تعودت حين أركب القطار زائرا الإسكندرية أو عائدا أن تكون هناك مشكلة. ذلك يحدث منذ خلع مبارك في 11 فبراير عام 2011 . كلنا نعرف أن السبب عادة يكون إضراب عمال السكة الحديد بسبب عدم حصولهم علي ما يستحقون. أو يكون بسبب قطع الطريق من قبل فئات أخري بسبب حاجة ما يريدون بعدها تدخل بسرعة من أي مسئول. صار ذلك يحدث كل يوم تقريبا. ولأني لا أسافر كل يوم لم يرهقني الأمر كثيرا ولم انقطع عن السفر بالقطار رغم توقعي لكل مصيبة. يوم الأحد هذا الاسبوع سافرت إلي الإسكندرية في الصباح. فضلت أن آخذ الميكروباص القريبة محطته من بيتي. فضلت ابتعد عن القطار هذه المرة رغم أني من عشاق القطارات في حياتي. كان علي أن أعود في اليوم التالي الإثنين. هنا عدت إلي عشقي وركبت القطار. كان قطار السابعة والنصف مساء الذي هو أصلا قطار السابعة لكن صار في السابعة والنصف بسبب موعد الإفطار. ذهبت إلي المحطة بعد الإفطار بدقائق وبسهولة وجدت تذكرة رغم أن الجو صيف وهذا القطار التوربيني دائما مزدحم. أدركت أن ذلك بسبب الموعد القريب من الإفطار. قطعت تذكرة درجة أولي فوجدتها في العربة رقم خمسة. عادة عربات الدرجة الأولي تكون أرقام واحد واتنين وتلاتة. سألت موظف الشباك هل هذا الرقم للعربة صحيح قال صحيح. وقال لي إن القطار التوربيني عاد إلي سيرته الأولي . عرباته كلها باللون الأحمر كما كانت وليست عربات مشكلة من الأسباني والفرنساوي كما كان الحال في الخمس سنوات الماضية. استبشرت خيرا. مادامت العربات عادت إلي لونها فلابد أنها أيضا عادت لوضعها فلا ماء ينزل عليك من السقف ولا رائحة عفنة من الأرض والحمامات ستكون نظيفة. الحقيقة كان ما يهمني هو أن أنام ولذلك قطعت تذكرة درجة اولي. سألته بلا سبب عن موعد القطار التالي فقال الثامنة إلا عشر دقائق وهو أيضا مثل التوربيني لا يقف في المحطات. ولأني هاوي القطارات أعرف دون سؤال أن هذا موعد تحرك القطار من محطة الإسكندرية وانه يصل عادة سيدي جابر بعدها بعشر دقائق. طلبت منه أن يجعل تذكرتي جوار الشباك إذا أمكن قال إن القطار فاضي ويمكن أن أجلس في أي مكان في العربة. جلست علي الرصيف أنتظر القطار وحولي يأتي الركاب في أعداد تزداد شيئا فشيئا. كان واضحا أن معظم من حولي من خارج الإسكندرية. عرفت ذلك من أحاديثهم فاللهجة السكندرية لا تتوه مني فضلا عما معهم من حقائب متعددة. إذن هم مصطافون في الغالب وأيد ذلك سحنات وجوههم التي اسمرت من شمس البلاج . وصل القطار في الثامنة إلا ربعا وركبت وإذا بهم جميعا تقريبا يركبون نفس القطار وكثير منهم ركب العربة رقم خمسة التي حجزت بها. عربة الدرجة الأولي طبعا تتميز عن الثانية بأنها أوسع لأنها صفين من المقاعد, صف علي ناحية به مقعدان والصف الآخر علي الناحية الأخري به مقعد واحد فقط، وأي شخص سبق له ركوب القطار يعرف ذلك. إنطلق القطار وبعد قليل ونحن نقترب من دمنهور ظهر المفتش الذي وجد جميع الركاب في العربة ماعدا العبد الفقير لله قد ركبوا قطارا ليس قطارهم. قطارهم هو التالي الذي يتحرك في الثامنة إلا ربعا. حدث حوار شديد وارتفعت الأصوات والرجل في الحقيقة كان مهذبا. أدركت أن هؤلاء الركاب حين حجزوا في قطار الثامنة الا عشر دقائق لم يفهموا أن هذا موعد حركته من محطة الإسكندرية وليس من سيدي جابر. قدمت نفسي للمفتش الطيب وشرحت له ما استنتجته وهو صحيح. حجزوا في قطار الثامنة الا عشر دقائق وجاء القطار في الثامنة الا الربع وتحرك بعد خمس دقائق إذن هو قطارهم . قال لهم لكن إذاعة المحطة أذاعت رقم القطار قالوا إنها أذاعت رقم قطارهم وكانوا علي خطأ. لقد أذاعت رقم قطارنا وأذاعت ان بعده سيصل قطارهم ورقمه لكن اختلط عليهم الأمر. بدا الرجل مقتنعا بكلامي ثم قال المشكلة أن تذاكرهم درجة ثانية. قالوا ركبنا حسب أرقام العربات التي في التذكرة. وليس ذنبهم أن رقم العربات في هذا القطار للدرجة الأولي. بدا لي الأمر متشابكا وغريبا. استمر النقاش حتي اقتربنا من طنطا. هم لا يريدون الإنتقال الي الدرجة الثانية لأنها وكان هذا غريبا ممتلئة. وكان أحد رجال المباحث قد حضر النقاش واحتد عليه الشباب. بدا لي الموضوع سينفجر. حاولت تهدئة الشباب فهدأوا والمفتش ورجل المباحث ابتعدوا وجلسوا وقالوا لي إنهم أبلغوا المحطة في القاهرة وهناك يتم التصرف معهم. هذا أفضل من المناقشات. وفجأة وجدنا من يدخل عربتنا من العربات الخلفية ويقول رائحة شياط في آخر عربة بالقطار , وهوب انقطعت الأنوار وتوقف التكييف. جري المفتش ورجل المباحث الي الخلف ولم يعودوا , وتوقف القطار. نصف ساعة توقف القطار حتي تحرك من جديد بلا أنوار ولا تكييف. اتضح أن احد كابلات الدينامو في آخر عربة احترق , تم فصل الدينامو عن عربات القطار ووصلنا القاهرة بعد ساعتين في الظلام وبلا تكييف. طبعا نزلنا في محطة رمسيس ولم يكن هناك من ينتظر الذين ركبوا بالخطأ. كان ذلك سيكون سخيفا جدا. لكن أسخف منه أننا كدنا نحترق من الحر لأن عامل العربة أيضا اختفي ولم يفتح لنا نافذة واحدة. سوء فهم أدي الي الهرجلة وسوء صيانة ادي الي كارثة ورحلة ضاعت في الكلام والحر. عدت علي خير ياسكة حديد وياركاب !