يعرض الدكتور محمود رمضان خبير الآثار والعمارة الإسلامية، مدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية، موضوعًا مهمًا بصفحته «الصالون الثقافي» عن ( المتحف الوطني بالرياض ) بقلم الدكتور أحمد الصاوي أستاذ الآثار والفنون الإسلامية، في إطار دعوة العالمين الجليلين لنشر الوعي بأهمية التراث الإنساني العالمي والحفاظ عليه. في قلب الرياض،العاصمة السعودية، يقع المتحف الوطني والذي يعد واسطة عقد الوحدات التي يضمها مركز الملك عبد العزيز التاريخي، إذ يضم المركز متنزها وواحة ثقافية ودارة الملك عبد العزيز التي شيدت بموقع القصر السكني القديم للملك عبد العزيز، وقصر المربع الذي كان مقرا للديوان المسائي للملك، وأخيرا مكتبة الملك عبد العزيز العامة. وقد شرع في تشييد هذا المركز التاريخي عام 1419ه وذلك على مساحة تبلغ 360 ألف متر مربع، يشغل منها مبنى المتحف الوطني 17 ألف م2 تقع في الجانب الشرقي من الميدان الرئيسي للمتنزه،وتتوزع قاعاته على طابقين بإجمالي 28 ألف م2 وعدد القاعات هو ثماني قاعات رئيسية،بالإضافة لقاعتين للعروض المؤقتة والزائرة. والقاعات الرئيسة هي قاعة الإنسان والكون،وقاعة الممالك العربية القديمة،وقاعة العصر الجاهلي،وقاعة البعثة النبوية،وقاعة الإسلام والجزيرة العربية، وقاعة الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية،وقاعة توحيد المملكة، وقاعة الحج والحرمين الشريفين. وتنبع فلسفة العرض المتحفي من تفسير التاريخ البشري اعتمادا على الحقائق الثابتة التي يقدمها الإسلام عن أصل خلق الإنسان واستخلافه لعمارة الأرض، ويهدف تنظيم المقتنيات لأن يكون المتحف مرجعا حيا لتاريخ المنطقة يجمع فيه الزائرون بين المتعة والمعرفة. ويستطيع زائر المتحف أن يتعرف على واقع الحضارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام من خلال زيارته لقاعتي الممالك العربية القديمة والعصر الجاهلي، ليكتشف بعيني رأسه أن بلاد العرب لم تكن خلوا - كما أشاع المستشرقون- من مظاهر الحضارة، بل كانت عامرة بالعمائر والفنون المختلفة حتى فيما يتصل بالمباني الجنائزية وشواهد القبور القديمة ومنتجات الفنون التطبيقية المختلفة. أما العصر الإسلامي فنجد معالمه بدءا من القاعة الرابعة وهي قاعة البعثة النبوية، والتي تعرض لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وهجرته للمدينة المنورة،عبر مجموعة من اللوحات الجدارية التي نفذت ببراعة فنية تثير الإعجاب. وتعد القاعة الخامسة الأبرز بين قاعات المتحف التي تعرض نماذج من الفنون الإسلامية وهي تشغل مساحة 1200م2. وفي القسم الأول منها يستطيع الزائر مشاهدة فيلم عن بعض غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، أما القسم الثاني فخصص لمعروضات من العصر الأموي،ويلي ذلك قسم لعرض بعض نماذج من الفنون التطبيقية مثل الخزف والنسيج وأدوات الفلك وأدوات الطب، وأخيرا نماذج من الخط العربي سواء في مخطوطات أو شواهد حجرية. وأفرد القسم الرابع من تلك القاعة لعرض نماذج من واقع الحفائر الأثرية التي أجريت في عدة مواقع بالمملكة العربية السعودية مثل الربذة والمابيات ( العلا)،ويختتم هذا القسم بقاعة يشاهد فيها الزائر فيلما وثائقيا عما كانت عليه مدينة الربذة في عصورها الإسلامية الزاهرة. ويشمل القسم الخامس من القاعة معروضات فنية من الخزف والأخشاب والمعادن والنقود التي تعود للعصر العباسي ودويلاته وصولا لدولة المماليك، بينما أفرد القسم الأخير من القاعة للعصر العثماني ومنتجاته الفنية، فضلا عن مجسم لأكبر قلعة على طريق الحج المصري وهي قلعة المويلح. ومن بواكير منتجات الفنون الإسلامية يعرض بتلك القاعة بعضا مما كشفت عنه حفائر الربذة، ومنها قنينة من الزجاج ذات بدن كروي وفوهة قصيرة وضيقة، وقد زخرفت بالألوان لتحاكي مظهر الرخام المعرق. وهناك أيضا من نفس الفترة- أي القرن الثاني الهجري- قطعة من زخرفة جصية لأحد الجدران بالربذة،وهي منفذة بأسلوب الفريسكو أي الرسم بالألوان على الجص قبل تمام جفافه،وهي تحوي بعضا من آية الكرسي. ومن قطع الخزف العباسي التي يقتنيها متحف الرياض كأس صغير من الخزف الذي كان ينتج في العراق وإيران تقليدا للخزف الصيني من عصر أسرة "تانج" في القرنين الثالث والرابع للهجرة، وهو يزدان بمعينات رسمت باللون الأزرق وبداخلها زخرفة من بقع باللون الأخضر على أرضية باللون الأصفر الكريمي، ومن نفس هذا النوع يوجد طبق يزدان بأشرطة متجاورة رسمت باللون الأخضر أيضا. ومما عثر عليه من الخزف العباسي المبكر بالمنطقة الشرقية جرة كبيرة يبدو أنها كانت تستخدم لتخزين الحبوب،وهي مطلية باللون الأزرق وتزدان بحزوز نفذت بدولاب الفخراني. ومن الأشغال المعدنية التي ترجع للقرن الثالث الهجري مجمرة من البرونز عثر عليها في حفائر الربذة،وهي ذات زخارف هندسية بديعة. ومن أجمل معروضات تلك القاعة باب من الخشب المصفح بالبرونز يعود للعصر المملوكي،وهو يزدان بأشكال الأطباق النجمية التي كانت ذائعة الانتشار في تلك الفترة. ومن الآثار العثمانية المهمة باب الكعبة المشرفة والذي كان قد صنع لها في عهد السلطان العثماني مراد الرابع وهو مصفح ومطعم بالذهب والفضة. وبالمتحف عدد من نماذج الكتابات الإسلامية في فترات مختلفة من بينها شواهد قبور حجرية بعضها من البازلت الأسود، وهي تعرض لتطور الخط العربي الحجازي على وجه خاص. ومن أهم تلك النماذج حجر ميل،يبين المسافات على طريق الحج الشامي،وهو من الحجر الرملي، ونستطيع أن نقرأ فيه " بسم الله جدد هذا المكان المبارك في أيام مولانا المقر الأشرفي العالي المولوي الأميري الكبيري السيفي الأتابكي نظام الملك." ومن نماذج الكتابات أيضا قطع من الجص عثر عليها في حفائر الربذة،وهي عبارة عن أشرطة تحوي بعضا من آية الكرسي وزخرفة نباتية قريبة الشبه بزخارف الجص التي أنجزت بمدينة سامراء العراقية في منتصف القرن الثالث الهجري. ومن المصاحف المبكرة بالمتحف بعض ورقات من مصحف كتب بالألوان ومنها اللون الذهبي وهو يعود للقرن الرابع الهجري. وبالمتحف أيضا مجموعة متنوعة من الأسلحة التي تشمل سيوفا وخناجر كفتت أنصالها ومقابضها بالفضة،وبعض المقابض مرصع بالأحجار الكريمة،فضلا عن بنادق وغدارات متنوعة تعود في معظمها للقرن التاسع عشر الميلادي،وهي أيضا تزدان بزخارف معدنية متنوعة. وهناك كذلك بعض المدافع الضخمة التي استخدمها العثمانيون إبان سيطرتهم على منطقة الحجاز. ومن أجمل أمثلة المنتجات التقليدية في المملكة العربية السعودية صندوق أمتعة من المنطقة الشرقية المطلة على الخليج العربي، وهو من خشب مزخرف بالألوان على هيئة معينات باللونين الأصفر والأحمر، ويتميز بقوائمه الطويلة،ويعد من قطع الأثاث التقليدي التي اشتهرت المنطقة الشرقية بإنتاجها قديما. أما النماذج المعمارية والتي حرص المتحف على أن تكون ممثلة لمختلف مناطق المملكة وحقبها التاريخية، فمن بينها نموذج للمسجد النبوي بالمدينة المنورة،ولبقايا جدران أحد القصور العباسية بالمدينة،وكذلك مجسم رائع لبناء قلعة المويلح في شمال غرب المملكة كما يراها زوار المنطقة حتى يومنا هذا، ونموذج لمسجد سيدنا عمر بن الخطاب بالجوف في شمال المملكة.