ليس بأحكام البراءة يمكن أن يغفر الشعب لنظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك مساوئه، إذ قامت ثورة 25 يناير بالأساس ضد الفساد الذي ترعرع في البلاد، لكن يبدو أن حكومة "محلب" لم تستوعب الدرس، إذ احتلت مصر هذا العام المرتبة 94 في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، وهو المؤشر المعنى بتقييم مدى تغلغل الفساد باستخدام مسوحات مختلفة للخبراء ورجال الأعمال. والترتيب لا يعتمد على أداء مصر فقط، وإنما يعتمد على أداء الدول الأخرى، فعلى سبيل المثال تونس شهدت تدهورا ضئيلا، وبالرغم من أن مؤشرات الفساد لا تمثل حقيقة ما يحدث بالدولة إلا أن المؤشرات تظل وسيلة للمقارنة بين الدول. فيما جدد خبراء الاقتصاد تحذيراتهم من إشعال الفساد اضطرابات جديدة شاملة، لا تبقي ولا تذر، وستكون أكثر عنفا في ظل تصاعد معدلات الفقر، لكن تظل آفة الفساد تتوغل بأنواعها في مصر من «مالى وإداري»، فضلا عن استغلال النفوذ ومحاباة مصالح الفاسدين على حساب الوطن، فكلها عوامل أفسدت المناخ السياسي. وفى خطوة جديدة من خطوات الحكومة للحد من تلك الظاهرة، أقر اللواء عادل لبيب - وزير التنمية المحلية - أن الدولة أعدت إستراتيجية وطنية جديدة لمكافحة الفساد، ولكنها ليست الأولى من نوعها، فقد سبقها العديد من المشاريع والإستراتيجيات التي لم تثمر عن شيء حتى الآن. مبادرة السيسي على رأس تلك الخطط، تأتى مبادرة الرئيس السيسي لمكافحة الفساد من خلال إستراتيجية مدتها أربعة أعوام، تنص على عدة مبادئ، من بينها إرساء الشفافية والنزاهة لدى العاملين بالجهاز الإدارى للدولة، وسن وتحديث تشريعات لمكافحة الفساد مع تطوير الإجراءات القضائية بما يحقق العدالة الناجزة، وتضمنت مبادئ وأهدافا منها التأكيد على ضرورة الارتقاء بالمستوى المعيشى للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية مع رفع الوعى الجماهيرى بخطورة الفساد وأهمية مكافحته. غسيل الأموال وكانت مصر قد انضمت إلى اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد في عام 2005، وأعدت عدة مشروعات قوانين جيدة تهدف إلى تعزيز عمليات كشف الفساد، وكان هدفها الرئيسى محاربة غسيل الأموال، وتضمنت توفير حماية مشددة للمبلغين والشهود، وتعزيز التعاون الدولى بين أجهزة مراقبة الفساد المختلفة ومنع تضارب المصالح. وبالرغم من توقيع مصر هذه الاتفاقية، إلا أن التطبيق الفعال ما زال قاصرا للغاية، بل على العكس استمرت إجراءات من شأنها إخفاء الفساد، لدرجة دفعت المركز المصرى إلى خوض معركة قانونية مع الكثير من الأفراد والهيئات ضد القانون رقم 32 لعام 2014 بشأن تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة الذي وضعه الرئيس المؤقت عدلي منصور، والذي اعتبرته جهات حقوقية «تحصين للعقود الفاسدة. لجنة المكافحة كما تم تشكيل اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد بخبرات عالمية لمكافحة الفساد لتدريب رجال الصحافة على كشف الفساد، نظرا لأن دور الصحافة أكثر خطورة في هذا الصدد، وتعتبر شريكا في منظومة مكافحة الفساد. الهدف من اللجنة التي أنشئت بقرار من وزير العدل الأسبق أحمد مكى هو التنسيق بين كافة الأجهزة الرقابية في الدولة من أجل إيجاد رؤية مشتركة لمكافحة الفساد، كما تم وضع إستراتيجية عامة لمكافحة الفساد السياسي والإدارى والمالى في الدولة. حماية الشهود مشروع قانون حماية الشهود والمبلغين والخبراء الذي تم اعداده هو أحد أهم آليات مكافحة الفساد، فضلا عن كونه أحد الاستحقاقات المطلوبة منذ تصديق مصر عام 2004 على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، والتي ألزمت مصر والدول الموقعة باتخاذ التدابير المناسبة، وفى حدود إمكانات كل دولة لتوفير الحماية الفعالة للشهود والخبراء الذين يدلون بشهاداتهم في شأن أي أفعال مجرمة وفقا للاتفاقية، وكذلك امتداد الحماية إلى أقاربهم والأشخاص ذوى الصلة بهم. الجهات المعنية قبيل انقضاء نوفمبر الماضي، عقدت اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد اجتماعا برئاسة المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، وذلك من أجل مبادرة «مكافحة الفساد». ونصت المبادرة على استعادة ثقافة العدل والشفافية والنزاهة والولاء بدعم من أجهزة إدارية فعالة، لتؤكد الرسالة الخاصة بالإستراتيجية والعمل على الحد من الآثار السلبية على كل القطاعات، ونشر الوعى بهذه الآثار، ورفع قدرات أجهزة مكافحة الفساد، والتعاون مع كافة الجهات المعنية المحلية والإقليمية والدولية في مكافحة الجرائم المتعلقة به مع مراعاة المعايير الدولية وأفضل الممارسات. الفساد السياسي من جانبه، قام حزب المصريين الأحرار بإعداد مشروع قانون للمحاسبة على جرائم الفساد السياسي، ويتضمن أدوات لردع الفاسدين سياسيا عوضا عن القانون الجنائي، وذلك بعد أحكام البراءة التي حصل عليها الرئيس الأسبق حسنى مبارك ورموز نظامه، لأن الحزب ضد مبدأ إجراء محاكمات استثنائية، في الوقت الذي يرى فيه أن هناك ضرورة لوضع قوانين تحاسب على جرائم سياسية محددة قد لا يوجد لها سند بقانون الإجراءات. برنامج الفساد وقبل استقالته من منصبه، افتتح المستشار محفوظ صابر،وزير العدل السابق، البرنامج التدريبى لتوعية الخاضعين لقانون الكسب غير المشروع بمخاطر الفساد ومنع الجريمة، بما يتفق والقانون فيما يتضمن التصدى لجرائم الكسب غير المشروع. واستهدف البرنامج القيادات الوسطى بالحكم المحلى بحضور جميع محافظى الجمهورية بالتنسيق مع المكتب الإقليمى للأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. البرنامج الذي يعد انطلاقة جديدة لجهاز الكسب غير المشروع، باعتباره جهازا رقابيا معنيا بقضايا الفساد المالى، كان يستهدف مكافحة الفساد، والتصدى لجرائم الكسب غير المشروع. مبادرة دولية من جانبها قامت الجمعية المصرية لشباب الأعمال في شهر مارس الماضى بإطلاق نظام مكافحة الفساد في بيئة الأعمال، من خلال مبادرة سيمنس للنزاهة بالشراكة مع الجمعية المصرية لشباب الأعمال والميثاق العالمى للأمم المتحدة بالإعلان عن بدء تعاونهم لتطوير نظم مكافحة الفساد في بيئة الأعمال، وذلك بقيمة 1.4 مليون دولار على مدى 3 سنوات. تجدر الإشارة إلى أن هناك قوانين مشرعة حاليا للحد من الفساد في الدولة، مثل قانون مكافحة الفساد لعام 2013، والذي يحظر تعارض المصالح للمسئولين الحكوميين، وتزاوج المال بالسلطة عن طريق إفصاح وإيضاح ذمتهم المالية إذا كانوا من ممارسى الأنشطة التجارية أو الصناعية قبل التحاقهم بالجهاز الإدارى للدولة أو دخول البرلمان، كما يحظر عليهم متابعة استثماراتهم إلا بعد خروجهم من مناصبهم. كما أن مشروع قانون الخدمة المدنية أو الوظيفة العامة الجديد والذي يجرم كل عمليات مخالفة النزاهة والمحاباة والمحسوبية والتربح من الوظيفة العامة واستغلال السلطة والنفوذ لم يتم تفعيله بعد، حتى أن قانون المزايدات والمناقصات لسنة 98 والمنوط بتحقيق تكافؤ الفرص لكل الشركات والهيئات المتقدمة لتنفيذ المشاريع الخدمية كالطرق والكبارى وغيرها لو تم تطبيقها من الممكن أن تكون مسارا لضمان مبدأ الشفافية والنزاهة للحصول على أفضل تنفيذ لحماية المال العام، لكن تبقى كل تلك الإستراتيجيات والمشاريع ليست أكثر من مجرد «حبر على ورق». وتؤكد أن للفساد رجالًا يحمونه في كل زمان ومكان. واذا وضعنا في الاعتبار ما صرح به الرئيس السيسي مؤخرا من توغل الفساد في جميع مفاصل الدولة فإن الصورة تبقى قاتمة ومؤلمة ومزعجة.