يمكن القول إن رواية "آيات شيطانية" للكاتب سلمان رشدى، هي أكثر الروايات التي أحدثت حالة غضب واسعة في دول العالم الإسلامي، وتثور حولها بين الحين والآخر زوابع من الانتقادات والاستهانة، ومنذ ظهورها عام 1988 وحتى الآن لم تصدر رواية مغضوب عليها كهذه، ولم لا وهى التي اشتملت على إهانات لشخص رسول الإسلام محمد "صلى الله عليه وسلم". سلمان رشدى البريطانى ذو الأصول الهندية ولد بمدينة مومباى في 19 يونيو 1947، تزوج أربع مرات ولديه ولدان، وتخرج في جامعة "كنجز كولج" في كامبردج بريطانيا، حيث درس التاريخ، وعمل لدى اثنتين من وكالات الإعلان (أوجلفى وماثر وآير باركر) قبل أن يتفرغ للكتابة. تعتبر "غريموس" الرواية الأولى للكاتب البريطانى، ولكنها لم تحظ بأى اهتمام أو شهرة عند صدورها عام 1975، على عكس روايته الثانية "أطفال منتصف الليل" التي أخذت حيزًا واسعًا من الشهرة والتقدير عام 1980، وبها دخل سلمان رشدى تاريخ الأدب بحصوله على جائزة الكتاب البريطانية للآداب عام 1981، فهى تعد اليوم أحد أهم أعماله الأدبية، كما أشار الأدباء الإنجليز إلى أنها أثرت بشكل كبير في الأدب "الهندي-الإنجليزي" وتطوره خلال العقود التالية. وبعد هذا النجاح جاء سلمان رشدى برواية جديدة عنوانها "عيب"، وتلاها برواية "ابتسامة جكوار" عام 1987، ليصدر في عام 1988 روايته المسيئة "آيات شيطانية"، قبل آخر رواية له "عرافة فلورنسا" عام 2008 ومذكرات "جوزيف أنطون" عام 2012. "آيات شيطانية" رواية تصف أحوال المهاجرين الهنود إلى بريطانيا، وتدور حول اثنين لا يستطيعان التكيف مع الثقافة البريطانية أو الهندية على السواء. ويزعم المؤلف أن شخصيات روايته المكونة من 9 فصول ومكتوبة في 547 صفحة وتتضمن الكثير من البذاءات، تسعى لكى تصبح إنسانية بالكامل عن طريق مواجهة الحقائق الكبرى للحب والموت وحياة الروح. وتتحدث الرواية باختصار عن شخصيتين رئيسيتين هما الهندى "صلاح الدين جمجة" الذي عاش منذ صغره في المملكة المتحدة، وانسجم مع المجتمع الغربى وتنكر لأصوله الهندية، و"جبرائيل فريشته" الممثل الهندى المتخصص في الأفلام الدينية، وفقد إيمانه بالدين؛ لأن دعواته بالشفاء لم تنفعه بعد إصابته بمرض خطير، حيث يجلس الاثنان على مقعدين متجاورين في الطائرة المسافرة من مومباى إلى لندن، ولكن الطائرة تتفجر وتسقط نتيجة عمل تخريبى من قبل جماعات متطرفة، وأثناء سقوط "جمجة وفريشته" يحصل تغييرات في هيئتهما، فيتحول الأول إلى مخلوق شبيه بالشيطان والثانى لشبيه بالملاك، وفى أحد أحلام "فريشته" يرجع الكاتب إلى فترة صلح الحديبية. أما الفصل الثانى من الرواية والذي جاء بعنوان "ماهوند"، فهو أكثر فصولها إثارة للضجة، وكسب عداوة وغضب المسلمين بصورة غير مسبوقة. وقبل التعمق فيما ورد به، يجب معرفة أن "ماهوند" هو اسم استعمل في القرون الوسطى من قبل المسيحيين المتطرفين لوصف الرسول محمد "صلى الله عليه وسلم". ويستند هذا الفصل إلى رواية غير صحيحة ذكرها ابن إسحاق في سيرة الرسول، مفادها: إنه أثناء نزول سورة "النجم" عليه همس له الشيطان بجملة "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى"، فالمؤرخ يدون كل ما يسمع حتى ولو من وحى الخيال، ولكنها وردت في الرواية على نحو أن النبى كان يأمل دخول أهل مكة في الدين الجديد إذا ذكر آلهتهم بخير، لذلك قال "واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك هي الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى"، غير أن النبى حين لم يجد أي استجابة من أهل مكة لدينه الجديد، خرج من غار حراء إلى مكان الاجتماع وصحح الآية بالنص الوارد بالقرآن الكريم "أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى، إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى" (النجم،23:18). وقال إن النص الأول من وحى الشيطان، ومن هنا جاءت تسمية الرواية بالآيات بالشيطانية، وهناك أمور أخرى كثيرة في هذا الفصل جرحت مشاعر المسلمين، منها وجود دار للدعارة فيما سماها رشدى "مدينة الجاهلية" قاصدًا بها مكة، وأنه كان في دار الدعارة هذه 12 امرأة أطلقت عليهن صاحبة الدار أسماء زوجات الرسول. وامتدت سلسلة الأكاذيب والتطاول التي احتواها هذا الفصل، إلى وصف تفصيلى للعمليات الجنسية التي قام بها "ماهوند"، والتطاول أيضًا في الفصل الرابع المسمى "عائشة" على زوجة الرسول "صلى الله عليه وسلم". وتضمنت الرواية الكثير من الكفر والتطاول على القرآن الكريم، والتعرض لشخص نبى الله وزوجاته وصحابته بالإسفاف والإساءة، مما أثار غضب العالم الإسلامي، وتبعه منع ترجمة الكتاب للغة العربية، وبعد تسعة أيام من صدور الكتاب منعت الهند سلمان رشدى من دخول بلادها، وتلقت دار النشر "فيكنج" في لندن التي طبعت الكتاب الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات التليفونية المطالبة بسحب الكتاب من دور بيع الكتب، وقامت دول "بنجلاديش والسودان وجنوب أفريقيا وكينيا وسريلانكا وتايلاند وتنزانيا المتحدة وإندونيسيا وفنزويلا وسنغافورة" بمنع الكتاب، ناهيك عن التظاهرات التي خرجت تنديدًا بالكتاب في "إسلام آباد ولندنوطهران ومومباى ودكا وإسطنبول والخرطوم ونيويورك". وهناك مشهدان خلال عمليات الاحتجاج لفتا أنظار العالم، أولهما حادثة حرق أعداد كبيرة من الكتاب في برادفورد في المملكة المتحدة في 14 يناير 1989، والثانية صدور فتوى من آية الله الخمينى في 14 فبراير 1989 بهدر دم سلمان رشدى من خلال راديو طهران الذي قال فيه "إنه يجب إعدام سلمان رشدى وإن الكتاب هو كتاب ملحد للإسلام"، وهاتان الحادثتان لقيتا تغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام الغربية وفيها تم اتهام المسلمين بالبربرية وعدم السماح بحرية التعبير. وفى الثالث من شهر أغسطس 1989 فشلت محاولة لاغتيال رشدى بواسطة كتاب مفخخ، حاول تمريره عنصر من حزب الله يدعى مصطفى مازح، حيث انفجر الكتاب بشكل مبكر مما أدى إلى مقتل الأخير وتدمير طابقين من فندق "بادينجتون". وبهذا دفع سلمان رشدى ثمن كتابته هذه الرواية، فعاش مختفيًا عن الأنظار والحياة العامة لمدة 10 سنوات، وتلت الفترة اللاحقة لفتوى الخمينى موجة كبيرة من الهجمات والتهديدات لدور الطباعة والنشر والترجمة، وتعرض أصحاب الكثير منها لتهديدات بالقتل على أيدى جماعات إسلامية، كما حرقت الكثير من المكتبات أو تم تفجيرها، فضلًا عن إقامة عدة مسابقات لإحراق أكبر عدد ممكن من هذا الكتاب. وما أن منحت ملكة بريطانيا سلمان رشدى لقب "فارس" حتى ثارت ضجة جديدة في العالم الإسلامى واعتبرت إيران الأمر موجهًا ضد الإسلام، أعلن رجل الدين الإيرانى أحمد خاتمي، في عام 2007، أنّ فتوى إهدار دم الكاتب البريطاني، التي أصدرها الإمام الخمينى في عام 1989 بسبب روايته «آيات شيطانية» لا تزال سارية وغير قابلة للتعديل. وربما منحت له تلك الفتوى شهرة فائقة لم يكن ليحصل عليها من بذاءاته التي يحشدها في رواياته.