يعد المونولوج فنا من الفنون الشعبية العربية، ولونا ساخرا من الغناء، أحادى الأداء، يخوض في واقع المجتمعات، يرصده وينقده بطريقته الخاصة، اكتسب شعبية كبيرة؛ لمحاكاته الواقع والتعبير عن هموم مجتمعه، فهى كلمة من أصل يونانى وتعنى الأداء الفردي. كما أنه حوار مع النفس، قائم ما بين الشخصية وذاتها أي ضميرها، على أن يقف الشخص وحيدا على خشبة المسرح، ويقدم المسرحية بمفرده ويقوم بجميع أدوار الشخصيات المختلفة بأسلوب ساخر ومضحك. استوحى سيد درويش المونولوج الغنائى من الآريا في الأوبرا الإيطالية، فكان أول ظهور لها في أوبريت "راحت عليك" لسيد درويش عام 1920، ويليه القصبجى وأغنية "إن كنت أسامح على ما سلف". في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين وبعد انحسار موجة المونولوج الغنائي، ظهر نوع من الغناء الساخر اتسمت ألحانه بالسرعة والخفة سمى اصطلاحا بالمونولوج الفكاهي، لكن هذه التسمية التي اقترنت بنجوم المسرح والسينما من الممثلين غير المطربين مثل إسماعيل يس ومحمود شكوكو اختزلت مع الوقت إلى كلمة مونولوج فقط دون وصفها وظلت تستعمل كاصطلاح فنى وشعبى للإشارة إلى الغناء الفكاهى، وبدأت أشكال الغناء الأقدم بما فيها المونولوج الغنائى والطقطوقة تختفى لتحل محلها الأغنية بشكلها الحديث. الشكل الفني اختلف الشكل الفنى للمونولوج، بنوعيه الغنائى والمسرحي، الغنائى يروى بشكل سردى وصفى وجدانى في العموم، يطلق العنان للوقائع يعبر عن المشاعر والعواطف ويشكو فيه الفنان لواعج قلبه، يتضمن مشاهد موسيقية متلاحقة وغير متكررة تفصلها لوازم، لا تتكرر ألحانه في المقاطع أو المذاهب، كما أنه لا يتضمن مذهبا وله أغصان متشابهة، فهو عبارة عن مشهد واحد أو مشاهد متلاحقة تفصل بينها لوازم موسيقية. أما المونولوج الفكاهى أو المسرحى فلا ينتمى نظما إلى المونولوج الشعرى، حيث إنه يضم مذهبا وعدة مقاطع يعاد المذهب فيما بينها وبذلك فهو أقرب للطقطوقة من ناحية النظم والبناء اللحنى لكن أغراضه لم تخرج عن النقد الاجتماعى الساخر، وقدمه أيضا ثريا حلمى وسعاد مكاوى ومنير مراد في الخمسينيات. أنواع المونولوج لم ينحصر المونولوج في شكل واحد، بل تعددت أنواعه وضروبه ما بين الوطنى والوصفى والغزلى والفكاهي. والوطنى ذو مضمون يتغنى بحب الوطن والتفاخر بأمجاده وحث أبنائه على التمسك به والتذكير بفضله، وغالبا تأتى ألحانه حماسية نشطة في الميزان الثنائي. أما المونولوج الوصفى فموضوعاته غالبا في وصف الطبيعة وانعكاسها على الإنسان في حالاته المختلفة من عشق أو فرح أو حزن، وهو نوع من الغناء بحت تتخلله بعض الموسيقى في إطار نغمى مسترسل وغير مقيد بميزان، ومن أمثلته: "هلت ليالى القمر" لحن رياض السنباطى وغناء أم كلثوم، "بلبل حيران" لمحمد عبد الوهاب. وفيما يخص النوع الثالث، تكتب موضوعاته في الغزل بكل أشكاله، وتعتبر الأغنية الحديثة نوعًا من هذا المونولوج ومن أمثلته: "رق الحبيب" لرامى والقصبجي، "أنا في انتظارك" لبيرم التونسى وزكريا أحمد، "فاتت جنبنا" لحسين السيد ومحمد عبدالوهاب وغناء عبدالحليم حافظ. وعن المونولوج الفكاهي، فيكتب عادة في إطار كوميدى ساخر، وتأتى ألحانه في جمل بسيطة وبإيقاعات سريعة تخدم الفكرة الأساسية والهدف منه تسليط الضوء على بعض السلبيات في المجتمع والناس بهدف تغييره وتطويره وقد أجاد في هذا اللون كثيرون منهم - حسن فائق - وإسماعيل ياسين - ومحمود شكوكو - وثريا حلمي. أشهر المونولوجستات أما عن أشهر المونولوجستات، فعلى الجانب المسرحى يعد "يوسف وهبي"، عميد المسرح، من أكبر رواد فن المونولوج، وحارب من أجل الانضمام إلى قافلة "أهل الفنون"، رغم ثروة والده الضخمة إلا أنه تعلق كثيرا بالمسرح. ومن أشهر الألحان التي غناها في ذلك الوقت، مونولوج "شم الكوكايين" الذي حفظه عن الفنان حسن فايق، عام 1922، ويقول مطلعه: "شم الكوكايين.. خلانى مسكين.. مناخيرى بتون وقلبى حزين.. وعينيا في رأسى رايحين جايين". ثم يليه إسماعيل ياسين "أبوضحكة جنان"، استمر يقدم فن المونولوج لمدة 10 سنوات في الفترة (1945:1935) إلى أن حقق شهرة كبيرة في هذا المجال، حتى أصبح يلقى المونولوج في الإذاعة، وكان يؤلف تلك المونولوجات توءمه الفنى أبوالسعود الإبياري، ومن أشهر أعماله: "صاحب السعادة" ميمى فيفى زوزو شوشو.. عينى علينا يا أهل الفن.. متستعجبشى متستغربشي.. الدنيا دى متعبة جدًا. فضلا عن شكوكو "صانع الأراجوز"، والذي بدأ إلقاء المونولوج في الأفراح الكبيرة، مقابل 20 قرشا، وكان يرتجل الفكاهات، وقدم شخصية الأراجوز الشهيرة في الكثير من الأفلام، وكانت أشهر منولوجاته مونولوج "والنبى يا جميل زعلان من إيه". ومن ضمن مونولوجستات المسرح "ملكة المونولوج" ثريا حلمي، قدمت أكثر من 300 مونولوج، استطاعت من خلالها أن تؤثر في فكر ووجدان المصريين عندما قدمت المونولوج الوطنى في البدايات الأولى للثورة. وكان أول مونولوج لها: "شاور عقلك ع مهلك.. لا فكرك فكري.. ولا فكرى فكرك.. اتفضل روح على أهلك". ويأتى في نهاية القائمة، سيد الملاح، والذي تربع على عرش المونولوج المسرحي، منذ بدايته بمونولوجاته اللاذعة التي تنتقد بعض العادات السيئة التي تنتشر في المجتمع، وهو ما أدى لارتباط مونولوجاته بالمصريين في فترة الستينيات، وكان نتيجة أول مونولوج علقة ساخنة من الناظر، وهو: "جئت لا أدرى لماذا يا جماعة أنا جيت، إذا وجدت مدرسات مفتوحات فدخلت فوجدت مدرسينا وعلوما فزعلت، كيف جئت؟ كيف ودونى المدارس؟ لست أدري". بداية النهاية اختفى المونولوج وأصحابه لفترة طويلة، ربما لازدهار المسرح الكوميدى خلال الستينيات، لكنه عاد في شكل تهريجى في فترة لاحقة، وكانت المرافقة أن هذه العودة جاءت على يد ممثلين، ليصبح غناؤهم في الأفلام فقرة يتصور صناع الأفلام أنه لا غنى عنها (في الحقيقة أنها كانت "موضة" ظهرت واختفت، دون أن تترك أثرا فنيا حقيقيا). وربما كانت البداية مع محمود عبد العزيز في فيلم "الكيف" (1985)، حين أدى بعض المونولوجات، مرة كمطرب شعبى هزلى يغني: "يا حلو بانت لبتك، آه يا قفا يا قفا"، ومرة أخرى متغزلا في الطرق الكيميائية لصناعة المخدرات في مونولوج "الكيمى كيمى كا". وسرعان ما لحق به أحمد زكي، الذي كانت مونولوجاته مقحمة تماما على السياق، ففى "البيه البواب" (1987) غنى "أنا بيه"، وفى "كابوريا" (1990) يغنى "أنا في اللابوريا أموت في الفوريا"، وتلك في الحقيقة كلمات لا معنى لها. وفى تنويع مختلف، يقدم محمود حميدة في فيلم "حرب الفراولة" (1994) مونولوج إسماعيل ياسين "قول لى يا صاحب السعادة"، في إشارة لتيمة الفيلم حول أن السعادة لا تأتى بالمال: "كلنا عايزين سعادة، بس إيه هي السعادة، واللا إيه معنى السعادة". إلى أن أتى في فترة من أطلقوا على أنفسهم "المضحكين الجدد"، ليعاود المونولوج الظهور، ولكن في شكل عبثى تماما هذه المرة، ففى "إسماعيلية رايح جاي" (1997) يشترك هنيدى مع محمد فؤاد في "كامننا" (لا معنى لها أيضا)، وإن كان المونولوج يعبر عن الرغبة في الثراء والصعود الاجتماعي. ويقطع محمد سعد شوطا آخر في طريق الابتذال، حين يغنى "حب إيه" في فيلم "اللمبي" (2002)، وهو الأمر الذي برع فيه في الآونة الأخيرة سعد الصغير.