علاقة وطيدة يدركها كل علماء الاجتماع السياسى بين الحزب وصناعة الحاكم الطاغية، وهى ظاهرة ابتليت بها كل الدول النامية، وخاصة افريقيا، ومنها مصر مع بداية النصف الثانى من القرن العشرين فترة الانقلابات العسكرية المسماة بالثورات، والتى حتمتها محاربة الاستعمار، ودعمها وجود قوة كبرى آنذاك هى الاتحاد السوفيتى السابق، نموذج الحزب الواحد والطاغية ستالين، والتى ساندت الحزب الواحد صانع الطغاة فى كل الدول . ما سبق ذكره انطبق بحذافيره على مصر ثورة يوليو، وليس من المستبعد ان يحدث فى مصر بعد ثورة يناير على أيدى الاخوان جماعة وحزباً، فثورة يوليو هى انقلاب عسكرى قلب الحياة السياسية فى مصر راساً على عقب، وألغى الاحزاب السياسية بزريعة الضرورة الحتمية لتحالف كل قوى الشعب العامل، فكان الحزب الواحد تحت مسمى جبهة التحرير، فالاتحاد الاشتراكى فحزب مصر ومنه الحزب الوطنى الديمقراطى برئاسة الرئيس الراحل أنور السادات، والمستوحى اسمه من اسم الحزب الوطنى للزعيم مصطفى كامل . خطورة الحزب الواحد ومن خلال تجارب معظم الدول تكمن فى انه دائماً ما يربط نفسه بقضية كبرى يعيش لاجلها، كطرد الاستعمار وتحقيق الاستقلال، وكتحقيق التنمية الشاملة فى فترة ما بعد الاستقلال، وها هم الاخوان الآن خرجوا علينا بشىء مماثل وهو مشروع النهضة، وكى يحقق ذلك فإنه يفرض الوصاية على الجميع ولا صوت يعلو على صوته، ويتحول الى بوق دعائى لزعيمه الذى فى كل التجارب كان رئيس الدولة، وينجم عن ذلك ما يعرف بالنظام الشمولى والسلطوى، حتى فى فترات السماح بوجود احزاب تعمل بجانبه لانها تكون احزاب ديكورية وهو ما ينطبق على المنابر فى عهد السادات وعلى كل الاحزاب التى تعايشت الى جانب الحزب الوطنى حتى قيام ثورة يناير وغالبا ما كان السبب فى ذلك تداخل الحزب الواحد مع الدولة لدرجة يصعب التفرقة فيها بين الحزب والدولة ولعل ذلك نشاهده الآن من خلال حزب الحرية والعدالة الذى يحاول الاستحواذ على كل شىء ويعمل على أخونة كل مؤسسات الدولة . الحزب الواحد إذن يكون موجودا حتى فى ظل التعددية الحزبية، طالما باقى الاحزاب ضعيفة ومفتتة ، ويمكن تحريكها بريموت كنترول الحزب المهيمن، ويمكن دك الاسافين بينها وكل ذلك يطرح السؤال الصادم، وهو هل يمكن ان تتكرر المسرحية الهزلة للحزب الواحد صانع الطاغية برغم ثورة يناير ونجد انفسنا امام الحرية والعدالة الاوحد المهيمن ومرسى الزعيم والطاغية فى ثوب المستبد العادل ؟ الدكتور جمال زهران - استاذ العلوم السياسية- لم يستبعد ذلك، برغم ان ثورة 25 يناير خلصتنا من الحزب الوطنى، وتوقع زهران تكرار سيناريو الحزب الواحد، ليكون هذه المرة ممثلا فى حزب الحرية والعدالة ، وزاد زهران على ذلك بأن مشكلة الحزب الواحد اصبحت موجودة بالفعل، وتتمثل فى ان حزب االحرية والعدالة هو الذراع السياسى لجماعة الاخوان المسلمين ، والرئيس مرسى منتمٍ للجماعة وعضو فى الحزب، وان كان قد تخلى عن رئاسته وبالتالى فإن الحزب يساند ويدعم الرئيس مرسى، والشواهد على الارض تؤكد اننا اصبحنا على وشك ظهور حزب وطنى جديد فى ثوب اخوانى، بدأ بالفعل فى اتخاذ خطوات جادة للسيطرة على مفاصل الدولة ، وقد يفعل ما فعله الحزب الوطنى فى صناعة الديكتاتور، لنجد انفسنا امام طاغية جديد ولكن بعباءة مختلفة، فى ظل عدم وجود معارضة قوية وحقيقية ناهيك عن مدة الطاغية عندما يكون الحزب الداعم له متمسحا فى الدين . "نحن مقبلون على صعود وتسلط حزب خرج من رحم الحزب الوطنى ومن يتصور غير ذلك فهو واهم" هكذا قال الدكتور جمال زهران مرجعا ذلك الى ان تصريحات قادة الحرية والعدالة توحى بأنهم لن يتنازلوا عن 90 % من مقاعد البرلمان ، خاصة بعد شعورهم بفشل المليونيات ضدهم، مشيرا الى ان الاخوان ظلوا 30 عاما فى كنف النظام السابق ،ولم يثوروا ضد الظلم او طلبا للديمقراطية وكل ما فعلوه انهم ركبوا موجة الثورة، موضحا انه يجب الفصل الكامل بين رئيس الجمهورية والحزب حتى لا نقع فى نفس الاخطاء السابقة التى كانت سببا فى صناعة الطغاة . زهران ربط بين تكرار سيناريو الطاغية وحواشيه، وبين بقاء المعارضة ضعيفة ليتلاعب بها الحرية والعدالة ويضم بعض كوادرها له كما كان يفعل الحزب الوطنى وهو كلام منطقى خاصة وان الحزب الوطنى ضم اليه معظم كوادر حزب الوفد مع منتصف الثمانينيات من القرن الماضى وقال زهران : نحن الآن نمر بنفس لحظات ميلاد حزب تسلطي واستبدادى آخر حيث بدأ الحزب الوطني في الظهور وبعدها مرحلة بناء الكوادر ثم التمكين ثم ربط المصالح وبعدها قتل المعارضة وضحضها إلي أن وصل لقمة فساد الحياة السياسية . والأن دخل في عضوية حزب الحرية والعدالة بعض أعضاء الحزب الوطني المنحل وبعض أصحاب المصالح . فى ذات السياق اوضح الدكتور ايمن عبد الوهاب -الخبير السياسى بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام- ان صناعة الحزب الواحد والطاغية لا تأتى بدعم حزب الحرية والعدالة للرئيس مرسى، واصفا ذلك بأنه شىء طبيعى ، مؤكدا على انها تأتى عندما لا تقوم المعارضة السياسية بواجبها على اكمل وجه، وعندما تكرر الاخطاء ولا تستفيد من اخطاء الماضى، قاصدا بذلك تركها لنفسها للتشرذم بدلا من التوحد لاجل الصالح العام ، قائلا فى تلك الحالة يخرج الديكتاتور او الفرعون الكامن داخل شخص الرئيس . ويقول - عبد الوهاب – إنه علي عهد عبد الناصر لم يشكل الاتحاد الاشتراكي أي مظهر كحزب، ولكنه كان أشبه بالجبهة تعضد الحاكم، وتعمل علي تشجيع المجتمع لمساندة سياسات الرئيس ، بخلاف الشكل الحزبي الذي ظهر بقوة في عهد مبارك والذي كانت له توجهات سياسية ، ساعدت الرئيس علي الطغيان علي أوجه الحياة السياسية والاجتماعية . وحتي الآن في الحياة السياسية لا يوجد حزب مسيطر، ولكن هناك مخاوف من سيطرة تيار ذات توجه خاص علي الحياة السياسية واستبعاد وتهميش باقي التيارات ؛ وهذه المخاوف لم تكن موجودة من قبل ، وهذا راجع الي ضعف الحياة السياسية في مصر وضعف الكوادر التنظيمية القادرة علي التواصل مع الجماهير ، كما أن الخطاب السياسي الذي تتبناه التيارات السياسية لا يعبر عن تواصل حقيقي مع الشارع وتوجهاته ، وحتي الآن هذه الأحزاب والتيارات ليس لها تأثير حقيقي . ويستبعد – عبدالوهاب – تكرار فكرة الحزب الأوحد في مصر من جديد ، فقد ظهرت محاولة تكوين تحالفات سياسية كبيرة لتجنب الأخطاء السلبية السابقة وهناك إعادة بناء ومحاولة حشد المعارضة لتغيير وجهة الحياة السياسية، ولأن التيارات الإسلامية نفسها تكمن مصلحتها في وجود تيارات للمعارضة بكثرة وبقوة ، لأنها تعطي نوع من الترشيد وتعزيز الخطاب السياسي وتعمل علي تحريك السياسات ووجود قوة للرقابة والمحاسبة وتساعد علي إيجاد نوع من الحراك العام ، ومع قوة المعارضة وتأثيرها الفعال نتجنب ما حدث مع الحزب الوطني الذي هيئت جميع التشريعات والسياسات لمصلحته ، ومع وجود تلك المعارضة والتي تكمن قوتها في عدم تكرار نفس الأخطاء ، ولأن مصلحة كل حزب في أن يسيطر وأن يكون فعال في الحياة السياسية ومحرك للسياسات ؛ فإن حزب الحرية والعدالة سيحاول الوصول إلي ذلك . ومن جانبه اوضح الدكتور عبد الحليم الطحاوى- استاذ التاريخ المعاصر بجامعة الزقازيق- ان السبب الاساسى لنشوء الحزب الواحد والرئيس الفرعون فى ايام مبارك هو الفرقة التى اصابت المعارضة، وشتتها وجعلتها غير قادرة على التحالف فى وجه استبداد الحزب الوطنى، واصفا الاتحاد الاشتراكى بأنه كان عبارة عن خلايا استطاع انشائها انصار عبد الناصر فى القرى والمدن ، ودعمت سياسات الرئيس وجذبت إليه الجماهير وساعده على ذلك عدم وجود احزاب، لأنها كانت قد الغيت، مشيرا الى ان الحزب الواحد صانع الطاغية يرجع السبب فيه الى خطأ فادح وقع فيه السادات وهو رئاسته للدولة والحزب وهو نمط لم يكن موجود فى مصر فى العهد الملكى وسار عليه مبارك واستطاع ان يسيطر من خلاله على كل نواحى الحياة السياسية باستثناء فتات تركه لبعض احزب المعارضة لاضفاء الطابع الديمقراطى على نظامه ولعلنا نجد فى كلام الدكتور الطحاوى ان مكمن الخطر فى احتمالية صناعة الطاغية الآن موجودة وواضحة وهى التشابك بين الحرية والعدالة ومؤسسة الرئاسة والذى يمكن ان يتسع مستقبلا ليشمل كل اجهزة الدولة الامنية والخدمية بنفس الوتيرة المباركية لنكون امام وتيرة اخوانية اشد وطاة على الشعب المصرى اذا لم تتوحد قوى المعارضة المدنية وتقف بالمرصاد لهذا الخطر الداهم .