أصحاب الوجوه البيضاء.. تطلق هذه الصفة علي أطفال المنيا. ليس لأن بشرتهم بيضاء طبيعية خلافاً لبشرة أهل الصعيد القمحية والسمراء. وإنما بسبب تراكم الغبار الأبيض الناتج من حجارة المحاجر. علي وجوههم الغضة.. مئات الأطفال وربما آلاف يعملون بقطاع المحاجر يومياً في وظيفة أشبه بالسخرة. تغتال طفولتهم وحقهم في اللعب واللهو والدراسة. المنيا تشتهر بتوافر المواد الخام الموجودة بالصحراء الشرقية والتي تمتد بطول 300 كيلومتر مربع. وتستخدم تلك المواد في كثير من الصناعات المختلفة مثل البناء والأدوية والرخام وغيرها. وتعتبر المحاجر من أحد أهم مصادر التنمية وزيادة الدخل ليس فقط في قري شرق النيل التي يعمل سكانها وأطفالها في المحاجر بل علي مستوي المحافظة. قري شرق النيل مهملة ولا تعرف معني التنمية.. وأطفالها لا يعرفون معني الطفولة حيث يخرجون إلي سوق العمل مبكراً للإنفاق علي أفراد العائلة. أكثر من 10 قري وهي: زواية سلطان وجبل الطير وسواد ونزلة عبيد ونزلة حسين ونزلة فرج الله وطهنا الجبل والحوارتة والدوادية ويتعرض أطفالها للموت بين الأحجار داخل المحاجر. ناهيك عن الأمراض التنفسية. ليس هناك من يفكر في مصير هؤلاء الأطفال حتي أولياء أمورهم يؤكدون أن الفقر هو السبب الأول في الدفع بهم للعمل خاصة مع تدني المستوي الاقتصادي لأسرهم. يتراوح أجر الطفل اليومي بين 25 و 30 جنيهاً وهو مبلغ مغر يؤدي إلي ترك هؤلاء الأطفال لدراستهم حيث يعملون بين المناشير وكابلات الكهرباء المكشوفة وتحدث بهم إصابات وعاهات مستديمة ويصابون بأمراض مزمنة وذلك بحجة البحث عن لقمة العيش.. وهي الحجة التي تدفعهم إلي شرب المياه الملوثة بالأتربة وسوء التغذية وتعرضهم لأشعة الشمس الحارقة. تبدأ رحلة الشقاء اليومية في مطلع كل فجر من مكان تجمع هؤلاء الأطفال عن كوبري الشرفاء بسيارات الربع نقل لنقلهم إلي حضن الجبل ويصل عدد الأطفال إلي حوالي 30% من إجمالي العمالة الموجودة بالجبل. ويتحدث الأطفال عن السنارة التي تتسبب في أغلب حالات الموت وهي عبارة عن سويتش بدائي لنقل الكهرباء من المحول إلي المحجر يستخدمه أصحاب المحاجر بدلاً من شراء لوحة مفاتيح وفيوزات آمنة. والسنارة عبارة عن لوح خشب مثبت علي قائمتين من الحديد يتم توصيلهما بمولد كهرباء للمحجر ويقوم العامل بتوصيل هلب يشبه السنارة بأسلاك الماكينات في المسامير المثبتة علي اللوح الخشبي وأي خطأ لو كان بسيطاً يعرض العامل لصعق الكهرباء وخصوصاً في أيام الشتاء للندي الذي يتساقط في الصباح الباكر. وتحدث وفيات كثيرة بسبب السنارة وهذا بخلاف إصابات مناشير الحجر وغيرها من مخاطر الجبل. يقول أحد الأطفال ويدعي محمد صلاح لا يتعدي 12 عاماً- تركت المدرسة وخرجت لمساعدة أسرتي بعد وفاة والدي.. أبدء العمل من الساعة 6 صباحاً حتي المغرب يومياً. وأضاف زميله حسن أحمد حسن سكان قري شرق النيل الأطفال العاملون في المحاجر يتراوح أعمارهم بين 10 و 15 سنة ويعولون أسرهم إعالة كاملة وهناك أسر كثيرة محتاجة. تقول أم محمد- رغم مخاطر المحاجر إلا أن ابنها الأصغر يعمل بها قائلة: من العوزة يطلعوا يشتغلوا ولو قعد مش هنقدر نعيش ومش هنلاقي نأكل. هناك مؤسسات مجتمع مدني وجمعيات أهلية بالمنيا مهتمة بقضية أطفال المحاجر ويطالبون بمنع عمالة الأطفال الأقل من 18 عاماً خاصة في المحاجر لكن جهودهم لم تكلل بالنجاح بعد. حسام وصفي مدير أحد مشروعات أطفال المحاجر بمؤسسة وادي النيل بالمنيا يقول: الأطفال معرضون يومياً للخطورة بسبب حوادث المحاجر إما بالموت أو بالإصابة العاهات المستديمة. ويبلغ عدد الضحايا حوالي 3 حالات أسبوعياً أو أكثر. أضاف أن المؤسسة تواجه صعوبة في حصر حالات الإصابة والوفيات لأنه في الغالب لا أحد يقدم بلاغاً ضد أصحاب المحاجر في حالة وقوع ضحايا وهم يدفعون التعويضات لأسر الضحايا غالباً لإسكاتهم. أضاف: انعدام وعي الأسر بهذه القري التي يعمل أبناؤها بالمحاجر السبب في تفشي هذه المهن. أشار إلي أن المؤسسة تحاول جاهدة منع خروج الأطفال للعمل بالمحاجر من خلال صرف قروض للأسر مع الحصول علي تعهد من أسرته بعدم خروجه للعمل بالمحاجر مرة أخري ولكن في الغالب يرجع كثير من الأطفال للعمل بسبب ارتفاع الأجر اليومي الذي يتقاضاه ويصل في بعض الأحيان إلي 50 جنيهاً يومياً. يطالب أعضاء منظمات المجتمع المدني بتدخل وزارة القوي العاملة ووزارة التضامن بالمساعدة في هذه الكارثة الإنسانية.