سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 7 مايو 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 7 مايو 2025    أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 7-5-2025 بعد الزيادة الجديدة.. وبورصة الدواجن الآن    المركزي الصيني يخفض سعر الفائدة الرئيسي في ظل تهديد الرسوم الجمركية الأمريكية    النائب عمرو درويش: لا إلغاء تلقائي لعقود الإيجار القديم.. والمحاكم هي الفيصل حال عدم صدور قانون    ترامب يأمل في أن تهدأ التوترات بين الهند وباكستان سريعا    الرئيس السيسى يتوجه إلى اليونان اليوم.. يعقد لقاءات مع الرئيس ورئيس الوزراء اليونانيين ويترأس الجانب المصرى لمجلس التعاون رفيع المستوى بين القاهرة وأثينا.. ويتوجه إلى موسكو تلبية لدعوة "بوتين"    المجلس الوطنى الفلسطينى يجدد الدعوة للمجتمع الدولى للتحرك العاجل لوقف جرائم الاحتلال    موعد مباراة مصر وتنزانيا في كأس أمم إفريقيا تحت 20 سنة والقنوات الناقلة    سيد عبدالحفيظ يكشف لأول مرة ماذا حدث في علاقته مع حسام غالي    لبسوا الأطفال صيفي، الأرصاد تعلن بداية الموجة الحارة وتكشف موعد ذروتها    مواعيد امتحانات العام الدراسي المقبل لصفوف النقل والشهادات الدراسية 2026    تشكيل ارسنال المتوقع أمام باريس سان جيرمان في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    أمير مرتضى منصور: «اللي عمله الأهلي مع عبدالله السعيد افترى وتدليس»    مباراة برشلونة وإنتر تدخل التاريخ.. ورافينيا يعادل رونالدو    تصعيد خطير بين الهند وباكستان... خبراء ل "الفجر": تحذيرات من مواجهة نووية ونداءات لتحرك دولي عاجل    ردود الفعل العالمية على اندلاع الحرب بين الهند وباكستان    تحرير 30 محضرًا في حملة تموينية على محطات الوقود ومستودعات الغاز بدمياط    كندة علوش تروي تجربتها مع السرطان وتوجه نصائح مؤثرة للسيدات    ترامب: لا خطط لزيارة إسرائيل الأسبوع المقبل.. وربما أزورها مستقبلًا    فيديو خطف طفل داخل «توك توك» يشعل السوشيال ميديا    سيد عبد الحفيظ يستبعد إعادة مباراة القمة ويعلّق على أزمة زيزو ورحيله عن الزمالك    متحدث الأوقاف": لا خلاف مع الأزهر بشأن قانون تنظيم الفتوى    الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    «كل يوم مادة لمدة أسبوع».. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي 2025 بمحافظة الجيزة    عاجل.. الذهب يقفز في مصر 185 جنيهًا بسبب التوترات الجيوسياسية    شريف عامر: الإفراج عن طلاب مصريين محتجزين بقرغيزستان    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأربعاء 7 مايو 2025    حبس المتهمين بخطف شخص بالزاوية الحمراء    اليوم| أولى جلسات استئناف المتهم بالنصب على نجم الأهلي مجدي قفشة    السيطرة على حريق توك توك أعلى محور عمرو بن العاص بالجيزة    ضبط المتهمين بالنصب على ذو الهمم منتحلين صفة خدمة العملاء    المؤتمر العاشر ل"المرأة العربية" يختتم أعماله بإعلان رؤية موحدة لحماية النساء من العنف السيبراني    "ماما إزاي".. والدة رنا رئيس تثير الجدل بسبب جمالها    كوكلا رفعت: "أولاد النيل" توثيق لعفوية الطفولة وجمال الحياة على ضفاف النيل    مهرجان المركز الكاثوليكي.. الواقع حاضر وكذلك السينما    مُعلق على مشنقة.. العثور على جثة شاب بمساكن اللاسلكي في بورسعيد    ألم الفك عند الاستيقاظ.. قد يكوت مؤشر على هذه الحالة    استشاري يكشف أفضل نوع أوانٍ للمقبلين على الزواج ويعدد مخاطر الألومنيوم    مكسب مالي غير متوقع لكن احترس.. حظ برج الدلو اليوم 7 مايو    3 أبراج «أعصابهم حديد».. هادئون جدًا يتصرفون كالقادة ويتحملون الضغوط كالجبال    بدون مكياج.. هدى المفتي تتألق في أحدث ظهور (صور)    كندة علوش: الأمومة جعلتني نسخة جديدة.. وتعلمت الصبر والنظر للحياة بعين مختلفة    الهند: أظهرنا قدرا كبيرا من ضبط النفس في انتقاء الأهداف في باكستان    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    الهند: هجومنا على باكستان أظهر انضباطًا كبيرًا في اختيار الأهداف وطريقة التنفيذ    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    طريقة عمل الرز بلبن، ألذ وأرخص تحلية    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    وزير الأوقاف: المسلمون والمسيحيون في مصر تجمعهم أواصر قوية على أساس من الوحدة الوطنية    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 في محافظة البحيرة الترم الثاني 2025    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



« المصرى اليوم» تصعد «جبل الموت» فى المنيا «1 - 2»

قرى معزولة فى شرق النيل، لا تراها حكومة، ولا تصلها الخدمات ولا تعرف من «قطار التنمية» سوى ترويج المحافظة للمزيد من الموت فى الجبل. فى المنيا تصعد «المصرى اليوم» جبل الموت، هناك حيث يعمل 100 ألف مواطن فى محاجر المحافظة، حيث يسقط الرجال والنساء والأطفال شهداء لقمة عيش يحاولون انتزاعها من حضن الجبل ولو كانت مغموسة فى الدم.
وسط هدير «الحشاشة» ومطارق الطوب وغرابيل «البودرة» يعيش أهالى قرى زاوية سلطان وسوادة ونزلة عبيد ونزلة حسين والدادوية ونزلة فرج الله والحوارتة وطهنا الجبل.. يعيشون قصصا من محافظة رفعت يدها عن وضع قواعد للأمان فى منشآت تدر ملايين وربما مليارات ويدفع ثمنها الفقراء الذين يفقدون أرواحهم وأطرافهم ويصابون بالسرطان والتحجر الرئوى والفشل الكلوى فى رحلة البحث عن لقمة العيش.
قبل شهور بدأت محافظة المنيا حملة لترويج منطقة المحاجر استثمارياً، هذه الحملة شددت على «رخص العمالة» لكن المحافظة نسيت أن تشير إلى «موت العمال»، وإهمال أجهزة الدولة، وغياب الخدمات، وانعدام الرقابة وسيادة قانون «الموت مقابل كام ملطوش».
فى قرى المنيا عاشت «المصرى اليوم» معاناة آلاف الأطفال الذين يصعدون للجبل سائرين على خيط رفيع يفصل الحياة عن الموت، بعد أن حرمت التقاليد النساء من العمل، وبعد أن خطف الجبل أرواح الرجال. ترصد «المصرى اليوم» فى هذا الملف وقائع الموت المعلن فى شرق المنيا، ترصد أرباح البيزنس وخسائر الدم، وتكشف مأساة قرى كاملة تعيش تحت رحمة الجبل، و100 ألف مواطن لا يجدون عملا سوى المحاجر.
أطفال فى حضن الجبل: الموت مقابل 20 جنيهاً فى اليوم
مشهد عمال نحت الدرج أثناء انخراطهم فى العمل يعيدك إلى أجواء سجناء الأشغال الشاقة فى أفلام الأبيض والأسود. لكن المختلف فى «بنى خالد» هو دخول الأطفال إلى الصورة، حيث يبدأ التدريب على نحت السلالم من سن 7 إلى 9 سنوات، ويعملون لمدة ربما تمتد لأكثر من 10 ساعات، ليقف الأطفال بظهور محنية ومقوسة بزاوية 70 درجة بينما يحملون فى أيديهم الشاحوطة، التى تزن من 10 إلى 12 كيلو، مدققين فى الحجر الجيرى لتحويله إلى سلالم أو أعمدة تستخدم فى البناء. لهذا فالشيخوخة المبكرة قَدَر يلاحق عمال الدرج بينما لا ينجو أحد منهم من الإصابة بالانزلاق الغضروفى وأمراض العيون، أكثر من 85% من العاملين فى نحت الدرج مصابون بانزلاق غضروفى ومستمرون فى العمل.
فى محاجر الطوب ينقسم العمل إلى نوعين، العمل على «الحشاشة» ويعمل عليها أسطى وعامل تعديل سكة، ومعهما عاملان أحدهما لتقليب الطوب والآخر لمسح البودرة. أما النوع الآخر فهو «الفصالة»، التى تفصل الطوب من الأرض بعد تقطيع المنشار، ويعمل عليها صنايعى وعامل تعديل سكة.
من بين العاملين فى أحد المحاجر كان محمود صلاح «10 سنوات» من قرية «الديابة قبلى»، ونادر حلمى «14 سنة» ورضا محمد «12سنة»، الذى صعد الجبل للإنفاق على أسرته بعد وفاة والده. وعن متاعبهم ردوا فى وقت واحد «هو فيه شغلانة مفيهاش تعب».
محمود صلاح ترك المدرسة منذ الصف الرابع الابتدائى وخرج ليساعد أسرته بعد رحيل والده، أما نادر فله شقيق أكبر منه يعمل معه، ولهذا لم يترك المدرسة لكنه يحضر إلى الجبل للمساعدة فى المصاريف يقول نادر: «إحنا بنهز الطن ب4 جنيه والنفر مننا بيعمل 5 ولا 6 طن فى اليوم، والكبير يعمل 10 طن «ويضيف: «إحنا بنبدأ شغل الساعة 6 الصبح وبنروح الساعة 5 والواحد فينا بيتحصل له على 20 ولّا 25 جنيه فى اليوم».
رضا محمد «12 سنة» لا يتوقف عن العمل فبعد وفاة أبيه وإصابة أخيه الأكبر بالسكر أصبح هو المسؤول عن الأسرة ويقول: «أبويا متوفى وأخويا الكبير عنده سكر وبنجيب له كل أسبوع علاج ب300 جنيه بعد ما انصاب فى المحاجر».
أما وليد ناصر «14 سنة» فله 4 أشقاء ويقول: «أنا سبت المدرسة لأنى كنت باخد السنة فى 3 سنين، ودلوقتى يوميتى من 25 ل30 جنيه وباشتغل 5 أيام وبادّى الفلوس لأهلى، لأنى أكبر واحد فى إخواتى.. عندى واحد فى الإعدادى واتنين فى الابتدائى وأصغر واحد 6 سنين..وفى يوم ضهرى وجعنى وقعدت يومين فى البيت بس كان لازم أرجع للشغل بسرعة». أمنية وليد أن يجد وظيفة عندما يبلغ عامه العشرين ولا يظل طوال حياته فى المحجر، وليد يحلم بأى وظيفة «فراش أو إن شاالله حتى أمسح جزم».
لا تنتهى المخاطر داخل المحاجر، لكن حتى من يسعدهم الحظ ويتمكنون من الانتظام فى الدراسة يتعرضون خلال ذهابهم وعودتهم من المدرسة لخطر آخر، فأطفال قرى شرق النيل «بنات وأولاد» بمرايل المدرسة أو بالجلابيب يحملون حقائبهم الثقيلة بين أيديهم أو على ظهورهم، يسيرون بها لعدة كيلومترات حتى أقرب مدرسة لقراهم. والطريق الوحيد المتاح للانتقال إلى المدرسة هو طريق السيارات حيث يكونون عرضة لحوادث السيارات.
وفى طهنا إحدى القرى التى تعمل بالمحاجر تقول «أم محمود»: كل بيت فى طهنا «فيه تعويرة، أو موت وفيه تعويرة بموت على طول». كانت أم محمود تقصد الإعاقة، باعتبارها حكماً على صاحبها بالموت الدائم لأنها تمنعه من العمل. سألتها إذا كانت تعرف مخاطر الجبل إلى هذا الحد فلماذا تركت ابنها الأصغر يعمل بالمحاجر، فقالت: «العيال من العوزة بيطلعوا يشتغلوا.. لو قعد مش هنقدر نكفّى المعايش».
المحاجر تحصد أرواح شباب ونساء وأطفال 8 قرى بالمحافظة.. والحكومة غائبة
يكسبون قوت يومهم خصماً من صحتهم وحياتهم، ولا يجدون سبيلاً آخر للحياة، مصيرهم الحتمى هو الموت والإعاقة والأمراض القاتلة، إنهم عمال المحاجر فى المنيا. فى شرق النيل كثير من القرى التى تعيش بالأساس على العمل فى المحاجر مثل «زاوية سلطان» و«سوادة» و«نزلة عبيد» و«نزلة حسين» و«الداودية» و«نزلة فرج الله» و«الحوارتة» و«طهنا الجبل»، وتكمن أهمية قطاع المحاجر بتلك المنطقة فى أنه يضم أكثر من ألف محجر يتقاسم ملكيتها ما يقرب من 6 آلاف شخص.
عندما سألت أحد العاملين بالمحافظة: «الجبل بيدخل كام فى السنة تقريبا؟» رد دون تردد «مليش دعوة دول يخربوا بيتى» صمت الموظف قليلا ثم تابع: «عموما همّا بيقولوا 85 مليون جنيه فى السنة». هنا اندفع أحد الحاضرين قائلا: «حرام عليك 85 مليون إيه!.. إنت هتعمل زى المحافظ، يا بيه دخل المحافظة من الجبل ما يقلش عن 400 مليون جنيه فى السنة».
عدد العاملين فى محاجر المنيا يتجاوز 100 ألف عامل، يعمل منهم فى قطاعات «الطوب والبودرة» ما بين 20 و30 ألفاً داخل المحاجر والباقى فى مهام «الهز» و«التحميل» والمهن المعاونة والكسارات. أى أن القطاع هو مصدر دخل لما يقرب من 100 ألف أسرة ومصدر رئيسى لمحاربة البطالة.
الغريب أن قرابة 30% من العاملين فى المحاجر من حملة المؤهلات العليا، فهناك خريجو حقوق وسياحة وفنادق وآداب وتجارة وساعات طب وهندسة، هذا بخلاف الدبلومات والمؤهلات المتوسطة والطلاب الذين يعملون خلال الإجازات الصيفية.
من هؤلاء يسقط من 5 إلى 10 حالات وفاة و500 مصاب فى المحاجر شهريا. وبالنسبة للإصابات بين العاملين فى المحاجر «اللى بياخد عشر غرز ما يُعتبرشى مصاب، واللى يروّح بيعرج ولا دراعه متجبس بيشكر ربنا»- وفقا لأحد العاملين، الذى استطرد قائلا: «بس هنعمل إيه؟ المنيا بلد تعيسة، الموظف موظف، وعامل الزراعة بيندثر وعشان كده إحنا بنحاول ناكل عيش وبندفع ضريبته من دمنا، فى بلدنا لوحدها أكتر من 70 ماتوا فى الجبل غير الإصابات».
أما بالنسبة للخدمات الصحية فحدث ولا حرج فالحوادث والإصابات هى السيناريو اليومى، والتأخر فى الإسعاف يسرع بإنهاء حياة الكثيرين، فالوحدات الصحية غير كافية ولا تكفى حتى لإسعاف الجراح الخطيرة، والحوادث هناك تتحول إلى كوارث كما جرى فى «حادثة الشرفا ونزلة عبيد» التى انتهت بمقتل 13 شاباً أعمارهم تتراوح بين 17 و23 سنة.
فالوحدة عبارة عن مبنى قديم متهالك توجد به مجموعة من المكاتب ودكة خشبية للانتظار وحجرة كشف فقيرة، وطبيب ممارس عام. وحين يتحدث الناس عن الوحدة وتعاملها مع المصابين يقولون: «مصابو الجبل لابد أن يمروا من هنا لتحويلهم إلى مستشفيات لأن الإمكانيات هنا ضعيفة، وغالبا يكون التحويل لمستشفى الجامعة لأن أغلب الإصابات تكون خطيرة».
أحد العاملين بالوحدة –رفض ذكر اسمه - تحدث عن الإحباط الذى يصيب الجميع خاصة طبيب الوحدة عندما يشعر أنه غير قادر على مساعدة المرضى، وكيف أن سنوات دراسته ضاعت هباء بسبب قلة الإمكانيات، وهو ما يجعله يشعر بعدم جدوى وجوده بالمكان فالخدمة التى سيقدمها تستطيع أى ممرضة صغيرة تقديمها، مشيرا إلى أن الوحدة مجهزة فقط «لإعطاء الحقن وبعض الإسعافات الأولية كتضميد الجروح البسيطة على أكثر تقدير».
ويرى على ضاحى محمد، كاتب الوحدة الصحية بقرية «بنى خالد»، الأمور بشكل أكثر دقة: «مفيش أسبوع بيمر من غير ما يمر علينا مصابين، وفيه أوقات ما بيمرش يوم من غير ما ييجى من المحاجر حد متعور لو محتاج غرز بنعملها له ولو أكبر من كده بنحوله للمنيا، مفيش حتى جبس لو واحد انكسر، لازم يروح المنيا ولا أسيوط».
ويضيف أن حالات لدغات الثعابين لا يمكن علاجها فى الوحدة لعدم توافر المصل ورغم بساطة الحالات فإن «المصاب على ما بيوصل المستشفى بيكون انتهى» لأن أقرب مستشفى لبنى خالد فى سمالوط، وحتى سيارة الإسعاف لكى تأتى وتعبر «المعدية بيكون كل حاجة انتهت»، مؤكدا أن أغلب حالات الوفيات التى حدثت فى الجبل كان يمكن إنقاذها «لو فيه إمكانيات».
رحلة الشقاء اليومى تبدأ قبل مطلع الفجر، فى أماكن تجمع العمال عند كوبرى الشرفا وفى مدخل نزلة عبيد، هناك يبدأ العمال يومهم، المئات ينتظرون رحلات الموت صعودا إلى الجبل، تقريبا40% منهم أطفال.
يتحدث الأطفال عن «السنارة» التى يروح أغلب القتلى ضحية لها، وهى عبارة عن سويتش بدائى لنقل الكهرباء من المحول إلى المحجر، يستخدمه أصحاب المحاجر بدلا من شراء لوحة مفاتيح وفيوزات آمنة.
وتنتشر السنارة فى غالبية المحاجر باستثناء عدد محدود. السنارة عبارة عن لوح من الخشب مثبت على قائمين من الحديد ومثبت به مجموعة من المسامير موصلة بمولد الكهرباء عبر مجموعة من الأسلاك.. ولتوصيل الكهرباء إلى المحجر يقوم العامل بتوصيل هلب يشبه السنارة بأسلاك الماكينات فى المسامير المثبتة على اللوح الخشبى دون أى عوامل أمان.. وأى خطأ ولو كان بسيطاً يصبح العامل عرضة للصعق بتيار كهربائى قوته «450 فولت» وهو ما يؤدى إلى تفحم الجزء الذى تعرض للصعق فى أخف الحالات أو إلى تفحم الجسم بالكامل والوفاة فورا فى حالات كثيرة.. فى نزلة عبيد وحدها أكثر من 50 حالة وفاة بسبب السنارة.
يقول أحمد على محروس «28 سنة» وأب لأربعة أولاد: «السنارة عبارة عن كبل رئيسى جاى من المحول فيه 3 عراوى موصلين بكتلة الخشب دى، وكل عروة طالع منها 4 مسامير، وأنا جانب من شغلتى إنى أوصل الكبل فى السنارة.. لو الصبح والجو مندى ممكن الواحد يروح فيها».
الحديث عن الأمراض المهنية التى تصيب عمال المحاجر حديث مفزع، خاصة إذا كان موثقا بكشوف طبية ودراسات أجريت على قطاع واسع من العمال، فقامت مؤسسة وادى النيل لرعاية عمال المحاجر باصطحاب مجموعات من العمال بشكل عشوائى لإجراء الكشف الطبى عليهم، ليتأكد أن بلوى عمال المحاجر لا تقف عند حد الإصابات ولا الموت، ولكن فى صورة أمراض مهنية قد لا تظهر مخاطرها العنيفة قبل عدة سنوات أخرى.
وتتنوع الأمراض المهنية التى تهدد عمال المحاجر بين أمراض الجهاز الهضمى، التى تصيبهم نتيجة تناول مأكولات من الباعة المتجولين أو مياه الشرب الملوثة بالأتربة، التى قد تؤدى أيضا لإصابتهم بأمراض الكلى، كما أن الإجهاد الشديد وانخفاض مقاومتهم للأمراض يسببان سوء التغذية، والتعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة قد يؤدى لإصابتهم بأمراض الإجهاد كإصابات العمود الفقرى وآلام الظهر والعظام وكذلك الإصابة بضربات الشمس.
هذا بالإضافة إلى أمراض الجلد بسبب الغبار الذى يتعرضون له بصفة مستمرة، بل إن التعرض للغبار- جير وسليكا متطايرة- قد يعرضهم للإصابة بالتهابات الحلق والأنف والحنجرة وأمراض حساسية الصدر وتكرار النزلات الشعبية والمزمنة طوال مدة علاجها.
ومع طول فترات العمل بالمحاجر قد يصاب العمال بمرض تحجر الرئة ويؤدى المرض الأخير إلى مضاعفات خطيرة مثل الإصابة بالسرطان، ويكون المصاب به عرضة للإصابة بهبوط حاد فى القلب والدورة الدموية، قد يؤدى إلى الوفاة. ووسط هذه الظروف السيئة فإن هناك مرضاً آخر مصاحباً لكل الأمراض السابقة هو «الدرن» وهو منتشر بين عمال «الداودية» و«نزلة حسين» و«عرب الشيخ محمد» بصفة خاصة.
ولا تتوقف الإصابات والأمراض المهنية عند هذا الحد بل إن ظروف العمل السيئة والخطيرة داخل المحاجر تجعل العمال عرضة لإصابات متكررة مثل الصعقات الكهربية وهى السبب الرئيسى الآن فى أغلب حالات الوفاة داخل المحاجر.. كما تنتشر أيضا وبصفة متكررة بين عمال المحاجر - خاصة عمال نحت الدرج فى بنى خالد والعاملين فى المناشير - إصابات العيون بسبب تطاير الأجسام الغريبة وذرات الغبار أثناء العمل وبسبب دخول البودرة والجير داخل العين، والتى تتحول مع الوقت إلى التهابات شديدة ومزمنة فى العين، كما أن تعرض العمال لأصوات الماكينات العالية ودويها الضخم قد يؤدى مع طول الوقت إلى إصابتهم بفقدان السمع فى ظل غياب كل عوامل الأمن الصناعى عن المحاجر، وكذلك فى ظل الفقدان الكامل للرعاية الصحية.
وفى واحدة من الدراسات حول الأمراض الصدرية التى تصيب عمال المحاجر، والتى أشرف عليها الأستاذ الدكتور فريد صفوت، إخصائى أمراض الصدر بمستشفى الصدر بالمنيا، اتضح أن 75% من الذين خضعوا للكشف مصابون بأمراض صدرية، كما أن 55% من العينة مصابون بحساسية الصدر بينما توزعت بقية الإصابات بين النزلات الشعبية الحادة والالتهاب الشعبى وحساسية بالأنف والإصابة بآلام روماتيزمية بالصدر وارتفاع ضغط الدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.