"لامؤاخذة أنا بلدى وأحب البلدى ونفسى في بلدى وأعرف أرقص على واحدة ونص" و"أقرا الكف وأشوف الكف وأقدر أقولك إيه المكتوب في الكف".. من أشهر الجمل التي حفظها الجمهور للمنولوجست الراحلة ثريا حلمى، التي اشتهرت بخفة ظلها وبراعة أدائها، فهى فنانة شاملة من الطراز الأول، حيث تميزت ثريا بملامحها الشرقية الأصيلة وتأديتها لعدد من المونولوجات الغنائية والمنولوجات الفكاهية والانتقادية والاسكتشات الساخرة التي كانت تتناول المشكلات المجتمعية الإنسانية والعاطفية بأسلوب ساخر، كما ذاع صيتها في ذلك الوقت لأنها كانت أصغر سيدة تعمل منولوجست في فترة الأربعينيات، وأول مصرية مؤدية لفن المونولوج، فاستطاعت في وقت قياسى أن تحصل على لقب ملكة المونوج في مصر والوطن العربى. ولدت ثريا لعائلة فنية في مدينة مغاغة بمحافظة المنيا يوم 26 سبتمبر عام 1923، قدمت هذا اللون وهى في الثامنة من عمرها، وحازت إعجاب الجميع فأطلقوا عليها لقب «الطفلة المعجزة»، كان والدها وكيل فنانين، في المدن والقرى المصرية، ويسافر إلى الخارج ليروج لفنانيه، الأمر الذي جعل ثريا تقضى مرحلة من طفولتها في دمشق، واتسمت طفولتها بالغناء والسفر والموسيقى، خصوصًا بعد أن اتجهت شقيقتها ليلى حلمى للغناء بمسارح عماد الدين ما جعلها تتجرع كئوس الفن بمختلف ألوانه، وتشبعت بالموسيقى والرقص طوال فترة طفولتها، وحفظت أغلب المونولوجات التي كانت تغنى في تلك الفترة، وميزها أيضًا أنها لم تهب الوقوف على خشبة المسرح في مواجهة الجمهور، فبدأت مشوارها الفنى منذ نعومة أظافرها بمسرح عماد الدين حيث قدمتها أختها ليلى حلمى للراقصة ببا عز الدين كمؤدية للمونولوج، ووافقت ببا على وضع ثريا في فترة اختبار مدتها شهر كامل، وقدمت ثريا أول عرض لها على مسرح عماد الدين وتعرفت على عفيفة إسكندر من العراق، سيد سليمان، إسماعيل ياسين، فتحية الشريف، فتحية محمود من مصر، ومن لبنان نادية العرير، ومن فلسطين أنصاف محمد. قدمت ثريا في أولى عروضها مونولوج "سيكا ميكا"، ومونولوج "شاور عقلك على مهلك"، وكان الأول من تلحين العازف السورى محمد عبد الكريم، والآخر لملحن لبنانى مغمور و"أما أنت جريء والله، من ألحان محمد صبره، وكان ذلك خلال عملية بحثها عن أسلوبها الخاص، ولم تكن قد بلغت عامها العشرين بعد. بعد نجاحها كمؤدية مونولوج، وقطاف ثمار التعاون بينها وبين إسماعيل ياسين داخل صالة ببا عز الدين، انطلق الثنائي، ثريا وإسماعيل، في عالم السينما أيضًا، وعرضا عددًا كبيرًا من الأفلام، والمونولوجات الناجحة، منها فيلم تحيا الستات3، مونولوج تحيا الستات4، وفى ذات العام عُرض مونولوج أنا كده طبعى كده، من فيلم من الجاني، أيضًا من ألحان عزت الجاهلي. قدمت ثريا أكثر من 300 مونولوج، على مدى أكثر من ثلاثين عامًا، التي كان لعلى إسماعيل النصيب الأكبر في تلحينها وتوزيعها، حيث وجد على إسماعيل في صوت ثريا ما كان يبحث عنه، ليقدم الجاز الشرقي، وقدم الاثنان ألحان جاز مبتكرة، أدتها فرقة تتكون من الإيقاع وآلات النفخ، كما استغل إسماعيل صوت ثريا بكل ما فيه من قوة وبهجة وخفة وتلقائية، ومن أهم ثمرات هذا التعاون، مونولوج عيب اعمل معروف، والذي كان من كلمات إبراهيم عاكف. قدم الثلاثى عدة مونولوجات ناجحة جدًا، ومهمة في تاريخ ثريا حلمى الفني، أهمها مونولوج "لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد" الذي خلط بين الفصحى والعامية. ألوان مختلفة تميزت ثريا بعرضها لمختلف أنواع المونولوج حيث كان لها مونولوج مختلف وغريب كتبه لها الكاتب فتحى قورة، وكان يحتوى على عدة فوازير، ويعتبر من أكثر المنولوجات صعوبة حيث يتألف من ثلاث فوازير، وفى نهاية كل فزورة تطرح ثريا السؤال، وتتحدى الجمهور: إن كنت ذكيًا يمكنك الإجابة على الثلاث فوازير من أول محاولة. كما تميزت مونولوجاتها أيضًا بأن أغلبها يتناول مشكلات إنسانية بحتة، من الدرجة الأولى، ولم تكن مشكلات عنصرية أو دينية أوطبقية، مما ميزها بقدرتها على الاستمرار والتواجد في مختلف الأزمنة، ولا تفقد معنى طرحها في أي وقت، حيث انتقدت ثريا في إحدى المونولوجات انتشار ظاهرة التحرش بالخمسينيات وهى المشكلة المتواجدة حتى الآن مما يجعلها صالحة للعرض. كان لثريا نصيب من المونولوجات الوطنية، مثل مونولوج عن الوحدة الوطنية مع سوريا "ده دا ده دا"، وأغنية ثلاث ثورات حول الوحدة بين مصر وسوريا وليبيا. ومع ثورة 1952، وظهور حملات التطهير التي قامت بها الثورة، غنت ثريا مونولوج "قف من أنت" من كلمات أبو السعود الإبيارى وألحان محمود الشريف، لتشجع على هذه الحملة. كما غنت ثريا عدة مونولوجات مرتبطة بشخصيات، وأحداث عالمية كمونولوج يحمل اسمبروتس، وبالتحديد "حتى أنت يا بروتس". كما غنت ثريا عدة أغان دينية، أشهرها رمضان كريم، بشكل ساخر وانتقادى لمفهوم الصيام عند الناس تناولت في مونولوج فيه ناس متريحش بتاتًا، فكرة المشكلات في العلاقات العاطفية بسخرية عالية، تقول في الأغنية: "ما تبصليش بالشكل ده وتقول دى مالها مقدد ده مش رجيم. ده أنت السبب أنا كنت أتخن من كده" ومع نجاح ثريا حلمى وتطور أسلوبها الفنى والتلقائى ذاع صيتها في الوسط الفنى حتى دخلت المجال السينمائى لكى تقدم اسكتشات فنية بالأفلام، ومن أشهرها كان "أحب البلدى"، و"أبين زين وأقرأ الكف والفنجان"و"إدى العيش لخبازه" و"كنت فين ياعلى"و"فيه ناس متريحش بتاتًا". "حب إيه" كثر اللغط حول أغنية "حب إيه"، التي غنتها أم كلثوم، حيث يحكى أن أغنية حب إيه كانت مذهب لمونولوج ستغنيه ثريا حلمى من كلمات عبد الوهاب محمد وتلحين بليغ حمدي، وأن في جلسة في مسرح القومى بالإسكندرية بصحبة على إسماعيل وبليغ وعبد الوهاب محمد، فطلب على إسماعيل من عبد الوهاب محمد أن يكتب مونولوج لثريا، فقال له إنه يملك مذهب أغنية جديدة يقول "حب إيه اللى أنت جاى تقول عليه"، وعندما سمعته أم كلثوم المذهب أعجبت به، وطلبت منه أن تغنيها هي.