"إن البشر في الأصل كانوا مخلوقات كروية الشكل، لها رأس واحد، به وجهان، وجسد واحد بأربعة أقدام وأياد، شعر ذلك المخلوق بالتفوق، فتطلع لمكانة الآلهة، الأمر الذي أغضب "زيوس" كبير الآلهة فقرر عقاب المتمرد بشقه نصفين، لإضعاف قوته، ثم طلب إلى "أبولو" اله الشمس، إعادة تسوية كل نصف على النحو الحالي (رجل وامرأة) ومن يومهما يبحث كل نصف عن شطره الآخر ليعانقه، ليستعيدا اكتمالهما الأزلي".. أسطورة يونانية قديمة. هو الحب.. لا شيء أعصى على الإنسان من فهم أسبابه وأفعاله في النفس البشرية، فهو اللغز الغامض الذي حير العالمين حوله، ولم يتسنى لهم معرفته الكاملة، وهو ماوضعت له الكاتبة والباحثة الأمريكية هيلين فيشر كتابها الشهير "لماذا نحب؟!" والذي ترجمته مؤخرًا الكاتبة المصرية فاطمة ناعوت عن المركز القومي للترجمة. في 9 فصول متتالية تجولت هيلين بريشتها البارعة؛ لترسم خريطة الحب وقصص العشق عبر مجتمعات العالم، والتي تؤكد خلالها أنه عند مسح 166 ثقافة متنوعة وجد الانثروبولوجيون دلائل على قصص الحب الرومانتيكي في 147 ثقافة منها، ما يعني أن 90% من الثقافات المختلفة تمتلك قصصًا عتيدة عن العشق مثل روميو وجوليت وقيس وليلي. وخلال الكتاب توضح هيلين وناعوت سمات الإنسان العاشق، الذي يعظم جميع صفات الحبيب مهما كانت بسيطة ليسير على نهج المقولة الشهيرة "الحب أعمى"، كما توضح الكاتبة أن التفكير المفرط في المحبوب هو أحد سمات الحب الرومانسي، حيث يفكر (79% من النساء و78%) من الرجال في محبيهم أثناء عملهم. كما تؤكد الكاتبة خلال دراستها عن الحب أن فقدان الشهية وانعدام النوم يرتبطان ارتباطا مباشرا بالحب الذي يسيطر على الإنسان، إضافة إلى التلعثم والارتباك والعصبية والقلب الخافق وفقدان التنفس ويتأرجع مزاجهم دائمًا ما بين النشوة والإحباط، ومن الحنين إلى التوحد العاطفي، هي جميعها أعراض تصاحب العاشق أينما ذهب. وتطرقت الكاتبة في فصول دراستها إلى علاقة الجنس بالحب، فتؤكد أن المشاعر الرومانسية مجدولة ومضفورة دائمًا بالتوق الجنسي، وتبين نتائج الدراسة أن (73% من الرجال و65% من النساء) يحلمون آناء الليل وأطراف النهار بممارسة الحب مع عشاقهم، إلا أنهم يفضلون "الحصرية الجنسية" أي ألا تلطخ علاقاتهم المقدسة بالغرباء، أي الإخلاص الجسدي. وتؤمن الكاتبة في ختام كتابها أن العاطفة الجامحة (الحب) هي حجر الأساس في حياة الإنسان الاجتماعية، ذلك أن الإنسان من بني البشر الذين جربوا مشاعر النشوة التي يجلبها الحب الرومانسي.