على مدى أسبوعين وأنا أتابع باهتمام الحملات الإعلامية لمرشحى الرئاسة وتغطية الإعلام لها. • الإعلام المصرى على وجه التحديد صحف وفضائيات لم يلتزم بالمهنية المطلوبة ولم يقف كما يجب أن يكون على مساحة محددة من كل المرشحين، فنزعة الحيادية المدعاة اختفت وحل محلها الانحياز الواضح. • المحاولات كانت مكشوفة، والتقارير المفبركة واستطلاعات الرأى المزيفة حاولت غش المواطن وتوجيه صوته فى اتجاه الفلول، ويبدو أن القوم لا تعنيهم فضيحة المهنة، ولا يهتمون بشرفها ولا يعبأون بأخلاقها. • حملات التشويه تجاوزت الأشخاص لتنال من دين الشعب والأمة، وتجرح أغلبية الشعب المصرى المتدين وتنتقص من قدر دينه، وتصنع الأكاذيب التى تتحول إلى مادة للسخرية منه والهزء به والتندر بحيوانية وهمجية المسلمين فى الصحف والإذاعات ولدى وكالات الأنباء العالمية، وهى حملات تجاوزت كل الحدود وانسحبت من الأتباع إلى الفكرة نفسها حتى طالت وحاولت النيل من الإسلام ذاته "ومافرية مضاجعة الوداع التى اختلقها الصحفى عمرو عبد السميع ونشرتها الأهرام أقدم الصحف المصرية وأكثرها انتشارًا وعيرنا الغرب بها على مدى أسبوعين عن الناس ببعيدة. • بالقطع لا يستطيع أحد مهما كان لا نحن ولا غيرنا أن يفرض على الناس أن يحبوا الإسلام أو أن يؤمنوا به، فهذا شأنهم وحدهم، وكيف تفرض الالتزام الخارجى على وعى فقد فى ذاته كل ضابط داخلى، ومع يقيننا القاطع بأن الخيار تجاه الإيمان بهذا الدين العظيم ليس خيار قبول أو رفض، وإنما هو خيار فى الوقت فقط، فقد آمن من هو أشد منهم بطشًا وقوة (فرعون) ولكن اختياره للوقت لم يكن مناسبا وإنما جاء بعد فوات الأوان.. قال تعالى " {وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًۭا وَعَدْوًا، حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓا۟ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ( 90﴾ ءَآلَْٰٔنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴿91﴾ فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةًۭ وَإِنَّ كَثِيرًۭا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ ﴿92﴾. • القصة باختصار تمنحنا فرصة التأمل فى أحوال إخواننا الإعلاميين الغافلين عن آيات الله فى الناس والكون والحياة، فبعضهم كان له من الثورة والثوار موقفًا معاديًا، وبكى بعضهم على سقوط المخلوع، ولكنهم وبسرعة لولبية تحولوا،.... وقال الشعب الثائر الجريح "لا مانع" فباب التوبة مفتوح لم يغلق، وكل ابن آدم خطاء، والله سبحانه يغفر الذنوب جميعًا، والثورة تطهر القلوب وتغسلها، وعفا الله عما سلف. • غير أن الداء القديم داء الخصومة للإسلام ولكل من يمثله غلبتهم علله فانكشف المخبوء فى الصدور. • نعلم أن البعض يريد أن ينحى الإسلام جانبا وأن ينسلخ الشعب منه، وجريدة الأهرام نفسها تساهم فى ذلك، وخطتهم تبدأ بضرب رؤوس الإسلام ورموزه وتشويه المنتسبين إليه والمتحمسين لعودته بقوة. • هذا الموقف يفسر لنا سر الحملة الشعواء التى يتعرض لها الإسلاميون كل يوم، وبصرف النظر عن تيارات الإسلاميين السياسية ومواقفهم مصيبة أو مخطئة إلا أن الملاحظ أن الإعلام ينتهز فرصة انقسام التيار الإسلامى ليضرب الإسلاميين ببعضهم ثم يكر مجهزًا على الإسلام ذاته. • الكراهية المستكنة والظاهرة للإسلام ورموزه غريبة وعجيبة لدى هؤلاء، وهى تغلب أصحابها هذه الأيام، فيخرج الله أضغانهم، وتسمع لحن القول يستتر به أصحابه فى ادعاء مكشوف. • فالإسلاميون فى نظرهم هم رأس الفساد كله، وعلى رؤوس الإسلاميين تنزل مقامع التشويه، وعلى أعناقهم تَُحمَّلُ كل الأخطاء فى البر والبحر والفضاء الخارجى، فهم الانتهازيون وهم السبب فى تعطيل مسار الثورة، وهم من يريد أن يكوشوا على كل شىء، وهم من يتحالف مع العسكر، وهم وهم إلى آخر قوائم التشويه المتعمد فى فضائيات وصحف الفلول. • رئاسة مصر فى تلك المرحلة ليست مغنما سواء كان الفائز مرسى أو أبو الفتوح وإنما هى مسؤولية كبرى بحجم الجبال وتنوء بحملها همم العظماء من أهل التضحيات لأنها بلد منهوب على مدار نصف قرن ويزيد قليلا. • وكل مفاصل الدولة مفككة وهنالك إصرار على بقاء الفوضى واستمرار العبث واللعب بأقدار الوطن، الأمر الذى يحتم أن تكون عيون الشعب كله ساهرة يقظانة، فالقضية لم تعد قضية تيار إسلامى يريد أن يمارس دوره المشروع وحقه الطبيعى فى بناء وإنقاذ هذا البلد الذى أُنْهِك وأوشك القلب فيه أن يكف عن النبض والخفقان، إنما هى قضية أمة سقط نظامها السياسى نتيجة سوءات الحكام وسوء إدارتهم وسوء مصيرهم فتعكر الوجه الجميل، وتعفرت قيمه، لكن بقيت حضارته ونضارة الأخلاق فيه، وقد حاول البعض إسقاطها فلم يفلح، ولا يزال البعض يحاول. • قضية إيمان يجرى فى نفوس المصريين وكأنه العصارة الحية فى شجرة معطلة النمو بعوامل الفساد فى البيئة وتلوث المناخ، وتنتظر رياح التغيير لتكنس من الأرض كل معوقات النمو والنهضة والانطلاق. • ظهور الإسلاميين يشكل لهذه الشجرة عملية التمثيل الكلوروفلى فى شكها الصحيح لتنطلق فروعها نحو السماء بالزهور والثمر. • التحدى القادم كبير وخطير، ويحتاج لحشد همم الرجال من أهل الحق ولم الشمل وجمع حبات العقد الفريد قبل أن ينفرط. • القضية فى تصورى ليست قضية رياسة مصر رغم خطورتها، وإنما القضية قضية وطن يمثل مركز الدائرة لدين وأمة ورسالة بكاملها. • قضية نهضة تبدأ جذورها من أرض الحياة فى وطن الخيرات مصر المحروسة تحقق أحلام شعب عانى وصبر وتحمل، ثم تمتد من هبة النيل بثمار الخير إلى كل بلاد تتطلع إلى الكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان. • قضية نموذج ومثال للحكم يعرض على الدنيا كلها، وبلغة أخلاقية تفهمها الدنيا كلها تتمثل فى حماية الوطن وخدمة المواطن وإقرار حقوقه وتحقيق كرامته، ولا يكون ذلك إلا بالعدل والحرية ونظافة اليد وطهارة القلب وتحرير الضمير وإغلاق أسواق النخاسة السياسية والإعلامية والاجتماعية التى مازالت تمارس دورها الخسيس فى استرقاق الإنسان. • وعلى التيار الإسلامى بكل فصائله أن يحذر أن تفوت الفرصة فى لم الشمل، واعلموا أن الوجدان الوطنى يشتاق لسماع ذلك النبأ السعيد، وأن العقل الجمعى فى الوطن كله ينتظر منكم الخطوة المتقدمة فتقدموا لها. • ارحموا شعب مصر من التمزق وتفتيت الأصوات وانتشار الإشاعات، وأغلقوا أبواب الفتن وسدوا على أعداء الله والوطن كل طرق الوشاية والتخريب، واتركوا الخير الذى عليه الشر يربو ويزيد. • وعلينا كشعب هو صاحب الثورة ومفجرها أن نظهر لهم أن مؤامرتهم لن تزيدنا إلا تماسكًا، وأننا سنرد إشاعاتهم الصفراء والحمراء والرمادية التى تبغى فرقتنا بمزيد من الوحدة، وسنرد حملاتهم الإعلامية بكشف الحقائق وفضح الأكاذيب ولن نتدنى أو نسقط، وأن وعينا أكبر من مؤامرات الليل الأسود وأن زمن الاستغفال قد ولى وراح. • علينا كشعب أن نظهر لهم أننا جميعًا مهما اختلفت مشاربنا إخوان، ولا فرق عندنا بين مرسى أو أبو الفتوح والعوا وصباحى والأشعل وكل الشرفاء، وأنهم جميعا نقباء ونجباء وأجلاء.. ونعلم أن رغبتهم فى الخدمة ترتبط بالمغارم لا بالمغانم، وليست إلا مزيدا من العطاء والبذل، وأن الفوضى التى يصر البعض على إشاعتها وتصديرها لكل قطاع فى مصر ستقابل بمزيد من النظام والتخطيط من أجل مصر، وأن محاولات خلق الأزمات وصناعتها لن تقابل إلا بمزيد من الإيثار والتضحية وتقديم الواجب الوطنى على الشأن الخاص وأن الزمن الحالى زمن الإيثار وليس الاستئثار. • علينا كشعب وقيادات أن نبين لهم أن الإسلام رحمة، وأن أريج رحمته يذهب فى كل اتجاه وحتى عكس الرياح، وسيصل حتما إليهم رغم الكراهية والعنت ونظرات الاستعلاء والاستكبار. • علينا كشعب أن نظهر لهم أن مصر كلها إخوان، وأن المسلمين فيها والمسيحيين إخوان، وأن دعوات الطائفية لن تصادف إلا خيار الخروج لأصحابها من مصر، أو الموت غيظا وكمدا أمام رياح المحبة. • بينوا لهم أن وحدتنا من أجل مصر، وأن العمل لإزالة هموم الوطن وحل مشكلاته هى عبادتنا ومسؤوليتنا، وواجبنا وقرباتنا إلى الله. • أظهروا لهم أننا خدام الشعب وإن كنا سادة، وأن قلوبنا وأيدينا وعقولنا مع كل فقير ومظلوم، وأن من يعمل لله يمكن أن يخدم فى أى مكان، فى الساقة أو المقدمة لا يهم، المهم أن يكون العمل ضمن منظومة تعمل لله وتخدم عباده من أهل مصر وكل الأمصار، وأننا وما نملك لله ثم للوطن، وأن الوطن عندنا أكبر من كل تنظيم أو حزب، وأنه أثير لدينا وأعلى وأغلى، وأن ولاءنا له ، وأننا به أولى ممن سرقوه وأهانوه ويحاولون اليوم أن يعيدوا الكرة من جديد. • فى لحظات الحسم التاريخية يقول الشعب كلمته ويتخذ قراره، فليقل شعب مصر كلمته وليتخذ اليوم قراره الذى هو جزء من قدر الله الغالب وقضاؤه الذى لا يرد. • [email protected]