جامعة بنها الأهلية ضمن أفضل الجامعات الخضراء عالمياً    الجمعية العمومية لنقابة المحامين تقرر زيادة المعاشات وتناقش تطوير الخدمات النقابية    وزير الاتصالات يفتتح مكتب بريد المنصورة الرئيسي بعد تطويره    جولد بيليون: الذهب العالمي يتحرك في 100 دولار خلال أسبوع    وزير الاتصالات ومحافظ الدقهلية يتفقدان موقع تنفيذ شبكة الفايبر المعلق بالمنصورة    وزير الخارجية التركي لرويترز: يجب تشكيل إدارة فلسطينية وقوة شرطة في غزة    الشرع: قاتلت لأكثر من 20 عاما على جبهات متعددة ولم أستهدف مدنيا في أي معركة    ماريسكا يعلن تشكيل تشيلسي أمام بورنموث في البريميرليج    مرموش بديلا.. هالاند يقود تشكيل مانشستر سيتي أمام سندرلاند    لأول مرة.. توافر الكتب المدرسية بنسبة 100% منذ اليوم الأول للدراسة    المخرج خالد جلال يشيد بفيلم "الست": منى زكي مبهرة ومؤثرة في الأرواح    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    بالصور.. مياه الأمطار تغرق شوارع الغردقة.. والأمن يحذر السائقين    مواعيد مباريات دوري كرة السلة على الكراسي المتحركة    روشتة أحمد زكي لتجسيد السير الذاتية.. دروس خالدة من زمن الفن الجميل    السفيرة الأمريكية تلتقي أصحاب البازارات السياحية عقب جولتها بمعبد خنوم في إسنا    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    موعد مباراة أتلتيكو مدريد ضد أتلتيك بلباو والقناة الناقلة    احذر.. الإفراط في فيتامين C قد يصيبك بحصى الكلى    الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تدمير مواقع الطاقة والبنية التحتية بأوكرانيا    الشرع: إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من ألف غارة ونفذت 400 توغل في أراضيها    شارك بروايتك في جائزة نجيب محفوظ بمعرض الكتاب 2026.. والجائزة 500 ألف جنيه    خمسة قتلى بينهم جندي في اشتباك حدودي جديد بين أفغانستان وباكستان    15 ديسمبر.. آخر موعد للتقدم لمسابقة "فنون ضد العنف" بجامعة بنها    المرحلة النهائية للمبادرة الرئاسية «تحالف وتنمية»: قبول مبدئي ل9 تحالفات استعدادًا لتوقيع البروتوكولات التنفيذية    الإعلان التشويقى لفيلم "القصص" قبل عرضه فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى الدولى    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    إنفوجراف|حصاد منظومة الشكاوى الحكومية خلال نوفمبر 2025    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    وزير الخارجية يكشف تفاصيل العلاقات مع قطر والصفقات الاقتصادية    الزراعة توزع أكثر من 400 "فراطة ذرة" مُعاد تأهيلها كمنح لصغار المزارعين    وزير الصحة يعقد مؤتمراً صحفيًا غداً الأحد للإعلان عن الوضع الوبائي والإصابات التنفسية    وزير الخارجية القطري: استقرار قطاع غزة المدمر لن يتم إلا حال الانسحاب الإسرائيلي الكامل    أول تعليق من بيطري الشرقية على ظهور تماسيح صغيرة داخل مصرف مائي بالزوامل    بعد الإعلان عن عرضه 31 ديسمبر.. أزمة فيلم الملحد تتجه للنهاية    رئيس مصلحة الجمارك: لا رسوم جديدة على المستوردين مع تطبيق نظام ACI على الشحنات الجوية يناير المقبل    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    مدرب سوريا: مباراة فلسطين صعبة وتركيزنا على حسم التأهل فى كأس العرب    رانيا المشاط: الالتزام بسقف الاستثمارات عند تريليون جنيه العام الماضي فتح المجال لمزيد من استثمارات القطاع الخاص    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    وزير الأوقاف يعلن عن أسماء 72 دولة مشاركة في مسابقة القرآن الكريم    حارس بتروجت: تتويج بيراميدز بإفريقيا "مفاجأة كبيرة".. ودوري الموسم الحالي "الأقوى" تاريخيا    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    اليوان الصيني يسجل 6.73 للبيع في البنك المركزي بمنتصف تعاملات اليوم    شهر و 5 أيام إجازة نصف العام لهؤلاء الطلاب.. اعرف التفاصيل    محافظ الشرقية يتابع الموقف التنفيذي لسير أعمال إنشاء مجمع مواقف مدينه منيا القمح    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    وزير الأوقاف: مصر قبلة التلاوة والمسابقة العالمية للقرآن تعكس ريادتها الدولية    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    التخصصات المطلوبة.. ما هي شروط وطريقة التقديم لوظائف وزارة الكهرباء؟    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    بيراميدز يسعى لمواصلة انتصاراته في الدوري على حساب بتروجت    وزير الري يتابع أعمال حماية الشواطئ المصرية للتعامل مع التأثيرات السلبية لتغير المناخ    لاعب بلجيكا السابق: صلاح يتقدم في السن.. وحصلنا على أسهل القرعات    استكمال محاكمة 32 متهما في قضية اللجان المالية بالتجمع.. اليوم    بعتيني ليه تشعل الساحة... تعاون عمرو مصطفى وزياد ظاظا يكتسح التريند ويهيمن على المشهد الغنائي    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص كلمة «شيخ الأزهر» في احتفال «الأوقاف» بالمولد النبوي
نشر في فيتو يوم 22 - 12 - 2015

قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في حفل وزارة الأوقاف، بالمولد النبوي الشريف، والذي أقيم اليوم بمركز المؤتمرات:
"بدايةِ كَلمتي يُسعدني أن أتقدَّمَ إليكم -سيادةَ الرَّئيسِ- ولشعبِ مصرَ، والأُمَّتينِ: العربيَّةِ والإسلاميَّةِ: شُعوبًا وحُكَّامًا، بأَطيبِ التَّهاني بحُلولِ ذِكرَى مَولِدِ خَيرِ النَّاسِ وأَعظَمِهم، وأَرحَمِهم وأَنبَلِهم، سَيِّدِنا محمَّدٍ صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه، وعلى إِخوانِه منَ الأنبياءِ والمرسلينَ.
وأضاف الطيب: "يَسُرُّني أن أَتقدَّمَ لإخوتِنا المسيحيِّينَ في مصرَ والعالَمِ كُلِّهِ: شَرقِهِ وغَربِهِ، بِأطيَبِ التَّهَانِي بذِكرى ميلادِ نَبيِّ المحبَّةِ والمودَّةِ والسَّلامِ، سيِّدِنا عيسى بنِ مَريمَ، سلامُ اللهِ وتَحيَّاتُه عليه، يَومَ وُلِدَ، ويَومَ يَموتُ، ويَومَ يُبعَثُ حَيًّا".
وتابع: "إنَّ لَمِن بَشائرِ الخَيرِ، وعَلائمِ اليُمنِ وأَماراتِ الفَأْلِ الحَسَنِ: أَن نُوَدِّعَ عامَنا هذا، ونَستقبِلَ بعدَ أيَّامٍ مَعدوداتٍ، عامَنا الجديدَ في ظِلالِ هاتينِ المناسَبتينِ الكَريمتينِ، وما تَبعَثانِهِ في نُفوسِ المسلمينَ والمسيحيينَ مِن نَفَحاتِ الأَملِ في عامٍ جديدٍ، وغَدٍ مُشرِقٍ، حافِلٍ -بإذنِ اللهِ-بالإخاءِ، والوَلاءِ للوطنِ، وبَذلِ المزيدِ منَ الجُهدِ والعملِ والعَرَقِ، لترسيخ الاستقرارِ، وتَحقيقِ الخيرِ والنَّماءِ والتَّقَدُّمِ، والوُقوفِ في مواجَهَةِ الإرهابِ وجماعاتِ العُدوانِ المسَلَّحِ على البِلادِ والعِبادِ.
وتابع "أَيُّها الحَفلُ الكريمُ!...يَصعُبُ كَثيرًا،بل يَستَحيلُ،على المتَأمِّلِ في تاريخِ نَبيِّ الإسلامِ أن يُلِمَّ بسيرتِهِ العَطِرَةِ في جِلسَةٍ، أو مُحاضَرَةٍ واحدةٍ، أو يَعرِضَ لجانِبٍ واحدٍ من جَوانبِ عَظَمَتِه الإنسانيَّةِ والنَّبويَّةِ؛ وذلكَ لأنَّ حياةَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم هي صورةٌ مُجَسَّدَةٌ للإنسانِ الكاملِ، والشَّخصيَّةِ العظيمةِ، في شَتَّى وُجوهِها وجَميعِ أَنحائِها، إذ تَفَرَّدَ تاريخُه صلى الله عليه وسلم بأنْ سُجِّلَ في كُتبِ التَّاريخِ والسِّيَرِ تَسجيلًا دَقيقًا، حتَّى لم تعُدْ تخفَى علينا خافيةٌ في طفولتِه أو شبابِه أو شمائلِه الخِلْقيةِ وصفاته الخُلُقيةِ، وأكادُ أقولُ: بل وكلّ حركَاتِه وسكناتِه، كلُّ ذلك سطره المؤرِّخون في أكثرَ مِن مائةِ بابٍ مِن أبوابِ السِّيرةِ والتاريخِ، سرَدُوا فيها أحوالَه، وأحصَوْا فيها أنماطَ سلوكِه وتصرُّفاتِه في العاداتِ والمعاملاتِ والعباداتِ، وهذا أمرٌ لم نعهَدْه في تاريخِ عظيمٍ مِن العظماءِ غيرِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وأردف: "قد كانَتْ هذه العظمةُ الواسعةُ، في هذه الشَّخصيةِ الواسعةِ، مصدرَ نورٍ وهدايةٍ للحَيارَى والتَّائهينَ، ومنبعَ قدوةٍ وأُسوةٍ لكلِّ مُستشرِفٍ لمعنًى من معاني الحقِّ والخيرِ والجمالِ".
وتابع: "لقد جسَّدَتِ الذاتُ المحمَّديةُ «الأُسوةَ الصالحةَ والمنهجَ الأعلى للحياةِ الإنسانيةِ في جميعِ أطوارِها؛ لأنَّها جمَعَت بينَ الأخلاقِ العاليةِ، والعاداتِ الحسنةِ، والعواطفِ النَّبيلةِ المعتدلةِ، والنَّوازعِ العظيمةِ القويمةِ».
وأوضح الإمام أن الغنيُّ الثَّريُّ لا يَعدَمُ الأُسوةَ بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وهو يروحُ ويغدُو بقوافلِ التِّجارةِ بينَ الحجازِ والشامِ، والفقيرُ المُعدِمُ لا تفوتُه الأُسوةُ بهصلى الله عليه وسلم بعد أن صدَعَ بأمرِ اللهِ وحَمَلَ رسالةَ الدِّينِ، وتخفَّفَ مِنَ الدُّنيا، حتَّى صحَّ مِن سيرتِهصلى الله عليه وسلمأنَّه خَرَجَ مِن الدنيا ولم يشبَعْ مِن خُبزِ الشَّعيرِ، وكذلكَ يتأسى به القائد منصرًا كان أو منهزمًا، وكذلكَ التاجرُ والعاملُ، وقُلْ مثلَ ذلك في المعلِّمِ والمتعلِّمِ والصَّغيرِ والشَّابِّ والكبيرِ والأبِ والزَّوجِ والصَّديقِ، واليتيمِ والمتألِّمِ والمهمومِ والمحزونِ والصَّحيحِ والمريضِ وغيرِهم.
وأوضح أن كلُّ هؤلاءِ وأمثالُهم يجِدونَ في سيرتِه صلى الله عليه وسلمالقُدوةَ والأُسوةَ، أو التَّسليةَ والعَزاءَ، ويرونَ في شخصِه العظيمِ الأُنموذجَ والمثالَ.
وأوضح أنه لا عجبَ في ذلكَ بعدَ أن اختارَه اللهُ مجمعَ الكمالاتِ الإنسانيةِ، والحقائقِ الإيمانيةِ، وقالَ فيه: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ {النساء: 80}، وقال: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ {آل عمران: 31}، بل قال ما هو أبعدُ مِن ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ {الفتح: 10}.
وتابع: "اليومَ، ونحنُ نَحتَفِلُ بمولِدِ هذا الرسولِ الكريمِ؛ نشعُرُ بأننا في أمَسِّ الحاجَةِ إلى تجديدِ حياتِنا في شَتَّى مَناحِيها: الشخصيَّةِ والاجتماعيَّةِ والإنسانيَّةِ، على هَدْيٍ مِن الأخلاقِ المحمديَّةِ، وأَن نلتَمِسَ في رياضِها عِلاجًا للأَزَماتِ التي تمرُّ بها أمتُنا العربيَّةُ والإسلاميَّةُ، وبَدَتْ سُحُبُها السَّوْداءُ تتجمَّعُ في الآفاقِ، وتُنذِرُ بأَوْخَم ِالعواقِبِ".
وأوضح أنه لا يَصلُحُ آخِرُ هذه الأمَّةِ إلا بما صَلَحَ به أولُها، وأولُ ما صَلَحَ به أمرُ الأمَّةِ هو تأسيسُ وَحدتِها على أساسٍ مِن الأُخوَّةِ الدينيةِ والوطنيةِ، كما هو مَسطورٌ في وثيقةِ المدينةِ المنوَّرةِ ودُستورِها.
وأردف "نحن نَعلَمُ أنَّ صاحِبَ هذه الذِّكرَى قد بُعِثَ في أمَّةٍ وثنيةٍ ممزقة ومُتفرِّقةٍ؛ أمةٌ مُمزقة في عقائدها، حيث اتخذَتْ كلُّ قبيلةٍ منها وَثَنًا خاصًّا تعبُدُه وتتميَّزُ به عن القبائلِ الأخرى، وأمةٌ مُتفرِّقةٌ في نِظامِها الاجتماعيِّ إلى طبقاتٍ تنظُرُ كلٌّ منها إلى الأخرى نظرةَ استعلاءٍ ممزوجٍ بالعَداءِ، وكذلك كانت مُتفرِّقةً في أمرِ حكمها ونظامِها، حيثُ لا حُكومةَ ولا قانونَ، بل عَصَبيَّةٌ قَبَليَّةٌ لا مَكانَ فيها لأُخُوَّةٍ في وطنٍ أو عَقيدةٍ أو عَيْشٍ مُشترَكٍ، اللهُمَّ إلا أُخوَّةَ القبيلةِ، وعقيدةَ الدَّمِ، ومَنطِقَ السَّطْوِ والغَلَبةِ.
وأشار إلى أن هذه الأمَّةُ التائهةُ تحوَّلَتْ على يدِ رسولِ اللهِصلى الله عليه وسلم وأصحابِه بعدَ هِجرتِه للمدينةِ إلى مجتمعٍ مثاليٍّ يقتربُ مِن الجمهورياتِ المثاليَّةِ والمدنِ الفاضِلةِ التي داعَبَتْ أحلامَ الفلاسفةِ وأَخْيِلَتَهم، ومِن العجيبِ أن يَتِمَّ هذا التحوُّلُ مِنَ النَّقيضِ إلى النَّقيضِ في فترةٍ زمنيَّةٍ لم تَزِدْ على عَشْرِ سنينَ! ولم يمرَّ على هذه الأمَّةِ الوليدةِ تسعون عامًا حتى رفرفَتْ أعلامُها بالعدلِ والخيرِ والسلامِ على أقطارِ العالَمِ آنذاكَ مِن الأندلس غربًا إلى الصين شرقًا.
واليومَ، وبعدَ أن ضَعُفَتْ فيما بيننا أواصِرُ الوَحدةِ، وتقطَّعَتْ وشائِجُ الأُخوَّةِ في الدِّينِ وفي العُروبةِ، واستحكَمَتْ نَزَعاتُ العَصَبيَّةِ بين مَذاهِبَ وطوائفَ، طالما تآخَتْ على مَدَى أكثرَ مِن أربعةَ عَشَرَ قرنًا مِن الزمانِ، واستقرَّتْ على التفاهُمِ والتسامُحِ والاحترامِ المتبادَلِ، وبعد أن تنازَعْنا وصار بأسُنا بيننا، واستحَرَّ القتلُ على المذهبِ والطائفةِ والعِرْقِ؛ ليس أمامَنا -بعدَ كلِّ ذلكَ- إلَّا أن نَستَلْهِمَ سِيرةَ صاحِبِ الذِّكرى وهَدْيَه في القضاءِ على العَصَبيَّاتِ والتحزُّباتِ، والخروجِ مِن هذا المأزِقِ الذي لا ندري هل دَخَلْناهُ مُختارِينَ أو مجبورينَ، وبوَعْيٍ أو بدونِ وَعْيٍ؛ وذلكَ حتى لا يتحقَّقَ فينا الوعيد الإلهيُّ، في قولِه تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ {الأنفال: 46}.
وقولهِصلى الله عليه وسلمفي الحديثِ الشَّريفِ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا» قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ». قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».
وانظُرُوا حَضَراتُكُم إلى هَذا التَّصويرِ النَّبويِّ الَّذي يَنطَبِقُ تَمامَ الانطِباقِ على أوضَاعِنا الرَّاهنةِ اليَومَ، فهُناكَ قَصعَةٌ فِيهَا طَعامٌ شَهيٌّ، وهُناكَ جائِعونَ مُتربِّصونَ بهذهِ القَصعَةِ، يَدعُو بَعضُهُم بَعضًا للانقِضَاضِ عليها واقتِسَامِهَا فِيمَا بَينَهُم. ولَو أنَّكَ تَرجَمتَ قَصعَةَ الطَّعامِ في الحديث الشريف بثَرَواتِ العربِ والمسلمينَ المادِّيةِ والفِكريَّةِ والبشريَّةِ لانطَبَقَت الصُّورةُ على واقِعِنا الآنَ تَمامَ الانطِبَاقِ.
نَعَم، لَيسَ أمَامَنَا الآنَ إلَّا أَنْ نَقِفَ إلى جِوارِ دَعَواتِ الوَحْدَةِ والاتحادِ والتَّحالُفِ، وإلا أَنْ نَدعَمَها ونُؤازِرَها، فَهِيَ وَحْدَها -بعدَ اللهِ تَعَالى-الكَفِيلَةُ بإنقَاذِ أُمَّتِنا مِنْ أَزَمَاتِها الخانِقَةِ، هذهِ الأُمَّةُ التي يتوفَّرُ لهَا مِنْ مُقَوِّمَاتِ التَّحَالُفِ والاتحادِ ومصادرِ القوَّةِ ما لَمْ يتوفَّرْ لغيرها مِنْ دُوَلٍ اتَّحدتْ رَغْمَ تبايناتِ اللُّغَةِ والعِرقِ والمذهَبِ والطَّائفةِ، ولعلَّ مِنْ نَفَحاتِ صاحِبِ هذهِ الذِّكرى مَا أَلهمَ اللهُ بِهِ قَادَةَ العَرَبِ والمسلمينَ، وجمَعَ عَلَيهِ قُلُوبَهم مِنْ إعلانِ التَّحالُفِ الإسلاميِّ العَسكريِّ للتَّصَدي للإرهَابِ ولجَمَاعَاتِ العدوان المسلَّح، ونحنُ وإِنْ كُنَّا في الأزهرِ-سِيَادَةَ الرَّئيسِ!- نُؤمنُ بضَرُورةِ التَّصَدِّي العَسكَريِّ والأمني لهذا الوَباءِ الَّذي ابتُلِيَت بِهِ الأُمَّةُ، ونُرَحِّبُ أَوْسَعَ التَّرْحِيبِ بِهذا التَّحَالُفِ الَّذِي نَسْألُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَجْعَلَ عَلَى يَدَيْهِ نِهَايَةَ هَذا الْكَابوسِ الجَاثِمِ عَلَى صُدُورِ النَّاسِ فِي الشَّرْقِ والْغَرْبِ؛ فَإنَّ الأَزْهَرَ –إلى جانبِ ما بَذَلَه ويبذُلُه مِن جُهودٍ في هذا المجالِ- لا يمَلُّ مِن تَكرارِ نِدَائِه وَدَعْوَتِه لِتَحَالُفٍ عَرَبيٍّ إِسْلاميٍّ مِن أحرارِ العلماء والصادِقينَ مِن رِجالِ الفِكرِ، لِمُوَاجَهَةِ الإرهاب بنقض أفكاره، وتفكيك مقولاته فِي أَذْهَانِ ضَحَايَاهُ؛ لِإِيمَانِنَا بِأَنَّ العُدْوَانَ إِذا كَانَ يُواجَهُ بِالسِّلاحِ، فَإِنَّ الْفِكْرَ إِنَّما يُواجَهُ بِالحِوَارِ وَالحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ..
هذا وإنَّ الأزهر في دعوته لوحدة الأُمَّة واتِّحادها يعي جيدًا خصوصيات الأقطار العربية والإسلامية، وإنَّما يدعو إلى وحدة الأهداف العليا والمصالح المشتركة المبنية على التكامل والتشاور وتوحيد الجهود.
ولا يسعني في ختام كلمتي إلَّا أن أتذكر شهداء مصر الذين ضحَّوا بأرواحهم وأنفسهم، وقدّموا أغلى ما يمتلكون دفاعًا عن وطنهم وعن أهليهم، سائلًا المولى سبحانه أن يتقبلهم في عليا الجِنان، وأن يرزق أهلهم وذويهم الصبر والرضا بقضاء الله الذي لا رادّ لقضائه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.