خمسون طفلا من محافظة أسيوط صعدت أرواحهم إلى بارئها فى حادث مروع، مأساوى، وكارثى، صبيحة السبت الموافق 17نوفمبر، إثر اصطدام قطار بالحافلة التى كانوا يستقلونها عند مزلقان السكة الحديد بقرية المندرة، إحدى قرى مركز منفلوط، وإنا لله وإنا إليه راجعون.. وهناك أكثر من خمسة عشر طفلا آخرين معظمهم فى حالة خطرة، ونسأل الله أن يعافيهم ويعيدهم إلى أهلهم وذويهم.. كان صباحا حزينا بامتياز.. أحدث وجعا فى قلب مصر.. غطى على كل الأحداث.. كان حديث الناس فى كل مكان.. أهالى الضحايا كانوا وما زالوا وسوف يظلون موجوعين ومكلومين.. الحزن الذى ملأ قلوب الأمهات والآباء لا يمكن أن تغيره أفراح العالم.. مشاعر الحزن والألم والوجع سادت وغمرت قلب كل مصرى.. ولم لا؟ فالشعب المصرى معروف بمروءته وشهامته ونبله.. وعاطفته.. وإن هؤلاء الأطفال هم أطفاله.. هم لحمه ودمه وروحه.. هذه هى طبيعة وأصالة الشعب المصرى. الطفولة بكل براءتها ونقائها وطهارتها، نزفت وسال دمها فى تلك الكارثة المروعة.. تمزقت أشلاء.. اختلط الدم واللحم والعظم والملابس والكتب والكراسات والأحذية.. كل طفل من هؤلاء الشهداء كان يمثل حلما جميلا، قصة نبيلة، أملا مشرقا، أمنية غالية، مستقبلا زاهرا.. له، ولمصر.. هذا الحلم ضاع، انتهى، انطفأت شمعته، وطويت صفحته.. لم يعد إلا ذكرى، لكنها ليست ذكرى سعيدة أو مفرحة أو مبهجة، بل ذكرى حزينة مؤلمة. استقال وزير النقل والمواصلات ومعه رئيس هيئة السكك الحديدية، وقبلت استقالتاهما.. كان من المطلوب أن يستقيل أو يقال رئيس الوزراء.. هذا أقل ما يجب.. فالدم الذى سال والأرواح التى انتقلت إلى جوار ربها، ليست شيئا هينا.. لا يمكن تعويضها بشىء، من متاع الدنيا مهما كان.. كان المطلوب أن يحاسب هؤلاء جميعا.. ومعهم سائق القطار وعامل المزلقان الذى قيل إنه كان نائما(!!) وقت وقوع الكارثة.. إهمال جسيم، وتسيب فاضح، وفوضى ضاربة أطنابها فى هذا المرفق، بل فى مرافق الدولة كلها.. المناصب ليست وجاهة أو شياكة اجتماعية، بل مسئولية وعبء، يجب ألا يتحمله إلا من كان أهلا له.. إلا من كان مستعدا وكفؤا وقادرا على تحمل تبعاته.. لكن يبدو أن شيئا لم يتغير.. نفس المفاهيم.. والتصورات.. نفس الأسلوب.. وطريقة الأداء. سوف يقال إن التركة التى ورثناها من نظام المخلوع خربة.. وهذا صحيح.. لكن الوزارة الحالية سبقتها وزارتان بعد قيام الثورة.. وزارة عصام شرف ووزارة كمال الجنزورى.. ويبدو أن هاتين الوزارتين لم تقوما بأى عمل يذكر!! إذن، جاءت وزارة هشام قنديل لتعالج خلل هاتين الوزارتين، ولإصلاح ما أفسدته الوزارات السابقة على الثورة.. حسنا، لكن من الواضح أننا سوف نقضى وقتا طويلا فى معالجة الخلل وإصلاح الفساد.. ومعه فقدان الكثير من الأرواح والدماء.. كان تعليقى على هذه الوزارة وقت الإعلان عنها منذ أشهر أنها وزارة عادية.. تقليدية.. فاقدة للخيال والطموح.. نصيبها من الابتكار والإبداع، يكاد يكون معدوما. قلبى على الصعيد، فقد ظل مغبونا ومسحوقا ومظلوما خلال عهود طويلة.. وما زال ينظر إليه -واقعيا وعمليا- على أنه درجة ثانية(!!).. أهل الصعيد يعانون أشد المعاناة.. فخدمات التعليم، الصحة، النقل والمواصلات.. إلخ، شىء مزرٍ.. ناهينا عن الفقر والبطالة.. لست مبالغا إذا قلت إن القرى والكفور والنجوع تعيش خارج الزمن.. مطلوب أن تكون هناك نظرة أخرى.. خطط وبرامج أخرى، تعيد للصعيد مكانته على خريطة مصر، ومنزلته الطبيعية فى قلوب وعقول من يديرون شئون مصر.