[email protected] خمسون طفلا من محافظة أسيوط لقوا حتفهم فى حادث مروع صبيحة السبت الموافق 17/11/2012، على إثر اصطدام قطار بالحافلة التى كانوا يستقلونها عند مزلقان السكة الحديد بقرية المندرة، إحدى قرى مركز منفلوط، وهناك أكثر من خمسة عشر طفلا آخرين معظمهم فى حالة خطرة، ونسأل الله السلامة لهم.. كان صباحا حزينا بامتياز.. أحدث وجعا فى قلب مصر.. غطى على كل الأحداث.. كان حديث الناس فى كل مكان.. أهالى الضحايا كانوا ولازالوا وسوف يظلوا موجوعين ومكلومين.. الحزن الذى ملأ قلوب الأمهات والآباء لا يمكن أن تغيره أفراح العالم.. مشاعر الحزن والألم والوجع سادت وغمرت قلب كل مصرى.. ولم لا؟ فالشعب المصرى معروف بمروءته وشهامته ونبله.. وعاطفته.. وأن هؤلاء الأطفال هم أطفاله.. هم لحمه ودمه وروحه.. هذه هى طبيعة وأصالة الشعب المصرى. الطفولة بكل براءتها ونقائها وطهارتها، نزفت وسال دمها فى تلك الكارثة المروعة.. إن كل طفل من هؤلاء الشهداء كان يمثل حلما جميلا، قصة نبيلة، أملا مشرقا، أمنية غالية، مستقبلا زاهرا له ولمصر.. هذا الحلم ضاع، انتهى، انطفأت شمعته، وطويت صفحته.. لم يعد إلا ذكرى، لكنها ليست ذكرى سعيدة أو مفرحة أو مبهجة، بل ذكرى حزينة مؤلمة. استقال وزير النقل والمواصلات، ومعه رئيس هيئة السكك الحديدية، وقبلت استقالتهما.. كان من المطلوب أن يستقيل أو يقال رئيس الوزراء.. هذا أقل ما يجب.. فالدم الذى سال والأرواح التى فاضت إلى بارئها، ليست شيئا هينا.. لا يمكن تعويضه بشيء، من متاع الدنيا مهما كان.. وكان المطلوب أن يحاسب هؤلاء جميعا.. ومعهم سائق القطار وعامل المزلقان الذى قيل إنه كان نائما(!) وقت وقوع الكارثة.. إهمال جسيم، وتسيب فاضح، وفوضى ضاربة أطنابها فى هذا المرفق، بل فى مرافق الدولة كلها.. المناصب ليست وجاهة أو شياكة اجتماعية، بل مسئولية وعبئاً، لا يجب أن يتحمله إلا من كان أهلا له.. إلا من كان مستعدا وأكثر كفاءة وقادرا على تحمل تبعاته.. كان من المفترض أن الزمن الذى كان يعتبر فيه الدم المصرى رخيصا، قد فات وانتهى.. لكن يبدو أننا لازلنا نعيشه، وكأن شيئا لم يتغير.. نفس المفاهيم.. والتصورات. سوف يقال إن التركة التى ورثناها من نظام المخلوع خربة.. وهذا صحيح.. لكن الوزارة الحالية سبقتها وزارتان بعد قيام الثورة.. وزارة عصام شرف ووزارة كمال الجنزورى.. ويبدو أن هاتين الوزارتين لم يقوما بأى عمل يذكر! إذن جاءت وزارة هشام قنديل لتعالج خلل هاتين الوزارتين، ولإصلاح ما أفسدته الوزارات السابقة على الثورة.. حسنا، لكن من الواضح أننا سوف نقضى وقتا طويلا فى معالجة الخلل وإصلاح الفساد.. ومعه فقدان الكثير من الأرواح والدماء.. كان تعليقى على هذه الوزارة وقت الإعلان عنها منذ اشهر أنها وزارة عادية.. تقليدية.. فاقدة للخيال والطموح.. وأنها لن تقدم حلولا مبتكرة أو إبداعية..وقد كان. ظل الصعيد مغبونا فى حقه خلال عهود طويلة.. ولازال ينظر إليه- واقعيا وعمليا- على أنه درجة ثانية.. غير معقول.. مطلوب، بل لابد أن تكون هناك نظرة أخرى.. تصرف آخر.. خطط وبرامج أخرى، تعيد إلى الصعيد مكانته ومنزلته على خريطة مصر.. أهل الصعيد يعانون أشد المعاناة، يظهر ذلك فى أمور كثيرة، فخدمات التعليم، الصحة، النقل والمواصلات.. إلخ، شيء مزرٍ.. ناهينا عن الفقر والبطالة.. لست مبالغا إذا قلت إن القرى والكفور والنجوع تعيش خارج الزمن