«أنا عايز بنزين . ماليش دعوة مين المسئول وما اعرفش حاجة عن سبب الأزمة ». هكذا تحدث أحد الأشخاص الذين يقفون في طابور لا ينتهي أمام محطة الوقود حين سأله مندوب إحدي القنوات التليفزيونية . هكذا لخص هذا الشخص المسألة كلها . لقد مضى أسبوع على انفجار الأزمة. وحين تقرأهذا المقال يكون قد مضى عشرة أيام. ليست هذه هي الأزمة الأولى في السولار أو البنزين منذ قيام الثورة. وفي كل مرة كانت هناك أسباب مقنعة , وفي كل مرة كانت الأزمة تنتهي في أيام قليلة. المشكلة هذه المرة أن الأزمة انفجرت في ليلة واحدة في جميع محطات الوقود في جميع أرجاء مصر. ومن ثم لا معنى للقول بأن بعض أصحاب المحطات يبيعون الوقود في السوق السوداء. ليس كل أصحاب محطات الوقود لصوصا. القاعدة أن اللصوص والمنحرفين يشكلون عددا قل أو كثر, لكن لايمكن أن يكون كل الناس لصوصا أو تجارا في السوق السوداء. هناك أمر خفي في افتعال هذه الأزمة التي شملت مصر كلها في ساعة صفر واحدة. وبعيدا عن أزمة البنزين والسولار, ننتقل إلى أزمة أخرى هي أزمة الاضرابات التي اتسعت جدا الأسبوع الماضي , فشملت تقريبا كل أنحاءالبلاد. وأخص بالذكر إضراب عمال السكة الحديد واضراب عمال النقل. عمال هاتين الجهتين لا يضربون لأول مرة . بل مضى عام تقريبا على إضرابهم الأول الذي تكرر بعد ذلك لأوقات قليلة. وفي كل مرة يقال إن مفاوضات جرت معهم وانتهى الإضراب . هذه المرة يثير الإضراب سؤالا مهما ما الذي جعله ينفجر من جديد وفي وقت واحد؟! .أسأل هذا السؤال بمناسبة سفري إلى الإسكندرية الخميس الماضي ووجدت أن تكييف القطار معطل بسبب الاضراب والحقيقة قال لنا المفتش أن من يريد أن يحصل على فرق التكييف يذهب إلى الشباك في محطة الوصول فسيعطونه ثمن التكييف المضاف إلى التذكرة . كان ذلك شيئا طيبا طبعا رغم قلة هذا الثمن. ذهبت إلى الشباك وأخذت الثمن بسرعة بعد أن وصلت إلى محطة سيدي جابر وقررت أن أحجز تذكرة عودة مبكرا وليس مهما أن يستمر اضراب عمال الصيانة فالقطار يتحرك، وجدت أن موظف الشباك لا يقطع تذاكر في نفس اليوم، يقول: لمن يريد أن يذهب إلى معاون المحطة ويسأله هل هذا القطار سيخرج في موعده اليوم حقا أم سيتعطل! كان الذي يريد أن يحجز في نفس اليوم يقف جواري . كانت الساعة الرابعة والنصف وهو يريد تذكرة في قطار الثامنة مساء . وهكذا كان حشدا كبيرا أمام محطة سيدي جابر لا يعرفون هل ستتحرك القطارات في موعدها أم لا، بسبب اضراب العمال وقطع الطريق . والعجيب أنني كنت قد وصلت الإسكندرية في قطار لم يتعطل في الطريق. فقط هو التكييف كما قلت إذن لم يكن هناك طريق مقطوع لأنه طبعا لا يبتعد طريق قضيبي القطارات الذاهبة والقادمة من الإسكندرية أكثر من مترين, ومن يستطيع أن يقطع طريق القطارات الذاهبة للقاهرة يستطيع طبعا أن يقطع طريق القطارات الذاهبة للإسكندرية في نفس الوقت ويظل السؤال لماذا يعرف معاون المحطة ما إذا كان القطار سيتحرك في موعده أم لا؟! الحديث يدور في الشارع وفي التاكسيات والميكروباصات وكل مكان عن افتعال للأزمات وإشعالها. البسطاء يقولون إن من في سجن طرة يديرون كل شيء في البلد .وغير البسطاء يقولون إن حكومة الجنزوري التي لم تتحدث إلا عن الأزمات المادية التي تواجهها هي السبب في ذلك حتى يوافق الناس على التصالح مع رجال الحكم السابق المحبوسين بسبب الفساد المالي ،وغيرهم يقول إن المجلس العسكري وراء ذلك وسيتدخل في الوقت المناسب ويحل الأزمة ليعرف الناس أنهم بدونه لا قيمة لهم ولا لأي نظام حاكم. أما ماسح الأحذية الذي كان يمسح لي الحذاء على المقهي فقال لي مقسما بالله العظيم: إن أحد العمال المضربين أخبره أن لديهم تعليمات رسمية بذلك..وفي النهاية كل المناقشات تصب في إدانة جميع الحكام وجميع الأجهزة الرسمية.وأنا أعود وأردد ما قاله المواطن البسيط أنا عايز بنزين وماليش دعوة مين اللي ورا المسألة. أقول ذلك لأنني أعرف أن من يقولون ذلك سينفجرون في وجه الجميع وليس في وجه الثورة .