تاريخ الرواية والشعر والصحافة والفن والثورة ينضح من جدران «زهرة البستان»، ذلك المقهى الذى استمد اسمه من الشارع الذى يقبع فيه وهو «البستان السعيدي»، الذى يعود تاريخه إلى ثمانين عاماً مضت حيث أسس المقهى -آنذاك- الحاج أحمد حسين القادم من أسيوط، ثم آل إلى حفيده الحاج حمادة، وخلال هذه السنوات تتابعت على مصر الأحداث، التى شارك فى صنعها رواد المقهى الذى يعد أكبر مقاهى وسط القاهرة. كان أدباء القاهرة يبحثون عن ملتقى يناقشون فيه إبداعاتهم يتناولون مشروبات رخيصة الثمن، فوجدوا ضالتهم فى «زهرة البستان»، وبه كان يعقد نجيب محفوظ ندوته كل ثلاثاء، وكتب عليها روائيون إبداعات تعد منارات تاريخية فى ميدان الأدب والرواية، منهم خيرى شلبى ومحمد مستجاب ووفيق الفرماوى ومكاوى سعيد الذى أبدع «تغريدة البجعة» وعلاء الأسوانى «شيكاجو»، «عمارة يعقوبيان» وغيرها.. فضلاً عن الشعراء أمل دنقل وأحمد عبدالمعطى حجازي، وفنانون كانوا فى بداياتهم الفنية مثل: محمود ياسين ونور الشريف ولطفى لبيب وأحمد زكى الذى تلقى تكليفه ببطولة فيلم «شفيقة ومتولي» من تليفون المقهي، وكذا تلقى فنانون كثيرون من تليفون المقهى تكليفهم بأدوار فى مسلسلات وأفلام، فلم يكن «المحمول» قد اخترع بعد! وفى ثلاثينيات القرن الماضى كان الأرمن واليونانيون واليهود يقيمون فى شوارع وسط القاهرة التى كانت مدينة متعددة الثقافات والأعراق والأديان وكان السائحون يزورون «الزهرة» باعتبارها معلماًَ أدبياً ومنارة المثقفين، فكانوا يجلسون ويستمتعون بمذاق المشروبات الشرقية، ويرشفون عطر الحضارة الأوروبية التى تنشر أريجها العمارات التى شيدها الخديو إسماعيل. وتمر السنوات وتندلع ثورة يوليو 2591، ويقوم الحاج أحمد حسين - صاحب المقهى - بإقامة احتفال بمقهاه تعبيراً عن حبه لبلدياته عبدالناصر، وقد تزين المقهى بالورد وعقود اللمبات الملونة، وبعد مرور 95 عاماً على هذا الاحتفال يخطط الشباب لثورة 52 يناير فى اجتماعات كان «زهرة البستان» مقراً لها، وباندلاع ثورتنا العظيمة يغلق المقهى أبوابه لقربه من ميدان التحرير، وبعد خلع مبارك فى 11 فبراير 1102 عاد المقهى يستقبل مريديه. عم عاطف الذى يعمل بالمقهى منذ 52 عاماًَ يقول: إن زبائن المقهى الآن من الشباب، يأتون لقضاء عدة ساعات يدخنون الشيشة ويتناولون المشروبات، لكن بدأت العائلات تعود للمقهى بعد سنوات طويلة للترويح عن الزوجة والأولاد.