الجماعة لم تكن فاعلة وإنما كانت مجرد ديكور وتجيد البطولة الوهمية عبر شهور بعد الثورة اتفق أو توافق الإخوان مع المؤسسة العسكرية وكأنهم يقولون لهم لن نختلف معكم ما حيينا، إلا أن الإخوان وهم في طريقهم للاتفاق مع المؤسسة العسكرية وقعوا في خلافات جمة مع البسطاء من أفراد الشعب فخاف هؤلاء البسطاء من الإخوان خاصة بعد التصرفات الكثيرة غير الموفقة من قيادات الجماعة، ولكن ظهر بجلاء أن المجلس العسكري أعطى لهذه الجماعة راية الأمان وصك الغفران، وفي المقابل لم يقصر الإخوان وقاموا بدور واضح في الدفاع عن كل قرارات المجلس العسكري ولم يحدث أن اختلفوا معهم ولو مرة واحدة ذرا للرماد في العيون، فهل وافق المجلس العسكري على الإخوان أم وافق الإخوان على المجلس العسكري؟ الإخوان الذين كانوا في مواجهة عسكر ثورة يوليو في خمسينيات القرن العشرين كانوا يبحثون عن الحكم على أن يكون خالصا لهم دون شريك، فمن التاريخ عرفنا أن عقيدة الإخوان المتعلقة بالحكم هي عقيدة التوحيد الخالص ومعناها أن يكون الحكم للمرشد وحده لا شريك له!! وعسكر ثورة يوليو كانوا أيضا يبحثون عن الحكم إلا أنهم كانوا يريدون شريكا متفاهما يضع يده في يدهم لتنفيذ مشروعهم الوطني، وعندما شن عليهم الإخوان حربا وكيدا وواجهوا مشروعاتهم الثورية من منطق نحن أصحاب اليد العليا حتى أن مرشد الإخوان حسن الهضيبي عندما جلس مع عبد الناصر كان فظا غليظ القلب وكأنه يقول له «ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين» كان رد عبد الناصر عليه بلسان الحال لا بلسان المقال «إنما أوتيته على علم عندي» وعلى تنظيم الضباط الأحرار الذي أقمته وما كنتم لدينا إذ قمنا بالثورة أينا يكون زعيمها وقائد حركتها.. وحين مكر الإخوان بثورة يوليو وبقائدها «وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال» كان رد عبد الناصر عليهم قاسيا فلبثوا في السجن بضع سنين، ولو استبصروا أخطاء مرشدهم وواجهوها ما لبثوا في العذاب المهين، وما كان عبد الناصر ليتركهم وهم يدبرون لاغتياله وما كان يتركهم وهم يتآمرون.. وعلى رأي المثل العربي «على نفسها جنت براقش». اتضح من تجربة إخوان الخمسينيات مع عسكر ثورة يوليو أنهم لم يستوعبوا دروس الفيزياء ولا قوانين نيوتن للحركة التي جاءت إلينا من الغرب العلماني، لم يتعلم الإخوان أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه.. وبعد أن مر على التاريخ تاريخ وتغيرت الجغرافيا وبادت أمم وظهرت دول كان إخوان يناير 2011 وعسكر مصر أصحاب التاريخ الضارب في جذور الزمن والعقيدة التي تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد. إخوان يناير 2011 لم يتغيروا، هم..هم.. سيماهم على وجوههم لن تجهلهم أبدا فلتعرفنهم في لحن القول والتورية والمعاريض والفضائيات والتصريحات التي تصدر مشمولة بالتكذيب الخاص بها، ولكن في الصورة بعض الاختلافات فعسكر يناير 2011 يختلفون عن عسكر 1954.. ليسوا سواء.. عسكر ثورتنا السلمية التي انبثقت في 2011 فجرا جديدا فأنارت للعالمين سبيلا لم يسعوا إلى الحكم وليس لديهم إلا عقيدة الدفاع عن الوطن وحماية جبهته والذود عن حدوده، عسكر ثورة يناير قاموا بحماية الثورة المدنية، فكانت ثورتنا السلمية ثورة شعب وقف معه الجيش، أما ثورة يوليو 1952 فكانت حركة جيش وقف معها الشعب فحولها إلى ثورة. ولكن أين جماعة الإخوان من الثورة، وأين هي من عسكر ثورة يناير، المقطوع به أن جماعة الإخوان ليست جماعة ثورية فالباحث في علم نفس الجماعات يعرف أنها جماعة إصلاحية فقط ولم تتحرك صوب الثورة قيد أنملة، ولكنها دائما وأبدا تدخل فيها مثل الكومبارس ثم تحصل بعدها على دور البطولة، وهي بطولة وهمية لو تعلمون، هكذا هي منذ نشأتها وهكذا هي ستستمر، ولو فهم الحكام السابقون ذلك لأراحوا واستراحوا فجماعة الإخوان لا تبغي أبدا الانقلاب على الحكم بل تسعى بقضها وقضيضها إلى الانخراط فيه وشتان بين الأمرين.. ومساعدة الإخوان لثورة يوليو لم يكن منهجا ثوريا ولكنه كان استثمارا منهم لثورة أو ركوبا منهم لموجتها، والخُلاف الذي ثار بينهم وعبد الناصر لم يكن ثورة على الثورة ولكنه كان محاولة للانفراد بها ليسهل لهم تحقيق مآربهم في الحكم والانفراد به.. فالإخوان أصحاب أجندة إصلاحية وأجندة الإصلاحيين تختلف حتما عن أجندة الثوار، والحق أن هذه الخصيصة تشترك فيها معظم الأحزاب والقوى السياسية في مصر حتى الأحزاب الناشئة فكلهم أصحاب أجندة إصلاحية لا ثورية ولعل هذا يفسر بعض الذي يحدث في مصر حاليا.. الذي يحدث هو خلاف بين القوى الثورية والقوى الإصلاحية حيث بينهما برزخ لا يبغيان ولا يلتقيان كلُ ُيسعى إلى تحقيق أجندته وكلُ ُ في فلك يسبحون. نأتي إلى عسكر يناير 2011، الذين لا يعرفون إلا العسكرية وليس من مبتغاهم السياسة أو الحكم إن الحكم إلا للمدنيين، ولأنهم وقفوا مع الشعب فكان من العدل أن يفسحوا المجال لكل طوائف الشعب وأطيافه وفئاته لا تفريق بين هذا وذاك، لم يعرفوا من قبل الإخوان ولم يجلس أحد منهم مع أي من مرشديهم، وهم كما قالوا يقفون على مسافة واحدة من الجميع، وفي رسالة ذات دلالة سمح عسكر يناير 2011 الذين تولوا إدارة البلاد للإخوان بالانخراط في الحياة السياسية، وكانت الإشارات عميقة المغزى تكاد تنطق قائلة كونوا مع المشاركة والرشد السياسي ولا تكونوا مع المغالبة والعنترية والعنجهية واستعراض القوة وفرد العضلات فقد خاب من غاب عقله وزاد حجمه. ولأن العسكر لا يعرفون السياسة وأضابيرها وكهنها فقد كان من السهل على الإخوان الذين عاشوا عمرهم في تنظيم سري أن يدبروا المؤامرات ويحبكوا الدسائس ليدخلوا إلى الحكم من باب العسكر، كان الإخوان آخر من دخلوا إلى الثورة، وكان دخولهم لحاجة في نفس مرشدهم قضاها، ومن أول لحظة وحتى قبل أن يتم خلع مبارك بالغوا في التودد للمجلس العسكري بابتسامة سياسية مشوهة أظهرت أسنانهم الصفراء إلا أنها لم تستطع أن تخفي ما في قلوبهم ثم أصبح بينهم والمجلس العسكري بعد ذلك حالة من الموَدّة والتوافق والصفو، ولكن في المقابل ظهر أن الود مفقود بينهم وكثير من الأطياف الشعبية والسياسية. كان سقف العسكر من الثورة منخفضا وكذلك كان سقف الإخوان، العسكر كان كل مبتغاهم القضاء على التوريث، فهم يدركون أن تولي جمال مبارك الحكم في مصر سيدخل البلاد في نفق شديد الظلمة والعفونة، وكان سقف الإخوان من الثورة أن تتاح لهم الفرصة من خلالها لكي يحصلوا على الشرعية وعلى حق العمل في السياسة بلا محاذير، فاتفق سقف الإخوان مع سقف العسكر، فكان الاتفاق الأول. وعندما بدأ العسكر خطواتهم الأولى في إدارة شئون البلاد رأوا أنهم يجلسون على فوهة بركان، فالثورة ليس لها زعيم ولا قائد، وهم عسكر لم ينخرطوا في السياسة وليس لهم جماهير تدافع عن إدارتهم وتنافح عن صدق توجهاتهم خاصة وأن الجو كله أصبح ملبدا بالتشكيك في النوايا، فاتفق العسكر مع أصحاب الجماهير، وأصحاب الجماهير بطبيعة الحال هم الإخوان، وقدم الإخوان وشائج القربى للعسكر بأن عقدوا لهم اتفاقا مع السلفيين والجماعات الإسلامية، فابتعد العسكر بذلك عن كل القوى السياسية المدنية وجلسوا مع الإسلاميين بمختلف توجهاتهم على مائدة واحدة، والإخوان ومن معهم تحت الطوع والأمر، يريد العسكر تعديلا للدستور فالإخوان معهم وعدة الشغل جاهزة وطارق البشري تحت أمر البدلة الكاكي وصبحي صالح سيتحول من محامي جنح وإعلامات وراثة إلى فقيه دستوري، يريد العسكر تصويتا لصالح التعديلات فتتحول منابر الإخوان والسلفيين إلى مدافع وخناجر وغزوة الصناديق، مليونية يريد العسكر إفشالها فالإخوان لها، مليونية يوافق عليها العسكر فالإخوان قادتها، تفريغ الثورة وتخفيض سقفها فسيارة الإخوان «تحت الطلب» جاهزة لتوصيل الثورات إلى المقابر، وهلم جرا حتى أصبح دور الإخوان كبيرا وامتدت جذورهم بحيث يصعب على العسكر اقتلاعهم وشرب المشير والفريق الطُعم، وأصبح مرسي واحد رئيس مظبوط وصلحه على مزاج السادة العسكر. وللأسف فإن الإخوان أرادوا في ثورة الشعب ابنة يناير 2011 ركوبها ومص دم شهدائها والسيطرة على عسكرها من أجل الوصول إلى الحكم فوصلوا، إلا أن المعادلة ستختلف، فلن يصطدم معهم العسكر ولكنهم هم الذين سيصطدمون بالشعب، وما فشلوا فيه مع العسكر ذات تاريخ مضى سيفشلون فيه مع الشعب ذات حاضر يتوقف من أجله التاريخ.