أسئلة اتحاد القبائل    الري: 35 مليار جنيه قيمة مشروعات تطوير المنظومة المائية بالصعيد    ارتفاع أعداد قتلى الفيضانات جنوب البرازيل إلى 56 شخصا و67 مفقودين    الدوري المصري، جون إيبوكا يقود هجوم سيراميكا كليوباترا أمام الداخلية    من بينها ناي ل كاظم وموال الشوق ل نجاة، أبرز أغاني الراحل الشاعر بدر بن عبدالمحسن    3 حالات تجلط لكل مليون، رسائل طمأنة للمصريين بشأن لقاح كورونا    مدرب ريال مدريد السابق مرشح لخلافة توخيل    القبض على 3 متهمين بسرقة هاتف صحفي فلسطيني في مصر الجديدة    "الجثمان مفقود".. غرق شاب في قرية سياحية بالساحل الشمالي    التشكيل الرسمي للخليخ أمام الطائي بالدوري.. موقف محمد شريف    دعاء تعطيل العنوسة للعزباء.. كلمات للخروج من المحن    وزير الرياضة يتفقد ورشة عمل حول الأمن المعلوماتي بشرم الشيخ    طلب برلماني بتشكيل لجنة وزارية لحل مشكلات العاملين بالدولة والقطاع الخاص -تفاصيل    إصابة 8 في انقلاب ميكروباص على صحراوي البحيرة    "الزراعة" تنظم سلسلة أنشطة توعوية للمزارعين في 23 محافظة -تفاصيل    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    أحدث 30 صورة جوية من مشروع القطار السريع - محطات ومسار    "علشان تأكل بأمان".. 7 نصائح لتناول الفسيخ في شم النسيم 2024    بطلها صلاح و«العميد».. مفاجأة بشأن معسكر منتخب مصر المقبل    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    كشف ملابسات فيديو التعدى بالضرب على "قطة".. وضبط مرتكب الواقعة    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 والثانوي الأزهري    تشييع جنازة الإذاعي أحمد أبو السعود من مسجد السيدة نفيسة| صور    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    ما حكم أكل الفسيخ وتلوين البيض في يوم شم النسيم؟.. تعرف على رد الإفتاء    بعد رحيله عن دورتموند، الوجهة المقبلة ل ماركو رويس    استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل وحل 154 منها بنسبة 99.76% بالقليوبية    رئيس الأعلى للإعلام يهنئ البابا تواضروس الثاني بمناسبة عيد القيامة المجيد    «الإسكان»: دفع العمل بالطرق والمرافق بالأراضي المضافة لمدينتي سفنكس والشروق لسرعة توفيق أوضاعها    خريطة القوافل العلاجية التابعة لحياة كريمة خلال مايو الجارى بالبحر الأحمر    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    محافظ المنوفية يحيل 37 من المتغيبين بمستشفيات الرمد والحميات للتحقيق    إيقاف حركة القطارات بين محطتى الحمام والعُميد بخط القباري مرسى مطروح مؤقتا    انطلاق ماراثون المراجعات النهائية لطلاب الشهادة الإعدادية والثانوية بكفر الشيخ    حسين هريدي: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    السيسي يعزي في وفاة نجل البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني    أبرزها متابعة استعدادات موسم الحج، حصاد وزارة السياحة والآثار خلال أسبوع    المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة "ابدأ" .. الليلة مع أسامة كمال في مساء dmc    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    توفيق عكاشة: شهادة الدكتوراه الخاصة بي ليست مزورة وهذه أسباب فصلي من مجلس النواب    توريد 398618 طن قمح للصوامع والشون بالشرقية    روسيا تسقط مسيرتين أوكرانيتين في بيلجورود    دفاع طفل شبرا الخيمة يتوقع أقصى عقوبة لطفل الكويت معطي التعليمات    مستشار الرئيس للصحة: مصر في الطريق للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    ما حكم تهنئة المسيحيين في عيدهم؟ «الإفتاء» تُجيب    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    إيرادات فيلم السرب على مدار 3 أيام عرض بالسينما 6 ملايين جنيه ( صور)    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    مصرع 14 شخصا إثر وقوع فيضان وانهيار أرضي بجزيرة سولاويسي الإندونيسية    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكاوى سعيد:روايتى المقبلة ليست عن وسط البلد وحريص على ألا تسرقنى اللغة
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 08 - 2010

على مدار الأربع سنوات الماضية، أثبت الكاتب مكاوى سعيد أنه ليس مجرد ظاهرة، ومضت فى الوسط الثقافى برواية حققت نجاحا كبيرا، وجاوزت طبعاتها العشر طبعات وترجمتين، وكادت أن تخطف جائزة البوكر الأولى عام 2007، ثم غابت، أو تربحت من شهرة روايتها الأولى.
لأن مكاوى الذى ملأت روايته الأشهر «تغريدة البجعة» أزقة وسط البلد المكتوبة عن ناسها وأماكنها، أتبع الرواية بمجموعتين قصصيتين هما «سرى الصغير» و«ليكن فى علم الجميع سأظل هكذا»، قبل أن يتبعها بكتابه المهم والمشوق «مقتنيات وسط البلد»، الصادر عن دار الشروق قبل أكثر من شهرين، كان خلالهما الكتاب أبرز هدايا أعياد الميلاد والمناسبات..
الآن يحتفل الكاتب، الذى حاز جائزة الدولة التشجيعية عام 2007 بالطبعة الثانية من كتاب «المقتنيات»، فى الوقت الذى يوشك على الانتهاء من روايته الجديدة، التى ستصدر أواخر العام عن دار الشروق، لتجيب عن سؤال القراء اليومى ل«ميكى» كما يناديه أصدقاؤه: ماذا بعد التغريدة؟، وإلى نص الحوار:
نفاد الطبعة الأولى من كتاب المقتنيات بعد أقل من شهرين نجاح كبير للكتاب هل كنت تتوقعه؟
دائما يصعب توقع النجاح من عدمه، هو شىء غيبى، ربما تتفق فيه استجابات القراء مع توقعات الكاتب أو تخذل هذه التوقعات، وإن كان المبدع طوال الوقت يأمل خيرا..
لكنه كتاب كنت أتمنى إنجازه، وكنت أشعر أن القراء سيتلقونه على نحو جيد، رغم ذلك لم أتوقع كل هذا النجاح، ممثلا فى سرعة نفاد الطبعة الأولى، وكذلك عدد المقالات النقدية والمعالجات الصحفية التى نشرت حوله وتجاوزت الخمسة عشرة مقالة، مضاف إلى ذلك رد فعل القراء، الذين كان بعضهم قراء جدد لأعمالى، مع مفارقة أن الكتاب به كل مقومات البطء فى التوزيع، لأنه كتاب ضخم، «Hard cover»، وسعره مرتفع نسبيا، كما أنه ليس عملا أدبيا تقليديا رواية أو قصة أو شعر، وأكثر ما أسعدنى أن بعض القراء كانوا يقدمونه لأصدقائهم كهدايا فى أعياد الميلاد، كنت أفاجأ بهم يأتوننى ليوقعوا الكتاب بأسماء أصدقائهم الذين سيهدونه إليهم.
هذا عن تقييم القراء والنقاد بشقيه الأدبى والتجارى، ولكن ماذا عنك أنت؟ ما الذى يمثله الكتاب فى مسيرتك الأدبية؟
أرى أنه من أهم أعمالى، وأنا أهم قراءاتى تدور حول هذه النوعية من الكتب، فأنا مثلا مفتون بكتب مثل: «كناسة الدكان» ليحى حقى، «المرايا» لنجيب محفوظ، وغيرها من الكتب القديمة ك«خبايا القاهرة» و«ربوع الأزبكية» ومثيلاتها فى الأدب العالمى التى تتناول نفس هذه التيمات ككتاب «اللهب المزدوج» و«أطفال الطين» للأديب المكسيكى «أوكتافيو باث»، و«متسكع فى باريس» للبريطانى «جورج أورويل»، وبعض كتابات الأرجنتينى «بورخيس» وغيرها من الأعمال التى أظن أنها ستخلد مثل الرواية وربما أكثر..
هذه الأعمال أقرأها بين كل عمل أكتبه والذى يليه، فهى كتب ممتعة جدا، تمنحنى جزءا مهما من التاريخ، معلوماتيا ومفيدا، بالإضافة إلى الحكايات الطريفة والمشوقة.
بين هذا الكتاب وروايتك الأشهر «تغريدة البجعة» مجموعتان قصصيتان لم يحققا نفس بريق الرواية والكتاب، لماذا فى رأيك؟ وهل لذلك علاقة بكونهما قصصا لا روايات؟
مسألة الجنس الأدبى هذه ليست كل المشكلة، لكن ربما لأن كلا المجموعتين نشرتا ضمن إصدارات، أو سلاسل نشر حكومية، إحداها سلسة كتاب اليوم بمؤسسة أخبار اليوم، والأخرى هيئة قصور الثقافة، ومن طبيعتهما عدم إعادة النشر بعد النفاد، وبالتالى لم تأخذ هذه المجموعات حقها فى التوزيع ومن ثم القراءة، والمعالجة الصحفية والنقدية، عكس النشر الخاص الذى يهتم بإعادة طبع العمل طالما أنه ناجح ويبيع.
لكن من ناحية أخرى فإن نفاد ألفى أو ثلاثة آلاف نسخة من عمل أدبى ضمن هذه الإصدارات خلال شهر واحد هو نجاح آخر للكاتب، لأن رخص ثمن هذه المطبوعات يتيح وصولها لأغلب القراء خصوصا فى الأقاليم، وأغلب قرائى من الأقاليم جاءوا عبر هذه القصص المنشورة فى السلاسل الحكومية، وطبعة مكتبة الأسرة من «تغريدة البجعة»، لذا فأنا مدين للنشر الحكومى بأنه أوصلنى لقراء الريف وقرى الصعيد.
وماذا عن الرواية المقبلة؟ أعرف أنه منذ نجاح التغريدة يلاحقك هذا السؤال، وكأن القارئ لا يعترف أو لا يكتفى بعمليك القصصيين أو كتاب البشر والمكان؟
هذا حقيقى، فكل يوم يأتينى أشخاص ليوقعوا «تغريدة البجعة»، ويسألوننى عن الرواية المقبلة، هذا طبعا غير رسائل الفيس بوك التى تطرح نفس السؤال، وهو سؤال مربك جدا، فقبل هذه الرواية كنت أكتب بلا قيود، تماما كمن يركب دراجة ويترك يديه للريح، بالطبع كنت وقتها أتمنى لكتاباتى أن تنجح، لكن عدم النجاح لم يكن يمثل لى مصدر خوف كما هو الآن، بعد أن صار هناك أشخاص، أحبوا ما كتبت، ويهتمون وينتظرون ما سأكتب، ويستحقون منى ألا أخذلهم وأقدم لهم عملا أقل مما قرءوه، أبيعه باسمى أو بنجاح العمل السابق لا بجودة وفنية العمل الجديد.
لذا ربما كان اتجاهى لكتابة «مقتنيات وسط البلد» وسيلة للهروب من هذا المأزق، ففى فترة البحث عن موضوع رواية جديدة، وجدت أن لدى بالفعل موضوعات جاهزة للعمل عليها، ثم أنتج بعدها «خطوة خطوة» روايتى الجديدة بعيدا عن إلحاح القراء، هذا الذى يمثل للكاتب إطراء شديدا، لكنه يملأه رعبا وترددا وارتباكا، يشعره بأنه لم يعد ملك نفسه.
تقصد أنك صرت أكثر ارتباطا بالقراء؟
هذا حقيقى، وأكتب بإيحاء أو بإلحاح منهم أحيانا، فمثلاُ هناك شىء طريف صادفته مع أغلب قارئاتى، حيث وجدتهن لازلن مرتبطات ب«زينب»، إحدى شخصيات رواية «التغريدة»، وتأتنى منهم عبر الفيس بوك عشرات الرسائل التى تسألنى عن مصيرها، وهل ستعود بعد موت البطل أم ستغيب، بل ويطالبننى برواية جديدة أحكى فيها عن هذا المصير!!
لكن الأكثر طرافة أننى استجبت، وبالفعل بدأت فى أوقات الفراغ العمل على «عودة زينب»، وهى المرة الأولى التى أكون فيها تحت أمر القراء إلى هذا الحد، هم أحبوا هذه الشخصية وكلفونى بالبحث عن تاريخها الشخصى، وهى التى لم تكن موجودة أصلا قبل أن ابتدعها.
بالمناسبة «زينب» ليست موضوع روايتى الجديدة، ولست مهتما بنشرها الآن، هى مجرد تدريبات على الكتابة، اكتشفت أنها ممتعة، وهى خيط رواية أعطانيه القراء، وربما أرضى عنها وأقدمها إليهم فى يوم من الأيام أو لا أفعل.
لنعد إلى الرواية الجديدة، أراك تتهرب من الحديث عنها؟
لا إطلاقا، الرواية ستتسلمها دار الشروق منى فى أول أكتوبر، وأتمنى أن تطبع أواخر العام الحالى أو بدايات العام المقبل، بالتوازى مع معرض القاهرة الدولى للكتاب، ستطبع فى الشروق مثل كتاب «مقتنيات وسط البلد» التى كانت «الشروق» صاحبة الفضل فى خروجه، منذ أن كان مقالات متفرقة فى جريدة «البديل»، فاقترحوا على العكوف عليها وجمعها فى كتاب، والحمد لله حقق نجاحا كبيرا، وأنا أعرف أننى لن أخدم روايتى مثل الشروق، فهى دار ذات تاريخ، ولديها خبرة شديدة فى التسويق والتوزيع.
لكنه يصعب دائما الحديث عن موضوع أو عالم رواية لم تكتمل بعد، أو حتى الحديث عن اسمها، لأنه حتى الآن مجرد اسم مبدئى، اخترته لأبدأ الكتابة تحته، لكنه بالتأكيد سيتغير عدة مرات إلى حين نهاية الرواية، وهذا حدث مع «تغريدة البجعة»، التى ظلت حتى قرب نهايتها تحمل اسما مختلفا قبل أن استقر على هذا الاسم.
ولكن إذا أردت موضوعا فيمكن اعتباره الواقع الآن، ما يحدث ليس فقط فى مصر وإنما أيضا فى البلاد العربية من تفتت وتشرذم، بعد ما مرت به مصر والعرب من تحولات قاسية ومرعبة جدا، وصرنا نحن الذين كان لدينا حلم قومى ممتد، أقصى أحلامنا ألا نتفتت أكثر لنصير أقلية، منتشرة فى خمسين أو ستين دولة.
موضوع روايتى هو أثر كل ما سبق على الناس، فتخيلى مثلا أن دولة مثل دبى بها الآن أكثر من 195 جنسية، تُقرأ التنبيهات أو التنويهات فى مولاتها الكبرى بثلاث لغات ليس من بينها العربية هى: الأوردية والإنجليزية والفرنسية، ولا ترين أحدا من مواطنيها إلا على مسافات متباعدة.
الرواية باختصار تتناول هذين العالمين: عالم القادمين من الخارج بقيم الخلجنة والثراء، والماكثين فى مصر فى ظل الفقر والبطالة وغيرها من الإحباطات.
ماذا عن زمن كتابة هذه الرواية ؟
هذه الرواية بدأت الكتابة فيها بعد فترة من صدور «تغريدة البجعة»، أما زمنها الفنى فهو تقريبا نفسه الزمن الحقيقى أى خلال العامين الماضيين، تماما مثل «تغريدة البجعة»، التى توازت لحظة نهايتها، مع الزمن الحقيقى الذى وضعت فيه القلم وانتهيت من الكتابة.
ألمح فى كتابتك تواليا أو تتابعا زمنيا، بدءا من التأريخ لانتفاضة 18 و19 يناير فى السبعينيات فى «فئران السفينة» ثم ما أعقبها من تحولات فى «تغريدة البجعة» وصولا إلى رصد أثر هذه التحولات الصارمة على المجتمعين المصرى والعربى فى الرواية الجديدة؟
ربما حدث ذلك بالمصادفة، لكنه لم يكن مقصودا، فرغما عنك لن تستطيعين الانفصال عن اللحظة السياسية التى تكتبين عنها أو خلالها.
لكن هذا منح الكتابة بعدا أو نفسا تأريخيا؟
لا أرى أن هذا عيبا، طالما أن الفنى موجود فى هذا التاريخى، فطوال الوقت نعرف أن التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون، وأن التاريخ كان سيتغير لو كتبه المهزومون،
أما الأدب هو هذا التاريخ الحقيقى المكتوب ضمنا من خلال أحداث وشخصيات فنية، وهو التاريخ الأصدق والأهم.
هذا عن الزمن، ولكن ما حكايتك مع المكان؟ ليس فقط بسبب كتاب المقتنيات بما فيه من حضور مركزى للمكان، ولكن باقى أعمالك تشى بمركزية المكان عموما ووسط البلد خصوصا فى كتاباتك.
المكان بالنسبة إلىَّ مهم جدا تماما كالشخصيات، وأشعر أن الشخصيات تأخذ كثيرا من روح المكان الموجود فى زمن ما، فلو سرت بسيارة داخل القاهرة الخديوية وهى فارغة من الزحام ستستعيدين زمنها، لأن الأماكن تحتفظ على الدوام بأرواح ساكنيها.
وماذا عن المكان فى الرواية الجديدة؟
مبدئيا هو ليس وسط البلد، لأن البعض يظنون أننى لا أنطلق فى كتابتى إلا من هناك، المكان فى هذه الرواية أكثر تنوعا وجدة، لأن بعض الأحداث تقع خارج مصر فى الخليج، ثم ننتقل داخل مصر للأماكن التى يسكنها القادمون من الخارج.
نعرف أن «التغريدة» كانت نقلة نوعية فى إبداعك وفى مكانتك ككاتب، الآن هل اختلفت هواجس ما قبل وما بعد الكتابة عنها بعد هذه النقلة؟
اختلفت تماما، ففى البداية كنت أكتب وأنا لا أدرى أن للمعادلة طرفا غيرى اسمه القارئ، أكتب على أمل أن هناك قارئا ما أتمنى أن أعجبه، هذا القارئ كان كيانا افتراضيا لا أخشاه، الآن وقد ظهر هذا الكيان وأصبحت ألتقيه يوميا فى الشوارع وفى وسائل المواصلات، وفى الدول العربية والأجنبية، وأقيم معه حوارا عبر مارد الإنترنت ثم ألتقيه، لم يعد هذا القارئ افتراضيا، وصرت أخشاه.
وماذا عن اللغة؟ عشقك القديم للشعر هل يصارع للخروج فى كتابتك السردية أم أنك ترى للغة فى السرد وظائف أخرى؟
أحب الشعر جدا، وحتى الآن لا أقرأ أثناء الرواية إلا الشعر، خشية أن أقرأ أى عمل سردى آخر فيتداخل رغما عنى مع العمل الذى أكتبه ويفسده.
وفى موجة انتشار الرواية وجدت الكثيرين من الشعراء المتميزين يتحولون لكتابة روايات، لا أنكر أن بعضها كان لا بأس به، لكن اللغة أخذتهم إلى خارج بنى الرواية وعالمها، أما أنا فأحرص دائما على ألا تسرقنى اللغة، وأن تحمل من الشاعرية مالا يفسد الشخصية، لأن اللفظ الجميل مخادع، والحيل اللغوية من الممكن أن تربك مسارات السرد.
وماذا عنك أنت، رغم أن الجميع يعرف مكانك على مقهى «زهرة البستان» إلا أننا نشعر بأنك مختف، فيما عدا ندوات قليلة عقب صدور عمل من أعمالك؟
هذا لأننى كاتب مقل جدا وكسول جدا، ولا أحب أن أنشر إلا ما أرضى عنه، وتكون هناك استراحات طويلة بين كل عمل أكتبه والذى يليه..
أنت بالفعل موجود إبداعيا وتنتج كتبا، لكنك لا تخرج علينا كآخرين، من الصحف والتليفزيون والراديو وصنبور المياه.
لأن هؤلاء يجيدون الكلام ولديهم باع فى السياسة، وبعضهم لا يترك شاردة ولا واردة إلا وتحدث فيها، أما أنا فلا أتحدث إلا عما أعرفه، وما أعرفه قليل، وأفضل وضعه فى كتبى، لأن الكتابة بها توحد ما بين الكاتب والقارئ، فالاشتباك مع الناس هو الحل، هذه هى طريقتى فى الكتابة وفى الحياة.
منذ 2007 وحتى اليوم أكثر من ثلاث سنوات، هى الأكثر تورطا بالنسبة لك فى الوسط الثقافى، الذى عشت أغلب حياتك على تخومه، لكن ما نتيجة القرب منه؟ وكيف تراه الآن؟
كنت قريبا من الوسط قبل «التغريدة»، ولكن على مسافة، فحتى الأفلام الوثائقية والتسجيلية التى كنت أكتبها كانت عن أدباء، كنجيب عطية إبراهيم، وإبراهيم عبدالمجيد، وبهاء طاهر وغيرهم، كنت قريبا من الكتاب ككاتب سيناريو وثائقى، وليس ككاتب منافس، أما الآن فقد صار أغلب الأدباء أصدقائى، لأننى على يقين بأنه لا يوجد شىء اسمه القمة، وإن وجد فإنه يتسع للجميع، وأرى أن القبول الحسن الذى صادف روايتى ليضعنى ضمن الكتاب المشاهير، سيقابل أى شخص يكتب جيدا ويهتم ويخلص لما يكتب، ليصعد إلى جوارنا.
أنا ضد من يظنون أن الشهرة الأدبية كالكراسى الموسيقية لا بد أن يُتنازع عليها، فأنا بالتأكيد لن تمتعنى كتاباتى، لن أحاول قراءتها مرة ثانية لأننى أعرفها، ولا تدهشنى، ما يمتعنى هو كتب الآخرين، فكيف أزيحهم من طريقى وهم وسيلة متعتى؟
وأفتقد بشدة كتابات المبدع الفذ مجيد طوبيا، ويحزننى أن أديبى المفضل محمد المخزنجى مقل جدا، وتدهشنى غيبة الأديب المتميز رضا البهات، ومعه آخرون.
ولكن ألا تشغلك فكرة المجايلة؟
إطلاقا، نحن ثمانون مليون مصريا وأكثر من 400 مليون عربى، هل يعقل ألا يتجاوز عدد كتابنا المائة؟! هذا بؤس، كان يجب أن يكون لدينا على الأقل مليون كاتب، لماذا يكون الصراع على 5 مراكز يظنون أنهم نهاية العالم؟
ثم هل على القارئ أن يظل ينتظر «حضرتى» طوال أربع أو خمس سنوات لحين الانتهاء من روايتى؟!
لا من مصلحتى أنه لحين الانتهاء من عمل شىء يرضى القارئ، يكون الزميل قد أنتج شيئا يجعله يقبل على القراءة حتى نحتفظ بهذا القارئ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.