ألقى الطفل "بدر" كراساته وأقلامه مرغما على ذلك، للإنفاق على أسرته بعد وفاة والده في حادث انقلاب سيارة أثناء عودته من المحجر. وترك بدر محمد عادل سيد، البالغ من العمر 13 عاما، دراسته في الصف الثانى الإعدادي، وتوجه إلى العمل الشاق، للإنفاق على إخوته الأربعة، منهم 2 من الفتيات في المرحلة الثانوية، والآخرين بنين ما بين 3 إلى 5 أعوام. اختبأ وجه "بدر" وراء شال ليخفى علامات التعب والإرهاق البدنى الذي يظهر عليه أثناء عمله في البرد القارص، وليحتمى به من مرض انسداد الشعب الهوائية، ذلك المرض الذي عانى منه والده طوال سنوات حياته بسبب عمله في أرض المحاجر لذلك اطلق عليه العاملون هما "الملثم ". " بدر " طفل المحجر يستقل فجر كل يوم سيارات الربع نقل ولا يرحمه برد الشتاء، يودع أهله على أمل العودة إلى منزله سالما من الأتربة التي لم ترحم صدره وآلات التقطيع الخطرة، وديناميت قد ينفجر في أي لحظة. قال " بدر " في بداية حديثه:" أكل العيش مر واللى عاوز فلوس إما يسرق أو يتعب، أنا اخترت التعب حسيت انى كبرت 20 سنة عن عمرى، الجبل ليه ناسه والشغل مش بالساهل.. أبويا الله يرحمه قبل ما يتوفى كان معيشنا عيشة حلوة، من فلوس المحاجر ". وأضاف " بدر": "عانيت كثيرا جدا، عقب وفاة والدى.. فجأه ترى نفسك أنت رب المنزل، ومسئول عن 5 أفراد والدتك وأشقائك الأربعة، منهم 2 على أعتاب الزواج.. شقيقتى الكبرى مخطوبة، لازم تتجهز، وما باليد حيلة، فلم يكن أمامى سوى الجبل أو بمعنى أصح تراب الجبل.. ده أهون من السرقة والشحاتة عليا وعلى إخواتى". وتابع: "أول 3 أسابيع كان عملى في محاجر المنيا هو نقل الحجارة، بدأت مع الوقت أخد على الشغل حتى استلمت شغل السنارة "، وأوضح" بدر " أن السنارة هي عبارة عن لوح خشب مُثبت على قائمتين من الحديد يتم توصيلهما بمولد كهرباء للمحجر ويقوم العامل بتوصيل هلب يشبه السنارة بأسلاك الماكينات في المسامير المثبتة، على اللوح الخشبى وأى خطأ لو كان بسيطًا يعرض العامل لصعق الكهرباء وخصوصا في أيام الشتاء للندى الذي يتساقط في الصباح الباكر. بدأت أنفاس " بدر " تضيق من كثرة الأسئلة، فبدأ يأخذ قسطا من الراحة في ركن بعيد، قائلا:" اللى مخلينا نعيش في مرار وتعب وموت هي لقمة العيش، التراب اللى في المحجر سد صدرنا وبقينا أصحاب مرض واحنا لسه عيال، أبويا كان تعبان جدا قبل أن يتوفى بمرض انسداد في الشعب الهوائية، كل ما افتكر ولدى وهو تعبان أختبئ أكثر خلف الشال القماشى"، وأكد أن أهله يودعونه كل شهرين قبل سفره للعمل وكأنه لن يعود مرة أخرى، لأن العمل في هذا المجال يجعل الشخص أمام الخطر كل لحظة في حياته. وقال " بدر ": ماهر صديقى في الجبل وزنه الخفيف جعل صاحب المحجر يوكل له مهمة التأكد من أن الفتيل مشتعل، لازم يبقى خفيف وسريع لأنه بيشعل الفتيل ويجرى بسرعة، التخوف من أن ماهر يتعثر أو يسبقه الانفجار قبل أن يغادر المكان فينفجر فيه مكوّن المتفجرات، أو ينهار الجبل عليه ويدفن تحت حجارته ". وأضاف: "راتب العاملين في المحاجر مغر، أتقاضى 2500 جنيه شهريا، والمأكل والمسكن والسجاير، على صاحب المحجر، وتصل أسعار الرواتب من بين 2500 إلى 5000 جنيه.. فلوس مصحوبة بمرض والله ". وأنهى " بدر "، حديثه معنا قائلا: "أتمنى من الله أن يحمى مصر، وأتمنى من مصر أن تحمى أطفالها، بس ما باليد حيلة، البلد أسمع أنها بتتعرض لخطر، ربنا يحمى البلد، مصر بتخلف رجالة مش أطفال".