فى حى المطرية،بمحافظة الدقهلية،والذى يوصف بأنه أحد معاقل السلفيين ،نموذج حى ،يؤكد على فكرة التعايش والانسجام بين مسلمى ومسيحيى مصر،ويعكس حالة التواؤم التاريخى بين الجانبين،والتى لن تفلح محاولات المراهقين دينيا وسياسيا فى النيل منها أو ابتزازها. هذا النموذج، الذى قد يراه البعض بسيطا، يقدم دليلا وبرهانا، للذين يبتذلون الدين، أى دين،بأن مصر السلام، مصر المحبة، أقوى بكثير،من سلطان ذوى الجلابيب القصيرة، واللحى الطويلة،والعقول الصغيرة. فلا حديث فى حى المطرية،دائما وأبدا،خاصة فى المناسبات الدينية ،كعيد الفطر،الذى احتفل به المسلمون،الأسبوع الماضى، إلا عن متجر «عم حكيم المسيحى»،الذى يقصده المسلمون، دون غيره بالمنطقة،لرخص أسعاره، ولمعاملة أصحابه لرواده بكل الحب والاحترام.. كان المشهد لافتا مع الأيام الأخيرة من شهر رمضان،بسبب الازدحام على متجر حكيم،الذى يتوسط 4 مساجد،بحى المطرية، ولشهرته ،سميت المنطقة التى تحتضنه باسمه. حضر «عم حكيم» إلى حى المطرية فى عام 1930،وأنشأ متجرا صغيرا،يبيع من خلاله الملابس،ومن بينها ملابس المحجبات،وعُرف عنه منذ البداية،أن «عم حكيم رحيم فى أسعاره»،حيث كان يبيع بضاعته لزبائنه،وجميعهم مسلمون،بأسعار منخفضة،ويعاملهم بكل ود وحب. مع مرور الوقت،بقى متجر «عم حكيم»-على بساطته- شاهدا على وحدة المصريين، وانسجامهم، وتآلفهم، كما لم يفقد رونقه برحيل صاحبه «عم حكيم»،حيث خلف من بعده خلف،ورثوا دماثة أخلاقه وسمعته الطيبة،فظل المتجر مقصدا لأهل الحى وجيرانهم. اللافت أن جميع الفتيات العاملات بالمتجر،مسلمات، محجبات ومنتقبات، وأكدن ل«فيتو» أن أحفاد «عم حكيم» يعاملونهن بالحسنى، ولم تتعرض أى منهن لأى مضايقة، من تلك التى تتعرض لها قريناتهن فى المتاجر التى يملكها مدعو التقوى وملاك الجنة. رشا طه «عاملة بالمتجر»، قالت ل«فيتو»:»أنا أقدم عاملة بالمتجر حاليا،فقد التحقتُ به قبل 10 سنوات،وأشهد الله،أننى لم أجد سوى معاملة طيبة،وإنصافا وعدلا،لم أجدهما فى متاجر ، عملت بها، قبل أن أنتقل إلى هنا». وأضافت:»خلال السنوات العشر،التى عملتها هنا،لم يتأخر راتبى يوما واحدا، ولم أتعرض لظلم، مما جعل العاملات بمتجر حكيم موضع حسد من قريناتهن بالمتاجر الأخرى». «رشا» لفتت إلى أن عدد العاملات بالمتجر اثنتا عشرة فتاة،جميعهن مسلمات،بين محجبات ومنتقبات،ورغم أن عددهن كبير بالنسبة لاحتياجات المتجر،إلا إن أصحابه متمسكون بهن جميعا،ويرددون:»الرزق على الله وليس على البشر،وقد يرزقنا الله بسببكم». وتقسم «أمل حبيشى» ،أنها «زبونة» للمتجر منذ ثلاثين عاماوتشترى احتياجاتها واحتياجات أسرتها منه على خلفية سمعته الطيبة، وقالت : بسبب هذه السمعة،صار مقصدا للكثيرين من خارج حدود المحافظة نفسها. أما سمير أبو حكيم «55 عاما»،فيقول:ورثت أنا وشقيقى «جرجس» هذا المتجرعن جدنا،والتزمنا بمبادئه فى التجارة،حيث غرس فينا منذا الصغر مبدأ مهما وهو:»كن رحيما بالزبون»،فصرنا على منهجه،كما تشربنا منه منذ نعومة أظافرنا،أن المسيحيين والمسلمين،مصريون،وينتمون إلى تراب وطن واحد،يظلنا جميعا. وأضاف:جدى كان يغضب من التاجر الذى يستغل الظروف فيبيع بأسعار مرتفعة،والذى يبيع بضاعة رديئة،وكان دائما وأبدا يوصينا بوصية النبى محمد صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»!! واختتم «سمير حكيم» كلامه مؤكدا ان السمعة الطيبة والعلاقات المحترمة مع الناس كنز لا يضاهيه كنز،لافتا إلى أنه عندما اختطف احد أشقائه، فى الأحداث التى تلت الثورة،وقف معه جيرانه المسلمون وساندوه حتى استرد أخاه سليما معافى.