في عيد الحب المصري، 4 نوفمبر، قررتُ ان تكون »زهرة« الأسبوع مقطعًا من كتاب "لماذا نحب؟ طبيعةُ الحبِّ وكيمياؤه"، لعالمة الأنثروبولوجي الأمريكية »هيلين فيشر«, ويصدر قريبًا بالعربية، من ترجمتي، عن المركز القومي للترجمة. ما الحبُّ؟ ، يتساءلُ شكسبير. لم يكن الشاعرُ الكبير أولَ من تساءل. أتصوّر أن أسلافنا تأملوا ذلك السؤال قبل ملايين السنين وهم يتحلّقون حول لهيب النار في خيامهم أو بينما يرقدون علي الأرض يرقبون النجوم. تلك العاطفة التي منحتنا كل هذا الميراث من الأوبرات، والمسرحيات، والروايات، وأكثر القصائد مسًّا للمشاعر والمقطوعات الموسيقية الآسرة، وكذلك أبدع القطع النحتية واللوحات التشكيلية والأساطير، والحكايات الخرافية. إنه الحب الذي جَمَّلَ العالمَ وغمر البشرَ بالبهجة والفرح. علي أن الحبَّ حين يُهانُ أو يُستخَفُّ به، بوسعه أن يجلبَ أشدَّ ألوان العذاب النفسيّ والجسديّ ضراوةً. الغضب، القتل، الانتحار. آن الأوان لكي نتأمل بجديّة سؤال شكسبير: »ما الحبُّ؟« كم من الرجال والنساء أحبّوا في كل الحقب والعصور؟ كم من أحلامهم تحقق، وكم أُهدِر؟ كم قصة حب امتصّها هذا الكوكب. ولحسن الحظ، ترك لنا العشاق حول العالم إرثًا هائلا من الأدلة تشير إلي حكاياهم. من أوروك، في سومر القديمة، تأتي علي الألواح الآشورية باللغة المسمارية، قصائدُ تخلّدُ غرام »إنّانا«، الملكة السومرية، ب »دوموزي«، راعي الغنم، قبل أربعة آلاف سنة. ولدينا »قيس«، ابن شيخ القبيلة في الجزيرة العربية القديمة. أسطورة القرن 17. تقول الحكايةُ إنه كان الفتي الوسيم الذكيّ- حتي التقي »ليلي«، تلك التي من معانيها: الليلةُ الطويلة حالكةُ السواد، نظرًا لشَعرها الداهم. ثمِلاً، كان قيس في إحدي الليالي، انتفض من مقعده وهام علي وجهه في الطرقات يصرخ باسم معشوقته. ومن يومها، اكتسب لقب: »المجنون«. كذاك تحكي الخرافةُ الصينية في ق 12 عن الصبيّة المدلّلة »ميلان« ابنة الضابط الكبير في كيفينج- وكيف وقعت في غرام »تشانج بو«، الشاب ذي الأصابع النحيلة والموهبة الخاصة في نحت أحجار اليشم الكريمة. »منذ خُلقَتِ السماءُ والأرض، خُلقْتِ أنتِ لي، وأنا خُلقتُ لكِ، وأبدًا لن أترككِ تمضين.« هكذا صرّح تشانج لميلان ذات صباح في حديقة بيتها. عاشقان من طبقتين مختلفتين في مجتمع ذي نظام طبقيّ صارم مثل الصين. ولما غمرهما اليأس، هربا معًا. فكان عقابها أن دُفِنَت حيةً في حديقة أبيها. لكن »ميلان« تظلّ حيّة في قلوب الصينيين. روميو وجولييت، باريس وهيلين، أورفيوس ويوريديس، آبيلارد وإليوز، ترويلاش وكريسيدا، تريستان وإيسلوت: آلاف قصائد العشق، والأغنيات، والحكايات عبرتِ القرون في أوروبا القديمة مثلما عبرتها في الشرق الأوسط، واليابان، والصين، والهند، وكافة المجتمعات التي تركت لنا مخطوطات مكتوبة. حتي حينما لا يكون لدي الشعوب وثائقُ مكتوبة، فإن لديهم دلائلَ علي وجود ذلك العشق بطريقة أو بأخري. عند مسح 166 ثقافة متنوعة، وجد الأنثروبولوجيون دلائل علي الحب الرومانتيكي في 147 ثقافة منها، أي بنسبة 90٪. في ال19 مجتمعًا المتبقية، أخفق العلماء ببساطة في فحص هذا التوجّه لحياة تلك الشعوب. ولكن من سيبريا إلي التخوم البرية النائية في أستراليا إلي الأمازون، تغنّتِ الشعوبُ بأغنيات الحب، وأُلّفت قصائدُ العشق، وحُبكتِ الأساطيرُ والخرافات حول الغرام الرومانسي. ثمة عشاق يصنعون تعاويذ الحب السحرية، ويقدمون التوابل والبهارات التي تؤجج مشاعر الغرام. كثيرون يفرّون مع أحبتهم، وكثيرون يصارعون ألم الفقد. البعض يقتلون عشاقهم. والبعض يقتلون أنفسهم. كثيرون يغرقون في الكآبة والحَزَن العميق حتي لا يكادوا يأكلون أو ينامون. ما تلك الكيمياء؟ ما ذلك الشعور الذي يخطف العقل، فيجلب السعادة القصوي في لحظة، وفي اللحظة التالية يجلب اليأسَ والحَزَن؟