أعتقد أن يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 هو يوم من أيام الله.. ولا زالت الأبواب مفتوحة أمام أيام تتجلى فيها القدرة الإلهية لعلنا ولعلهم يعقلون أو يتدبرون. منذ عام 2006 وأنا أتعرض للتفتيش والتوقيف في المطار لدى عودتي.. ثم تزايد الأمر ليصبح ذهابا وعودة تطويلا للمدة ، ومضاعفة للضغط العصبي والنفسي، وصولا إلى تفتيشي ذاتيا.. كان يجري الاستيلاء على أي ورقة أحملها وصولا للاستيلاء على الكاميرا الخاصة بي، ويبدو أن القوم تصوروا أن الضغط المتواصل سيقنعني بالدخول في فريق دعم التوريث فالقوم يفتشون عن وجوه جديدة لم تحترق، و(الكل) قد انحنى فلماذا لا تنحني؟!. أما عن كتبي فهي مواد نووية محظورة ما إن يجري اكتشافها حتى تنعقد هيئة أركان لبحث السبل الكافية لمنع (انتشارها النووي). في عام 2009 بلغت الضغوط الأمنية على شخصي المتواضع حدا غير مسبوق مصحوبة بإغراءات ربما تصور هؤلاء الحمقى أن لم يعد بوسعي رفضها. (نريد أن نفتح معك صفحة جديدة، المنصب الذي تريد!!، سنسهل لك السفر، لن يوقفك أحد في المطار، لن تتعرض للتفتيش المذل سنمنحك مركزا للدراسات وسنعطيك كل الإمكانات)!!. سألت مبعوث العناية الإلهية المباركية عن الثمن المطلوب مقابل هذا الكرم الحاتمي، فرد: بيان صغير لتأييد الرئيس والإشادة بسياسته، فكان الرد: أنتم تحلمون!!. تزايدت الضغوط وفتحت علي وعلى أسرتي أبواب جهنم ، ولم يكن لنا من خيار إلا الصبر والتحمل حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. في تلك الفترة جرى منعي من السفر عدة مرات حتى جاء يوم الثلاثاء 25 يناير، وكنت مسافرا إلى بيروت تلبية لدعوة من قناة العالم. كان سفري ظهرا وبدا أن ثمة حالة من الارتباك تسود أباطرة أمن الدولة في المطار الذين سمحوا لي بالمغادرة. ما إن وصلت إلى بيروت حتى تفجرت الأوضاع في مصر وتبدل الهدف من حضوري من مناقشة أحد كتبي لمناقشة الانفجار الشعبي وكان علي أن انحاز إلى جانب الثورة والثوار. عدت إلى المنصورة بعد عدة أيام لأتواجد بين الثوار في الشارع ولأقوم بما في وسعي القيام به من دعم للثورة عبر الكتابة وعبر الفضائيات وما زالت حركة التغيير في بداياتها حتى لحظة كتابة هذه السطور بعد عام من سقوط المخلوع. التغيير الحقيقي يحتاج إلى ثقافة تؤمن بالعدل والإصلاح وأناس يؤمنون بالقيم الأخلاقية النبيلة وليس حفنة من الانتهازيين الذين يعتقدون أن من حقهم اغتنام الفرصة وصولا إلى السلطة وهذا ما حدث بالفعل. الثورة حولها الانتهازيون من عمل يهدف إلى هدم بنى الظلم وإقامة بنى العدل إلى مجرد انتخابات دُفع من أجل الفوز بها المليارات (ممن لا يملك لمن لا يستحق) من أجل إحلال نظام بديل يؤمن مصالح نفس القوى التي أوردت مصر والعالم العربي والإسلامي دار البوار والخسار. الثورة تحتاج إلى ثوار يرفضون أنصاف الحلول ومساحيق التجميل و(لَا يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ إِلَّا مَنْ لَا يُصَانِعُ وَ لَا يُضَارِعُ وَ لَا يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ). أومن بأن (دولة العدل الإلهي) آتية لا محالة تلك الدولة التي يكون على رأسها قائد زاهد متجرد لا يزدهيه الإطراء ولا يحيط نفسه بالدجالين والأدعياء، يكون حازما في محاسبة الأعوان والوزراء رفيقا بالمستضعفين والفقراء مواجها للاستبداد والطغيان محليا كان أم عالميا وهي دولة تحتاج إلى ممهدين من نفس الصنف لا من أولئك الذين سارعوا للركوع والخضوع بين يدي مبعوثي الاستكبار. دولة تعطي فقراءها حقوقا .. لا رشاوى انتخابية. دولة تفتح باب الحوار الفكري وتسعى لمحاربة الجهل والأمية بدلا من تعميقها واستثمارها من أجل البقاء الأبدي في السلطة. دولة يقودها ويوجهها مفكرون حقيقيون لا منتحلو صفة الإمامة الذين يروجون لوهم خلافة تدعي الرشد رغم أنهم كانوا ولا زالوا في غيهم وجهلهم يعمهون. سقط صرح من صروح الاستكبار وبقيت صروح ستسقط حتما كما سقط فرعون وهامان وعاد إرم ذات العماد وهذا وعد الله حتما لا ريب فيه، (قل انتظروا إنا منتظرون).