للبيوت القديمة سحرها الخاص، فهي مزيج من أحلام وآمال سكانها السابقين، غضبهم، عادتهم في الصراخ أو الحزن، سعادتهم، حالتهم النفسية المتبدلة، أعمارهم التي أفنوها في طلب الرزق، أما غناؤهم الارتجالي، فقد يبدو في صورة تعرجات خفيفة بارزة على الحوائط، زاهية اللون. الرسومات على الجدران، تحمل المناسبات المختلفة التي مر بها أصحاب البيت، أفراحهم، رحلات الحج والعمرة، جلسات السمر الممتدة، الأبخرة المتصاعدة من أكواب الشاى الساخنة في ليالى الشتاء، وعبارات عابرة يتركونها على الجدران قبل رحيلهم، لتظل شاهدة على سنوات من الحياة. النوافذ، تتحول في البيوت القديمة، إلى بوابة لأسرار تلك البيوت، من خارجها يمكن لك أن تلمح جزءا من عالم سكان البيت الداخلي، تحركاتهم، مواعيد نومهم واستيقاظهم، سكونهم في فترات القيظ، مفضلين غلق النافذة، حتى تقل الحرارة بالداخل، الآن تحولت تلك النوافذ إلى أفواه فارغة، تبرز وحشة الهجر ومرارة الفراق. النباتات دائما ما تجد طريقها عبر جدران البيوت القديمة، تدفعها رطوبة عرق أصحاب البيت، ومياه الغسيل، وندى الربيع، إلى البقاء، ولا يقوى أحد على إزالتها، فهى تحمل سرا من أسرار الحياة، والأفضل تركها على حالتها، حتى يطولها الذبول. أطلال البيوت القديمة، تحمل حنين لسنوات لا يمكن نسيانها، رائحة الجد، الممزوجة بالمسك، عند ذهابه إلى صلاة الفجر، رائحة الطهي، تتصاعد من أوانى الجدة في مطبخها القديم، وطفولة، كانت كل أفعالها جديدة، وبيضاء، ولا عيب فيها.