفع كثيرين للمطالبة بتدخل الأجهزة الرقابية لربط مثل تلك البدلات بجودة التعليم المقدم في المدارس الحكومية، ثم يأتى أساتذة الجامعات في المركز الثانى ببنود البدلات النوعية بالموازنة بنحو 2.773 مليار جنيه تمثل مصروفات بدل جامعة لأساتذة الجامعات سنويا، ومليون جنيه بدل عمادة ووكالة ورئاسة قسم بالجامعات. وذهب المركز الثالث إلى الأطباء، حيث تتوزع البدلات المتعلقة بالأطباء وأصحاب المهن الطبية بالموازنة بواقع نحو 2.587 مليار جنيه بدل مهن طبية، و217 مليون جنيه بدل عدوى ووقاية من الأشعة، بالإضافة إلى 84 مليونًا بدل طبيعة عمل للأطباء، و62 مليون جنيه بدل حرمان للصيادلة والحكيمات والمولدات والممرضات والزائرات الصحيات والمفتشات. وعن باقى البدلات المهنية فتضم بنود البدلات النوعية بالموازنة كلًا من 122 مليون جنيه بدلات لجهة سيادية، و59 مليون جنيه بدل تفرغ للمهندسين الزراعيين، و10 ملايين جنيه بدل تفرغ للمهندسين، و6 ملايين جنيه بدل تفرغ للأطباء البيطرين، و6 ملايين جنيه بدل تفرغ للتجاريين، بالإضافة إلى 5 ملايين جنيه بدل تمثيل الوظائف العليا، و2 مليون جنيه بدل تفرغ للمحامين، وبدل تفرغ فنانين تشكيليين بنحو مليون جنيه. وفى ظل هذا الواقع المأساوى تظهر مسميات أخرى للبدلات وصفها البعض بأنها «غريبة» في الموازنة العامة، وتتضمن كلًا من نحو 2.507 مليار جنيه تحت مسمى «بدلات مختلفة أخرى» دون تحديد أصحاب تلك البدلات، بالإضافة إلى نحو 1.732 مليار جنيه تحت مسمى «بدل خطر»، و386 مليون جنيه تمثل بدل إقامة بالجهات النائية، ونحو 9 ملايين جنيه مصروفات بدل انتقال نقدى ثابت ونظير عدم تخصيص سيارات ركوب حكومية. نوع آخر من البدلات يُسمى «بدل سودان» بنحو 31 مليون جنيه، وهو البدل الذي يتم صرفه بموجب قرار الرئيس جمال عبد الناصر ويمثل بدل السودان وإعانة غلاء المعيشة وبدل السكن لمواطنى الجمهورية السودانية العاملين بالمصالح الحكومية في مصر. تكرار المصروفات يمثل إهدارًا واضحًا للمال العام، وهذا ما ينطبق قولا وفعلا على البدلات النوعية التي تقوم على عدد من المصروفات المكررة لعدد من البنود، وتضم قائمة البدلات المكررة «بدلات نوعية» سبق تخصيص موارد لها بالموازنة ك335 مليون جنيه بدل طبيعة عمل و227 مليون جنيه بدل أغذية، رغم تخصيص نحو 1.75 مليار جنيه مصروفات أغذية للعاملين ضمن المزايا العينية للعاملين بالحكومة، ويمتد الأمر نفسه إلى «بدل ملابس» بنحو 2 مليون جنيه، رغم تخصيص 835 مليون جنيه ملابس للعاملين ضمن المزايا العينية. كما تضم قائمة البدلات المكررة كلًا من بدل يخص العلاقات الثقافية والتعاون الخارجى بواقع 127 مليون جنيه، وبدل سكن في الداخل والخارج بنحو34 مليون جنيه، وبدل تمثيل لموظفين بالخارج بنحو 25 مليون جنيه، فضلًا عن نحو 2 مليون جنيه تحت مسمى بدلات مهنية وفنية أخرى، وبدل اغتراب ب2 مليون جنيه، وبدل قيادة ب2 مليون أخرى.