سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أطفال الشوارع «الراقدون تحت التراب».. «القومى للطفولة والأمومة»: العشوائيات والفقر وراء تفشى الظاهرة.. د. حسن شحاتة: «التضامن» فشلت في القضاء على الظاهرة
تعتبر ظاهرة أطفال الشوارع في مصر، من أهم الملفات التي تتلاعب بها الحكومات المتعاقبة لمخاطبة مشاعر المواطنين واستقطابهم، من خلال حزمة تصريحات رنانة بحماية ورعاية تلك الفئة من المجتمع، إلا أن كل هذه التعهدات ذهبت هباء منثورا ولم تقدم أي حكومة دعما ولو بسيطا لهذه الفئة التي تزداد حالتها سوءا يوما بعد يوم. اختلفت الدراسات والأبحاث الحكومية حول العدد الذي وصل إليه أطفال الشوارع في مصر، وأعلنت وزارة التضامن الاجتماعي، أن عدد أطفال الشوارع بلغ طبقًا لنتائج أكبر مسح قومى لهذه الفئة نحو 16019 طفلًا في 2558 منطقة على مستوى المحافظات بمصر، وهو الأمر الذي خالف جميع الدراسات التي سبقت هذا المسح والتي قدرت عدد هؤلاء الأطفال بنحو 2 مليون طفل، وهو العدد الذي أكدته وأعلنت عنه منظمة الأممالمتحدة للطفولة «اليونسيف». وقسمت منظمة «يونيسف» أطفال الشوارع، إلى 3 فئات، الفئة الأولى "قاطنون في الشارع"، وهم الذين يعيشون في الشارع بصفة دائمة، والفئة الثانية "عاملون في الشارع"، وهم أطفال يقضون ساعات طويلة يوميًا في الشارع في أعمال مختلفة، مثل "التسول"، أما الفئة الثالثة "أسر الشوارع"، وهم أطفال يعيشون مع أسرهم الأصلية في الشارع، وتبعًا لهذا التعريف قدرت الأممالمتحدة عدد أطفال الشوارع في العالم ب150 مليون طفل. انتشار الظاهرة سمية الألفى مدير وحدة أطفال الشوارع بالمجلس القومى للطفولة والأمومة وعضو اللجنة الاستشارية للطفولة، ترى أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء انتشار تلك الظاهرة، وهى الفقر وتردى الوضع الاقتصادى لمعظم أهالي هؤلاء الأطفال، وكذلك التفكك الأسرى والانفصال، الذي يؤدى إلى عدم الترحيب بالأطفال الناتجين عن هذا الانفصال، والنظام التعليمى الطارد الذي يسبب مشاكل عديدة لأنه لا يستوعب الأطفال الذين لديهم صعوبات في التعلم أو لديهم مشاكل نفسية أو اجتماعية، ولا يستطيع المعلم أن يؤدى دوره لجذب الأطفال للعملية التعليمية. الألفى قالت: إن هناك عوامل اجتماعية تخلق مساحات واسعة لتفشى ظاهرة أطفال الشوارع منها نمو وانتشار التجمعات العشوائية التي تمثل البؤر الأولى والأساسية التي تستقبل أطفال الشوارع، وعدم وجود مراكز لرعاية وتأهيل هؤلاء الأطفال، بالإضافة إلى قلة عدد مدارس التعليم الإلزامي، وغياب دور الدولة متمثلة في وزارة الثقافة والشباب والرياضة والتعليم ومنظمات المجتمع لمدنى المهتم بتكاتف الجهود لرعاية واحتضان تلك الفئة ودمجها في المجتمع. وأكدت الألفى أن هناك سببا رئيسيا وهاما وهو ارتفاع نسبة البطالة بين أرباب الأسر التي تدفع بأطفالها إلى الخروج والتسول في الشارع، ومن ثم تعلم عادات وتقاليد خاطئة وخلق مجتمعات تنعزل بنفسها ويكون لها قوانينها وطبيعتها الخاصة. من جانبه أكد الدكتور حسن شحاتة، الخبير التربوي، أستاذ المناهج بجامعة عين شمس، أن التعليم له دور كبير في حماية هؤلاء الأطفال وتقويم سلوكهم، من خلال محاربة التسرب من التعليم والذي يعد أحد أسباب انتشار تلك الظاهرة، وإنشاء مدارس إلزامية خاصة بالمناطق العشوائية لهذه الفئة من الأطفال، وتعليمهم القراءة والكتابة وإلحاقهم بالتعليم المهنى ليكونوا أصحاب حرف نافعة للمجتمع، بالإضافة إلى دور الحكومة بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنى في إنشاء أماكن إيواء لهؤلاء الأطفال وتعليمهم. وقال «شحاتة» إن وزارة التضامن الاجتماعى فشلت في تحقيق دورها الخاص برعاية الأسر المحرومة، والفقيرة التي تعانى مشاكل اجتماعية وتفكك أسرى أدى إلى تسرب أطفالهم إلى الشوارع والانخراط في مجتمع تحفه المشاكل والمخاطر، مشيرًا إلى أنه يجب على وزارة التضامن التنسيق مع وزارة التربية والتعليم لإعداد قائمة بالمتسريبن من العملية التعليمية، والاهتمام بهم وتعليمهم حتى يتم القضاء على تلك الظاهرة. وأضاف خبير المناهج: «الدولة في غيبوبة ومن أطفال الشوارع ينبت الإرهاب والإجرام»، ولابد من التنسيق بين وزارات الثقافة والشباب والرياضة والداخلية ومؤسسات الأزهر الشريف والكنيسة والاعلام كل في مجاله، بنشر الوعى الثقافى بين الأسر وكيفية الحفاظ على تماسكها وتحريم إنجاب السفاح وإلقاء الضوء على مثل تلك الظواهر. وقال «شحاتة»: إن غياب دور الدولة أدى إلى استغلال هؤلاء الأطفال في أعمال تخريب وفوضى في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتجنيدهم من قبل جماعات الإرهاب والبلطجة لاستغلالهم في تحقيق مصالح شخصية، وأصبحت تلك الشريحة مصدر الإرهاب والبلطجة والعنف في البلاد وتم تشكيل عصابات منهم لممارسة أعمال البلطجة والسرقة لصالح جهات معينة تشرف عليهم وهو مايؤدى إلى كوارث يجب على الدولة تداركها باعتبار أن أطفال الشوارع «قنبلة موقوتة» يجب التعامل معها بحذر وآليات معينة وفق مناهج ومعايير علمية. التأثير السلبى على السياحة وأشار الخبير التربوي، إلى أن أطفال المقابر والشوارع ومظهرهم العام وسلوكياتهم أحد أسباب ضرب السياحة المصرية من خلال أعمال التسول وملاحظة الأجانب لسلوكياتهم الإجرامية في الشوارع، بالإضافة إلى كونهم سبب في ضياع هيبة الدولة، مؤكدا أنه لابد من تكاتف جهود الوزارت المعنية بتلك الفئة مع منظمات المجتمع المدنى في «غزو العشوائيات» التي تعتبر منبعًا لهذه الفئة وأرضًا خصبة لنمو الإرهاب والبلطجة وإنشاء مدارس ومشاريع ومصانع ومستشفيات وإلزام رجال الأعمال بتمويلها ليتم دمج هذه الفئة في المجتمع تحت إشراف الدولة وليس رجال الأعمال حتى لا يتم تحويلها إلى «بيزنس». ولفت إلى أن تقرير الأممالمتحدة الأخير، أكد في مسحه الذي أجراه على أطفال الشوارع في القاهرة والإسكندرية أن نحو 66 % من الأطفال الذين شملهم الاستطلاع يتناولون بانتظام عقاقير مخدرة وأن 80% معرضون لخطر العنف البدنى من جانب مستخدميهم وأقرانهم و70% منهم تسربوا من المدارس و30% لم يلتحقوا أصلا بالمدرسة، بالإضافة إلى الاستغلال الجنسى لهؤلاء الأطفال، وتعرضهم إلى العديد من عمليات القتل وسرقة الأعضاء. وطالب الخبير التربوي، أعضاء مجلس النواب، بأن يولوا اهتمامًا خاصًا بتلك المشكلة ومناقشة آليات التعامل معها وإصدار قوانين فعالة في مجال مكافحة عمالة الأطفال وتجريم التسرب من التعليم، ومعاقبة الأسر الفقيرة والمحرومة على زيادة المواليد طالما لا تستطيع الإنفاق عليهم وتعليمهم، وتشريع قوانين خاصة بكفالة رجال الأعمال لمواليد السفاح الذين يتم القائهم على أبواب المساجد والكنائس والاستفادة منهم لصالح المجتمع. انتشار الأوبئة من جهته كشف الدكتور مجدى بدران، عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة، استشارى الأطفال، زميل معهد الطفولة بجامعة عين شمس، أن ظاهرة أطفال الشوارع تهدد المجتمعات المختلفة ليس فقط في مجال انتشار الجريمة، ولكن أيضًا في مجال انتشار الأوبئة والأمراض، مؤكدا إن التوقعات العالمية تشير إلى وجود ما يقرب من 150 مليون طفل من أطفال الشوارع حاليًا في العالم من بينهم نصف مليون طفل في الولاياتالمتحدة و40 مليون في أمريكا اللاتينية. وأضاف، أنه على الرغم من أن مصر بها حملات قومية ضد أمراض وأوبئة الطفولة، فإن أطفال الشوارع البعيدين عن تلك الحملات يشكلون بيئة خصبة للفيروسات والبكتريا التي يتم تطعيم الأطفال ضدها ما يقلل من نجاح تلك الحملات. وأكد أن أطفال الشوارع يتعرضون لمشاكل صحية متعددة تلعب فيها الظروف المناخية دورًا مهما فيصابون بالعديد من الأمراض، ومنها التهابات الجهاز التنفسى وحساسية الصدر والأنف والصداع، والمغص المعوي، والكلوي، وآلام الظهر، والبول المدمم، وضيق النفس، والكحة، والإسهال، وإفرازات الأنف والأذن، والجرب والتينيا والالتهابات الجلدية والأنيميا، والطفيليات المعوية والتهاب الأذن الوسطى. وأضاف مجدى بدران، أن مصر شأنها شأن الدول النامية تعانى من ظاهرة أطفال الشوارع، وهناك صعوبة شديدة في الحصر الدقيق لهذه الظاهرة.