عاجل- استقرار سعر السبيكة الذهبية وزن 5 جرامات اليوم الأحد 19    أسعار الفاكهة في أسواق أسوان اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025    اليوم طقس خريفي مائل للبرودة صباحًا والعظمى بالقاهرة 30 درجة    فاضل 64 يومًا.. الشتاء يبدأ رسميًا 21 ديسمبر ويستمر 88 يومًا و23 ساعة    مصرع شابين في حادث تصادم مأساوي بطريق قليوب قرب مزلقان العادلي    رئيس «تصديري الحاصلات الزراعية»: النباتات الطبية والعطرية أهم القطاعات التصديرية الواعدة (صور)    شرطة نيويورك: متظاهرون كثيرون يشاركون في الاحتجاجات    «الخارجية» تنظم ندوة بمناسبة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    سعر الدولار الآن أمام الجنيه بالبنك المركزي المصري والبنوك الأخرى قبل بداية تعاملات الأحد 19 أكتوبر 2025    محافظ الجيزة يتابع التزام مواقف سيارات السرفيس والنقل بالتعريفة الجديدة    موعد بدء امتحانات نصف العام واختبارات شهر أكتوبر 2025    أطول تلاتة في الجونة.. احمد مجدي يمازح أحمد السعدني وخالد سليم    بافرح لما راجل يديني مصحف.. منة شلبي: «الساحر» نقطة تحول في حياتي.. ولا اعترف بلقب النجمة    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    نقيب الصحفيين: بلاغ لوزير الداخلية ووقائع التحقيق مع الزميل محمد طاهر «انتهاك صريح لقانون النقابة»    خالد الغندور: بيراميدز زعيم القارة الأفريقية بلا منازع واستعاد هيبة دوري الأبطال    بوني يقود إنتر لانتصار ثمين على روما في كلاسيكو الكالتشيو    أحمد سعد يغادر إلى ألمانيا بطائرته الخاصة استعدادًا لحفله المنتظر    أحمد العوضي يدخل قلوب الجمهور بعد استجابته لحلم طفلة محاربة للسرطان: "أوامرك يا ليلى"    فتح فصل ثانوي مزدوج جديد لتخصص استخلاص وتصنيع الزيوت النباتية في مطروح    وفاة ضابط شرطة في حادث مأساوي على طريق الإسماعيلية الصحراوي    زيلينسكي: ترامب لم يعطني ردًا حاسمًا لصواريخ توماهوك    «العمل العربية» تشارك في الدورة ال72 للجنة الإقليمية بالصحة العالمية    التعليم توضح الفئات المستفيدة من أجهزة التابلت 2025-2026.. من هم؟ (إجراءات وضوابط التسليم)    رئيس مصلحة الجمارك يتفقد قرية البضائع بمطار القاهرة    توابع زيادة البنزين، ارتفاع جديد في أسعار الجبن الأبيض والرومي والشيدر بالأسواق    وزارة السياحة والآثار تنفي التقدّم ببلاغ ضد أحد الصحفيين    موعد مباراة منتخب المغرب ضد الأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب والقنوات الناقلة    شبانة: أداء اليمين أمام مجلس الشيوخ مسئولية لخدمة الوطن والمواطن    عملوها الرجالة.. منتخب مصر تتوج بكأس العالم للكرة الطائرة جلوس    نتنياهو يعلن نيته الترشح مجددًا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    مصرع عروسين اختناقًا بالغاز داخل شقتهما ليلة الزفاف بمدينة بدر    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    أتلتيكو مدريد ينتصر على أوساسونا بالدوري    زيكو: بطولتي الاولى جاءت أمام فريق صعب ودائم الوصول للنهائيات    إصابة 10 أشخاص بينهم أطفال في هجوم كلب مسعور بقرية سيلا في الفيوم    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    اتحاد الكرة يهنئ نادي بيراميدز بعد التتويج بكأس السوبر الإفريقي    مكافأة على سجله الأسود بخدمة الانقلاب .. قاضى الإعدامات المجرم "عصام فريد" رئيسًا ل"مجلس شيوخ العسكر" ؟!    ذات يوم مع زويل    الخارجية الأميركية تزعم نية حماس شن هجوم واسع ضد مواطني غزة وتحذر من انتهاك وقف إطلاق النار    وائل جسار: فخور بوجودي في مصر الحبيبة وتحية كبيرة للجيش المصري    ياسر جلال: أقسم بالله السيسي ومعاونوه ناس بتحب البلد بجد وهذا موقف الرئيس من تقديم شخصيته في الاختيار    المستشار الألماني: الاتحاد الأوروبي ليس في وضع يسمح له بالتأثير على الشرق الأوسط حتى لو أراد ذلك    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    الاحتلال يشن حملة مداهمات واعتقالات في الضفة الغربية    لا مزيد من الإحراج.. طرق فعالة للتخلص من رائحة القمامة في المطبخ    الطعام جزء واحد من المشكلة.. مهيجات القولون العصبي (انتبه لها)    فوائد شرب القرفة باللبن في المساء    أتلتيكو مدريد يتخطى أوساسونا في الدوري الإسباني    أخبار 24 ساعة.. زيادة مخصصات تكافل وكرامة بنسبة 22.7% لتصل إلى 54 مليار جنيه    برج الثور.. رمز القوة والثبات بين الإصرار والعناد    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    أعضاء مجلس الشيوخ يؤدون اليمين الدستورية.. اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الأزهر يدعو لتحالف عربي إسلامي لمواجهة الإرهاب
خلال كلمته في الاحتفالية بالمولد النبوي..

دعا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لِتَحَالُفٍ عَرَبيٍّ إِسْلاميٍّ مِن أحرارِ العلماء والصادِقينَ مِن رِجالِ الفِكرِ، لِمُوَاجَهَةِ الإرهاب بنقض أفكاره، وتفكيك مقولاته فِي أَذْهَانِ ضَحَايَاهُ؛ إِيمَانِنَا بِأَنَّ العُدْوَانَ إِذا كَانَ يُواجَهُ بِالسِّلاحِ، فَإِنَّ الْفِكْرَ إِنَّما يُواجَهُ بِالحِوَارِ وَالحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ،معلنا تأييد الأزهر للتحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب.
جاء ذلك في كلمته بمناسبة المولد النبوي الشريف بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي.
استهل شيخ الأزهر كلمته بقوله :الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على سيِّدِنا ومَولانا محمَّدٍ وعلىآلِهوصحبِه. وبعدُ؛
سيادةَ الرَّئيسِ عبد الفتاح السيسي-رئيس جمهوريَّةِ مصرَ العربيَّةِ-حفِظَهُ اللهُ ورَعاهُ
الحَفلُ الكريمُ!
السَّلامُ عَليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
في بدايةِ كَلمتي يُسعدني أن أتقدَّمَ إليكم -سيادةَ الرَّئيسِ! - ولشعبِ مصرَ، والأُمَّتينِ: العربيَّةِ والإسلاميَّةِ: شُعوبًا وحُكَّامًا، بأَطيبِ التَّهاني بحُلولِ ذِكرَى مَولِدِ خَيرِ النَّاسِ وأَعظَمِهم، وأَرحَمِهم وأَنبَلِهم، سَيِّدِنا محمَّدٍ صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه، وعلى إِخوانِه منَ الأنبياءِ والمرسلينَ.
كما يَسُرُّني أن أَتقدَّمَ لإخوتِنا المسيحيِّينَ في مصرَ والعالَمِ كُلِّهِ: شَرقِهِ وغَربِهِ،بِأطيَبِ التَّهَانِي بذِكرى ميلادِ نَبيِّ المحبَّةِ والمودَّةِ والسَّلامِ، سيِّدِنا عيسى بنِ مَريمَ،سلامُ اللهِ وتَحيَّاتُه عليه، يَومَ وُلِدَ، ويَومَ يَموتُ، ويَومَ يُبعَثُ حَيًّا.
وإنَّهُ لَمِن بَشائرِ الخَيرِ، وعَلائمِ اليُمنِ وأَماراتِ الفَأْلِ الحَسَنِ: أَن نُوَدِّعَ عامَنا هذا، ونَستقبِلَ بعدَ أيَّامٍ مَعدوداتٍ، عامَنا الجديدَ في ظِلالِ هاتينِ المناسَبتينِ الكَريمتينِ، وما تَبعَثانِهِ في نُفوسِ المسلمينَ والمسيحيينَ مِن نَفَحاتِ الأَملِ في عامٍ جديدٍ، وغَدٍ مُشرِقٍ، حافِلٍ -بإذنِ اللهِ-بالإخاءِ، والوَلاءِ للوطنِ، وبَذلِ المزيدِ منَ الجُهدِ والعملِ والعَرَقِ، لترسيخ الاستقرارِ، وتَحقيقِ الخيرِ والنَّماءِ والتَّقَدُّمِ، والوُقوفِ في مواجَهَةِ الإرهابِ وجماعاتِ العُدوانِ المسَلَّحِ على البِلادِ والعِبادِ.
.. .. ..
أَيُّها الحَفلُ الكريمُ!
يَصعُبُ كَثيرًا،بل يَستَحيلُ،على المتَأمِّلِ في تاريخِ نَبيِّ الإسلامِ أن يُلِمَّ بسيرتِهِ العَطِرَةِ في جِلسَةٍ، أو مُحاضَرَةٍ واحدةٍ، أو يَعرِضَ لجانِبٍ واحدٍ من جَوانبِ عَظَمَتِه الإنسانيَّةِ والنَّبويَّةِ؛ وذلكَ لأنَّ حياةَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم هي صورةٌ مُجَسَّدَةٌ للإنسانِ الكاملِ، والشَّخصيَّةِ العظيمةِ، في شَتَّى وُجوهِها وجَميعِ أَنحائِها، إذ تَفَرَّدَ تاريخُه صلى الله عليه وسلم بأنْ سُجِّلَ في كُتبِ التَّاريخِ والسِّيَرِ تَسجيلًا دَقيقًا، حتَّى لم تعُدْ تخفَى علينا خافيةٌ في طفولتِه أو شبابِه أو شمائلِه الخِلْقيةِ وصفاته الخُلُقيةِ، وأكادُ أقولُ: بلوكلّ حركَاتِه وسكناتِه، كلُّ ذلك سطره المؤرِّخون في أكثرَ مِن مائةِ بابٍ مِن أبوابِ السِّيرةِ والتاريخِ، سرَدُوا فيها أحوالَه، وأحصَوْا فيها أنماطَ سلوكِه وتصرُّفاتِه في العاداتِ والمعاملاتِ والعباداتِ، وهذا أمرٌ لم نعهَدْه في تاريخِ عظيمٍ مِن العظماءِ غيرِ محمَّدٍ .
وقد كانَتْ هذه العظمةُ الواسعةُ، في هذه الشَّخصيةِ الواسعةِ، مصدرَ نورٍ وهدايةٍ للحَيارَى والتَّائهينَ، ومنبعَ قدوةٍ وأُسوةٍ لكلِّ مُستشرِفٍ لمعنًى من معاني الحقِّ والخيرِ والجمالِ.
ولقد جسَّدَتِ الذاتُ المحمَّديةُ «الأُسوةَ الصالحةَ والمنهجَ الأعلى للحياةِ الإنسانيةِ في جميعِ أطوارِها؛ لأنَّها جمَعَت بينَ الأخلاقِ العاليةِ، والعاداتِ الحسنةِ، والعواطفِ النَّبيلةِ المعتدلةِ، والنَّوازعِ العظيمةِ القويمةِ».
فالغنيُّ الثَّريُّ لا يَعدَمُ الأُسوةَ بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وهو يروحُ ويغدُو بقوافلِ التِّجارةِ بينَ الحجازِ والشامِ، والفقيرُ المُعدِمُ لا تفوتُه الأُسوةُ به بعد أن صدَعَ بأمرِ اللهِ وحَمَلَ رسالةَ الدِّينِ، وتخفَّفَ مِنَ الدُّنيا، حتَّى صحَّ مِن سيرتِه أنَّه خَرَجَ مِن الدنياولم يشبَعْ مِن خُبزِ الشَّعيرِ. وكذلكَ يتأسى به القائد منصرًا كان أو منهزمًا، وكذلكَ التاجرُ والعاملُ، وقُلْ مثلَ ذلك في المعلِّمِ والمتعلِّمِ والصَّغيرِ والشَّابِّ والكبيرِ والأبِ والزَّوجِ والصَّديقِ، واليتيمِ والمتألِّمِ والمهمومِ والمحزونِ والصَّحيحِ والمريضِ وغيرِهم.
فكلُّ هؤلاءِ وأمثالُهم يجِدونَ في سيرتِه صاى الله عليه وسلم القُدوةَ والأُسوةَ، أو التَّسليةَ والعَزاءَ، ويرونَ في شخصِه العظيمِ الأُنموذجَ والمثالَ.
ولا عجبَ في ذلكَ بعدَ أن اختارَه اللهُ مجمعَ الكمالاتِ الإنسانيةِ،والحقائقِ الإيمانيةِ، وقالَ فيه:﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾{النساء: 80}، وقال: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾{آل عمران: 31}، بل قال ما هو أبعدُ مِن ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾{الفتح: 10}.
واليومَ، ونحنُ نَحتَفِلُ بمولِدِ هذا الرسولِ الكريمِ؛ نشعُرُ بأننا في أمَسِّ الحاجَةِ إلى تجديدِ حياتِنا في شَتَّى مَناحِيها: الشخصيَّةِ والاجتماعيَّةِ والإنسانيَّةِ، على هَدْيٍ مِن الأخلاقِ المحمديَّةِ، وأَن نلتَمِسَ في رياضِها عِلاجًا للأَزَماتِ التي تمرُّ بها أمتُنا العربيَّةُ والإسلاميَّةُ، وبَدَتْ سُحُبُها السَّوْداءُ تتجمَّعُ في الآفاقِ، وتُنذِرُ بأَوْخَمِالعواقِبِ..
ومَرَّةً أخرى: لا يَصلُحُ آخِرُ هذه الأمَّةِ إلا بما صَلَحَ به أولُها، وأولُ ما صَلَحَ به أمرُ الأمَّةِ هو تأسيسُ وَحدتِها على أساسٍ مِن الأُخوَّةِ الدينيةِ والوطنيةِ، كما هو مَسطورٌ في وثيقةِ المدينةِ المنوَّرةِ ودُستورِها.
ونحنُ نَعلَمُ أنَّ صاحِبَ هذه الذِّكرَى قد بُعِثَ في أمَّةٍ وثنيةٍ ممزقةومُتفرِّقةٍ؛ أمةٌ مُمزقة في عقائدها، حيث اتخذَتْ كلُّ قبيلةٍ منها وَثَنًا خاصًّا تعبُدُه وتتميَّزُ به عن القبائلِ الأخرى، وأمةٌ مُتفرِّقةٌ في نِظامِها الاجتماعيِّ إلى طبقاتٍ تنظُرُ كلٌّ منها إلى الأخرى نظرةَ استعلاءٍ ممزوجٍ بالعَداءِ، وكذلك كانت مُتفرِّقةً في أمرِ حكمها ونظامِها، حيثُ لا حُكومةَ ولا قانونَ، بل عَصَبيَّةٌ قَبَليَّةٌ لا مَكانَ فيها لأُخُوَّةٍ في وطنٍ أو عَقيدةٍ أو عَيْشٍ مُشترَكٍ، اللهُمَّ إلا أُخوَّةَ القبيلةِ، وعقيدةَ الدَّمِ، ومَنطِقَ السَّطْوِ والغَلَبةِ.
هذه الأمَّةُ التائهةُ تحوَّلَتْ على يدِ رسولِ اللهِ وأصحابِه بعدَ هِجرتِه للمدينةِ إلى مجتمعٍ مثاليٍّ يقتربُ مِن الجمهورياتِ المثاليَّةِ والمدنِ الفاضِلةِ التي داعَبَتْ أحلامَ الفلاسفةِ وأَخْيِلَتَهم، ومِن العجيبِ أن يَتِمَّ هذا التحوُّلُ مِنَ النَّقيضِ إلى النَّقيضِ في فترةٍ زمنيَّةٍ لم تَزِدْ على عَشْرِ سنينَ! ولم يمرَّ على هذه الأمَّةِ الوليدةِ تسعون عامًا حتى رفرفَتْ أعلامُها بالعدلِ والخيرِ والسلامِ على أقطارِ العالَمِ آنذاكَ مِن الأندلس غربًا إلى الصين شرقًا.
واليومَ، وبعدَ أن ضَعُفَتْ فيما بيننا أواصِرُ الوَحدةِ، وتقطَّعَتْ وشائِجُ الأُخوَّةِ في الدِّينِ وفي العُروبةِ، واستحكَمَتْ نَزَعاتُ العَصَبيَّةِ بين مَذاهِبَ وطوائفَ، طالما تآخَتْ على مَدَى أكثرَ مِن أربعةَ عَشَرَ قرنًا مِن الزمانِ، واستقرَّتْ على التفاهُمِ والتسامُحِ والاحترامِ المتبادَلِ، وبعد أن تنازَعْنا وصار بأسُنا بيننا، واستحَرَّ القتلُ على المذهبِ والطائفةِ والعِرْقِ؛ ليس أمامَنا -بعدَ كلِّ ذلكَ- إلَّا أن نَستَلْهِمَ سِيرةَ صاحِبِ الذِّكرى وهَدْيَه في القضاءِ على العَصَبيَّاتِ والتحزُّباتِ، والخروجِ مِن هذا المأزِقِ الذي لا ندري هل دَخَلْناهُ مُختارِينَ أو مجبورينَ، وبوَعْيٍ أو بدونِ وَعْيٍ؛ وذلكَ حتى لا يتحقَّقَ فينا الوعيد الإلهيُّ، في قولِه تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾{الأنفال: 46}.
وقولهِ عليه الصلاة والسلام في الحديثِ الشَّريفِ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا» قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ». قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِوَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».
وانظُرُوا حَضَراتُكُم إلى هَذا التَّصويرِ النَّبويِّ الَّذي يَنطَبِقُ تَمامَ الانطِباقِ على أوضَاعِنا الرَّاهنةِ اليَومَ، فهُناكَ قَصعَةٌ فِيهَا طَعامٌ شَهيٌّ، وهُناكَ جائِعونَ مُتربِّصونَ بهذهِ القَصعَةِ، يَدعُو بَعضُهُم بَعضًا للانقِضَاضِ عليها واقتِسَامِهَا فِيمَا بَينَهُم. ولَو أنَّكَ تَرجَمتَ قَصعَةَ الطَّعامِ في الحديث الشريف بثَرَواتِ العربِ والمسلمينَ المادِّيةِ والفِكريَّةِوالبشريَّةِ لانطَبَقَت الصُّورةُ على واقِعِنا الآنَ تَمامَ الانطِبَاقِ.
نَعَم! لَيسَ أمَامَنَا الآنَ إلَّا أَنْ نَقِفَ إلى جِوارِ دَعَواتِ الوَحْدَةِ والاتحادِ والتَّحالُفِ، وإلا أَنْ نَدعَمَها ونُؤازِرَها، فَهِيَ وَحْدَها -بعدَ اللهِ تَعَالى-الكَفِيلَةُ بإنقَاذِ أُمَّتِنا مِنْ أَزَمَاتِها الخانِقَةِ، هذهِ الأُمَّةُ التي يتوفَّرُ لهَا مِنْ مُقَوِّمَاتِ التَّحَالُفِ والاتحادِ ومصادرِ القوَّةِ ما لَمْ يتوفَّرْ لغيرها مِنْ دُوَلٍ اتَّحدتْ رَغْمَ تبايناتِ اللُّغَةِ والعِرقِ والمذهَبِ والطَّائفةِ، ولعلَّ مِنْ نَفَحاتِ صاحِبِ هذهِ الذِّكرى مَا أَلهمَ اللهُ بِهِ قَادَةَ العَرَبِ والمسلمينَ، وجمَعَ عَلَيهِ قُلُوبَهم مِنْ إعلانِ التَّحالُفِ الإسلاميِّ العَسكريِّ للتَّصَدي للإرهَابِ ولجَمَاعَاتِ العدوان المسلَّح، ونحنُ وإِنْ كُنَّا في الأزهرِ-سِيَادَةَ الرَّئيسِ!- نُؤمنُ بضَرُورةِ التَّصَدِّي العَسكَريِّ والأمني لهذا الوَباءِ الَّذي ابتُلِيَت بِهِ الأُمَّةُ، ونُرَحِّبُ أَوْسَعَ التَّرْحِيبِ بِهذا التَّحَالُفِ الَّذِي نَسْألُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَجْعَلَ عَلَى يَدَيْهِ نِهَايَةَ هَذا الْكَابوسِ الجَاثِمِ عَلَى صُدُورِ النَّاسِ فِي الشَّرْقِ والْغَرْبِ؛ فَإنَّ الأَزْهَرَ –إلى جانبِ ما بَذَلَه ويبذُلُه مِن جُهودٍ في هذا المجالِ- لا يمَلُّ مِن تَكرارِ نِدَائِه وَدَعْوَتِه لِتَحَالُفٍ عَرَبيٍّ إِسْلاميٍّ مِن أحرارِ العلماء والصادِقينَ مِن رِجالِ الفِكرِ، لِمُوَاجَهَةِ الإرهاب بنقض أفكاره، وتفكيك مقولاته فِي أَذْهَانِ ضَحَايَاهُ؛ لِإِيمَانِنَا بِأَنَّ العُدْوَانَ إِذا كَانَ يُواجَهُ بِالسِّلاحِ، فَإِنَّ الْفِكْرَ إِنَّما يُواجَهُ بِالحِوَارِ وَالحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ..
هذا وإنَّ الأزهر في دعوته لوحدة الأُمَّة واتِّحادها يعي جيدًا خصوصيات الأقطار العربية والإسلامية، وإنَّما يدعو إلى وحدة الأهداف العليا والمصالح المشتركة المبنية على التكامل والتشاور وتوحيد الجهود.
ولا يسعني في ختام كلمتي إلَّا أن أتذكر شهداء مصر الذين ضحَّوا بأرواحهم وأنفسهم، وقدّموا أغلى ما يمتلكون دفاعًا عن وطنهم وعن أهليهم، سائلًا المولى سبحانه أن يتقبلهم في عليا الجِنان، وأن يرزق أهلهم وذويهم الصبر والرضا بقضاء الله الذي لا رادّ لقضائه.
وفقكم الله -سيادة الرئيس-لتحقيق آمال مصر والمصريين وحفظكم لمصر، وحفظ مصر بكم، وكل عام وأنتم بخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.