انتهاء اليوم الثاني والأخير من جولة الإعادة لانتخابات مجلس النواب للدوائر ال19 الملغاة    تشريعية النواب: 140 ألفا من مستأجري الإيجار القديم تقدموا للحصول على سكن بديل    نائب بوتين: اتفاق روسي أمريكي على أن وقف إطلاق النار المؤقت يطيل أمد الحرب    التشكيل الرسمى لقمة كوت ديفوار ضد الكاميرون فى بطولة كأس أمم أفريقيا    ترامب: محادثات موسكو وكييف تقترب من الحسم واتفاق أمني جاد قريبًا    حكومة بريطانيا في خطر بسبب علاء عبد الفتاح.. أحمد موسى يكشف مفاجأة(فيديو)    بعد وداع كأس مصر، الأهلي يعلن توقيع عقوبة مالية مضاعفة على لاعبي الفريق    درة تنشر صورا من كواليس «علي كلاي» ل رمضان 2026    المستشار إسماعيل زناتي: الدور الأمني والتنظيمي ضَمن للمواطنين الاقتراع بشفافية    الصحة تكشف أبرز خدمات مركز طب الأسنان التخصصي بزهراء مدينة نصر    أشرف الدوكار: نقابة النقل البري تتحول إلى نموذج خدمي واستثماري متكامل    بوليسيتش يرد على أنباء ارتباطه ب سيدني سويني    عبقرية مصر الرياضية بأفكار الوزير الاحترافية    القضاء الإداري يسقِط قرار منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر    تفاصيل وفاة مُسن بتوقف عضلة القلب بعد تعرضه لهجوم كلاب ضالة بأحد شوارع بورسعيد    أحفاد الفراعنة فى الشرقية    ضبط القائمين على إدارة مصحة غير مرخصة بالبدرشين    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    إيمان عبد العزيز تنتهي من تسجيل أغنية "إبليس" وتستعد لتصويرها في تركيا    «مراكز الموت» في المريوطية.. هروب جماعي يفضح مصحات الإدمان المشبوهة    ترامب يعلن توقف القتال الدائر بين تايلاند وكمبوديا مؤقتا: واشنطن أصبحت الأمم المتحدة الحقيقية    جامعة بنها تراجع منظومة الجودة والسلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة    سكرتير مساعد الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بمدينة دكرنس    تراجع أسواق الخليج وسط تداولات محدودة في موسم العطلات    شوط سلبي أول بين غينيا الاستوائية والسودان في أمم أفريقيا 2025    هذا هو سبب وفاة مطرب المهرجانات دق دق صاحب أغنية إخواتي    نائب محافظ الجيزة يتفقد عددا من المشروعات الخدمية بمركز منشأة القناطر    الاحتلال الإسرائيلي يغلق بوابة "عطارة" وينصب حاجزا قرب قرية "النبي صالح"    نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طنطا العام في الغربية    محافظ الجيزة يشارك في الاجتماع الشهري لمجلس جامعة القاهرة    سقوط عنصرين جنائيين لغسل 100 مليون جنيه من تجارة المخدرات    «اليوم السابع» نصيب الأسد.. تغطية خاصة لاحتفالية جوائز الصحافة المصرية 2025    وزير الإسكان: مخطط شامل لتطوير وسط القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات    نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    إسكان الشيوخ توجه اتهامات للوزارة بشأن ملف التصالح في مخالفات البناء    محمود عاشور حكمًا لل "VAR" بمواجهة مالي وجزر القمر في كأس الأمم الأفريقية    "القاهرة الإخبارية": خلافات عميقة تسبق زيلينسكي إلى واشنطن    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية تحتفل بيوبيلها الفضي.. 25 عامًا من العطاء الثقافي وصون التراث    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    قيادات الأزهر يتفقدون انطلاق اختبارات المرحلة الثالثة والأخيرة للابتعاث العام 2026م    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    أبرز مخرجات الابتكار والتطبيقات التكنولوجية خلال عام 2025    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    ولادة عسيرة للاستحقاقات الدستورية العراقية قبيل عقد أولى جلسات البرلمان الجديد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    الزمالك يخشى مفاجآت كأس مصر في اختبار أمام بلدية المحلة    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    بعد قضاء مدة العقوبة.. إخلاء سبيل حمو بيكا من قسم شرطة قصر النيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الأولى الصورة الكاملة لحياة الكاتب سلمان رشدى بعد إهدار دمه بسبب كتابه «آيات شيطانية»
10سنوات فى انتظار رصاصة الفتوى
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 09 - 2012

«جوزيف انطون. يجب أن تعيش حتى الموت»..هكذا همس سلمان رشدى لنفسه، بعدما اتخذ هذا الاسم المستعار، بناء على طلب الشرطة لتسهيل حمايته.

اشتق رشدى هذا الاسم المستعار من الجمع بين اسمىّ اثنين من كتابه المفضلين، أنطون تشيكوف وجوزيف كونراد، وعاش به متنقلا بين نحو 20 من المخابئ السرية، منازل وفنادق ومزارع، تحت حراسة مشددة لعشر سنوات.

كان هذا عام 1989 عندما بدأ يعيش تحت حراسة الشرطة، عندما أفتى الإمام الخومينى بإهدار دمه، لنشره كتابا اعتبره آية الله مسيئا للإسلام.

وقبل أيام أصدر سلمان كتابه «مذكرات جوزيف أنطون» التى يركز فيها على سنوات الاختفاء والمطاردة التى عاشها، ومركزا على جانبه الانسانى الذى اختفى وسط زخم التناول الدينى والأدبى لروايته الأشهر. وفى هذا التقرير تقدم «الشروق» قراءة فى مذكرات الكاتب المطارد، التى وصف فيها أحداث ومشاعر 10 سنوات تحت حراسة الشرطة، بعد صدور الفتوى عام 1989.

تضم هذه القراءة أيضا ملاحظات ومعلومات وردت فى تقارير لصحف غربية كتبت عن المذكرات، فى مقدمتها ما نشرته هذا الأسبوع «نيويوركر» بقلم سلمان رشدى أيضا، والتقرير المطول فى «ديلى ميل»، وبعض الكتابات العربية عن رشدى، وأهمها كتاب «ذهنية التحريم»، للكاتب السورى صادق جلال العظم.




1989 الزلزال لا تقلق فالخمينى يحكم على رئيس أمريكا بالموت ظهر كل يوم جمعة




إنه يوم عيد الحب، 14 فبراير.

سلمان رشدى لن يحتفل هذا العام، فالخلافات مع زوجته وقتها، الروائية الأمريكية ماريان ويجنز، تتزايد باستمرار. قبل خمسة أيام قالت له إنها لم تعد سعيدة فى هذا الزواج، وعرف أنها أجرت شقة صغيرة مستقلة، وبدا أن الزلزال سيضرب حياته قريبا.

لم يعرف أن الزلزال الأكبر قادم من حيث لا يدرى ولا يحتسب.

فجأة تلقى اتصالا على هاتف المنزل، كانت مراسلة بى بى سى تسأله «ما هو شعورك عندما تعرف ان آية الله الخمينى قد حكم عليك بالموت؟»، صمت قليلا، ثم رد دون أن يستوعب ما حدث بالضبط، قائلا: «هذا أمر غير جيد». بعد ان أغلق الهاتف بدأ يشعر بفداحة ما هو مقبل عليه، قال لنفسه «أنا رجل ميت».

وجد نفسه يجرى على سلالم المنزل ليحكم إغلاق الشبابيك والباب بسرعة وارتباك، أتت زوجته المستغربة مما يفعل فجلس معها وأخبرها بهدوء. كانت كلاريسا شهمة معه، نسيت فورا كل خلافاتهما وبدأت تناقش ما سيفعلانه.

كان يشعر بالارتياح لاستخدامها كلمات «نحن»، «حياتنا».

بعد قليل وصلت سيارة قناة «سى بى إس» فى موعد مسبق معه ليظهر فى برنامجهم الصباحى. نصحته زوجته بألا يذهب لكنه أصر. لم يكن يعرف حين خرج أن هذا هو يومه الأخير فى منزله.

فى القناة قرأ للمرة الأولى نص الفتوى التى قلبت حياته، واكتشف مذهولا أن الفتوى تمتد لكل من له صلة له، لقد أصبح كالخمر الملعون ساقيها وحاملها وعاصرها.

«فليعلم كل الشعب المسلم فى العالم أن مؤلف كتاب آيات شيطانية، المعادى للإسلام، وللنبى وللقرآن، وكل المتورطين فى نشره والعارفين بمحتواه، محكوم عليهم بالموت، وعلى كل المسلمين تنفيذ الحكم عليهم أينما وجدوا».

فكر فى أنه منذ الآن لم يعد سلمان رشدى القديم، لم يعد كاتبا عاديا ألّف رواية عادية، بل أصبحت روايته فى نظر معتنقى الفتوى آيات شيطانية حرفيا، وأصبح هو بالتبعية شيطانيا.

نظر إلى الصحفيين، وهم يحدقون فيه، وتساءل: هل هذه هى الطريقة التى ينظر بها الناس إلى من يساق إلى المشنقة أو الكرسى الكهربائى. سأل أحد المراسلين الأجانب عن مدى جدية تهديد الخمينى فقال له مازحا: «لا تقلق كثيرا، إن الخمينى يحكم على رئيس الولايات المتحدة بالموت ظهر كل يوم جمعة».

لكنه لم يستطع منع نفسه من أن يقلق كثيرا.

أمه، وأخته الصغرى تعيشان فى كراتشى، فى باكستان، ما الذى سيحدث لهما؟

أخته الوسطى، المنفصلة من مدة طويلة عن الأسرة، تعيش فى بيركلى، كاليفورنيا، بينما أخته الكبرى، سامين، «توأمه الأيرلندى»، كما يناديها، كانت تعيش فى ويمبلى مع أسرتها، هل هما فى أمان؟ ماذا عن ظفار، ابنه من زوجته الأولى كلاريسا، إنه الآن يبلغ تسع سنوات وثمانية شهور، هل سيعيش حتى يحتفل معه بعيد ميلاده العاشر؟

اتصلت زوجته بالقناة، وقالت: «لا تعد إلى هنا، نحو 200 صحفى فى انتظارك على جانبى الطريق»، فطلب منها أن تحضر حقيبتيهما وتقابله فى دار النشر، وهناك اتفاق على الإقامة مؤقتا فى شقتها الصغيرة.

حين ذهب بعد الظهر ليرى ابنه وزوجته الأولى، وجد عندهم ضابطا أخبره أنه سيوضع تحت الحراسة منذ الآن، وأن عليه ألا يتردد على هذا المنزل الذى يمكن أن يعرفه مطاردوه. حين ساله ابنه «هل سأراك غدا يا أبى» صمت قليلا، ثم هز رأسه نافيا، وقال: «لكنى سأتصل بك كل يوم فى السابعة مساء».

فى المساء، على سريره فى منزله يسمع وقع أقدام رجال الشرطة بالشارع، كان يفكر فى أنه لم يعد يفهم حياته، ثم فكر أنه ربما لم تعد لديه حياة متبقية ليفهم.





1975 التكوين عن الإسلام والخلافة المبكرة





«يا سلمان، لا تكتب أبداً التاريخ، إلا بعد يكون بإمكانك سماع أصوات الناس».

هكذا نصحه أستاذ التاريخ الشهير فى جامعة كامبردج، آرثر هيبرت، عندما ذهب إليه ليخبره باختياراته لمادة قراءة التاريخ.

لسنوات بعدها سيفكر فى هذه النصيحة، وسيضعها نصب عينيه حين يكتب الأدب. «إن لم يكن لديك إحساس بالطريقة التى يتكلم بها الناس، فأنت لم تعرفهم بما يكفى، وبالتالى لا تستطيع أن تسرد قصتهم».

كان سلمان هو الابن الوحيد لأنيس أحمد رشدى، المحامى خريج كامبردج الذى تحول إلى رجل أعمال، ونيجين بهات التى كانت تعمل مدرسة. ولد فى بومباى بالهند عام 1947، وقضى هناك سنوات دراسته الأولى، قبل أن ينتقل مع أبيه إلى بريطانيا ليلتحق بالجامعة الملكية فى كامبريدج.

كان مولعا بدراسة تاريخ الفترات الانتقالية فى حياة الأمم، خاصة التى اختلطت فيها الأعراق والأديان واللغات، مما يذكره بموطنه.

كان عليه أن يختار ثلاثة موضوعات، فقرر أن يعمل على التاريخ الهندى أثناء فترة الكفاح ضد البريطانيين، من انتفاضة 1859 حتى يوم الاستقلال فى أغسطس 1947، عام مولده، واختار أيضا موضوع القرن الأول فى تاريخ الولايات المتحدة منذ إعلان الاستقلال حتى إعادة البناء، والموضوع الثالث الذى كان يعرض على الطلاب للمرة الأولى حينها كان عنوانه «محمد، صعود الإسلام والخلافة المبكرة».

وأثناء دراسته للموضوع الثالث، قرأ النص الذى سيغير حياته، حديث الغرانيق.

تقول الروايات المذكورة فى ابن اسحاق والواقدى والطبرى، إن الرسول محمد كان يتمنى أن يقرب الله بينه وبين قومه، فجاءه الشيطان وأوحى له بآيات مضافة على سورة النجم تتبع الآية الكريمة «أرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى» سورة النجم، ليصبح ما بعدها «أؤلئك هم الغرانيق العلى. وإن شفاعتهن لترتجى»، فسجد الكفار مع المسلمين حين سمعوا ذلك، ثم أرسل الله جبريل معاتباً الرسول، فأصلح خطأه وأنزل الله فى ذلك آية «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان».

عرف سلمان أن كلها روايات غير صحيحة حسب المقاييس الاسلامية لرواية الحديث، وربما لم يقرأ تفنيد كبار العلماء ومؤرخى الإسلام لهذه المزاعم، ومنهم أحمد أمين فى كتاب «فجر الإسلام».

لكنه لم يكن يفكر فى الأمر من الناحية الدينية بل من الناحية الأدبية الدرامية، الصراع الداخلى فى النفس الإنسانية، وتعاطف النبى الشديد مع قومه وحبه لهم، قومه المستعدين لاتباعه لو أمن لهم ما يكفل استمرار مصالحهم الاقتصادية.

بدا له هذا منبعا لدراما ممتازة، يستخدمها لطرح رؤى فلسفية فى عمل أدبى.




1975 - 1988 التجربة إيران منحت روايته «العار» جائزة قبل فتوى إهدار دمه




قرر سلمان أن يبدأ الكتابة الأدبية، فكان أول أعماله أقرب لمجرد تجربة بحتة، كأنه يختبر نفسه هل يستطيع الكتابة الأدبية فعلا؟ كتب رواية الخيال العلمى الوحيدة فى حياته، والبعيدة عن سياق كل مؤلفاته «جراميوس» عام 1975 ولم تحظ بأى نجاح.

بعدها استلهم روح دراسته التاريخية، وتجربته الشخصية، ليكتب عمله الأدبى الأهم عام 1980، رواية «أطفال منتصف الليل» الأشبه ببانوراما هائلة عرض فيها تاريخ الهند بكل تراثه، وأساطيره، وبهجته، ومآسيه، عشية استقلاله عن بريطانيا.

نجحت الرواية نجاحا كبيرا، وأصبحت علامة فارقة فى تاريخ ما يسمى «الأدب الهندى الانجليزى»، وعلى أثرها حصل رشدى على جائزة البوكر، أهم جائزة أدبية فى بريطانيا.

فى هذه الرواية ظهر للمرة الأولى أسلوبه المميز، حيث يختلط الشرق بالغرب، والشك باليقين، والخيالات والهلاوس بالواقع. فيما بعد حين تتكاثر حوله الاتهامات بأنه كاتب فاشل تافه، اشتهر فقط بالمصادفة، سيعيد مرارا التذكير بهذه بأنه نال أهم تكريم أدبى فى بريطانيا قبل «آيات شيطانية» بثمانية أعوام.

فى نفس السياق أصدر عام 1983 روايته «العار»، متحدثا فيها عن الوضع السياسى فى باكستان لحظة انفصال بنجلادش عنها، ورسم للرئيس ذو الفقار على بوتو والجنرال ضياء الحق شخصيتين رئيسيتين فى الرواية.

ومن اللافت للنظر للغاية أن الروايتين تم ترجمتهما للإيرانية واحتفت بهما السلطات هناك كنماذج للأدب المعادى للغرب، حتى أن رواية العار نالت جائزة أفضل رواية مترجمة فى إيران، وهى جائزة تقررها لجنة وزارية خاصة، تفحص الأعمال الاجنبية إلى الفارسية.

لكن سلمان شعر أنه يريد أن يكتب ما هو أكبر من صراع الشرق والغرب.

كتب فى دفتره: «كيف يدخل التجديد إلى العالم؟» ورد على نفسه «فعل الهجرة، إنه يعيد النظر فى كل شىء عن الفرد أو المجموعة المهاجرة، كل شىء عن الهوية والذات والثقافة والاعتقاد يصبح موضعا للتساؤل».

أراد أن يطرح الأسئلة، «كيف يشكل الماضى الحاضر وكيف يغير الحاضر فهمنا عن الماضى؟ كيف يتسرب العالم المتخيل إلى الواقع؟».

وهكذا بدأ فى كتابة روايته «آيات شيطانية» مستوحيا قصة الغرانيق، وأمورا أخرى لا علاقة بها بأى موروث دينى، كفكرة «المدينة المرئية وغير المرئية» التى شبه بها وضع المهاجرين المسلمين فى أحياء لندن الفقيرة، وكواقعة حدثت عام 1983 حين أوهمت هندية شيعية أتباعها أن لها كرامة السير على الماء، وعبرت بهم النهر فغرقوا جميعا، وحتى مشهد لسياسى هندى رآه ذات يوم على شاشة التلفزيون ينطق اسم تاتشر بطريقة خاطئة مضحكة، «السيدة مارجريت تاتشر».

جعل الخط الرئيسى للرواية عن راكبين فى طائرة تتهشم ويهويان من السماء، وهما فى رحلة السقوط يتعرضان لتحولات عجيبة تجعل أحدهما أشبه بالملاك والآخر بالشيطان وكلاهما يتذكر هلاوس وخيالات من حيوات سابقة، تتناول شتى الأمور الدينية والسياسية.

فى مخيلة الكائن الملائكى ذكريات عن نبى فى زمان مجهول فى مدينة مجهولة، يسميه ماهوند، وبعض الأحداث كانت مستوحاة من روايات صحيحة أو غير مؤكدة فى سيرة الرسول، والكثير من الأحداث كان خياليا تماما. كان يؤكد أنه يكتب عملا أدبيا لا دراسة دينية أو تاريخية.

استغرقت الكتابة أربع سنوات من العمل الدءوب، لذلك سيقول بعدها لمن يتهمه بأنه أراد فقط الإساءة للإسلام «كان بإمكانى أن أسىء للإسلام فى جملة واحدة، لا فى رواية من ربع مليون كلمة، كل أحداثها متخيلة».

صدرت الرواية فى 26 سبتمبر 1988، ولوقت قصير كانت حدثا أدبيا مهما يتم مناقشته من الناحية الفنية البحتة.

بعض النقاد امتدح الرواية. كتبت فيكتوريا جليندينينج فى لندن تايمز أن «هذا العمل أفضل من «أطفال منتصف الليل» لأنه متماسك أكثر، ولكنه متماسك على طريقة شلالات نياجرا». ورأت آنجيلا كارتر ناقدة الجارديان فى الرواية «ملحمة تم عمل ثقوب فيها لتسمح بالرؤية، ورواية معاصرة مزدحمة، ممتلئة، رائعة، وأحيانا أحيانا عجيبة».

بعضهم انتقدها. وصفتها كلير توملين فى الاندبندانت بأنها «عجلة لن تتحرك»، فيما جاء رأى هرميون لى الأكثر حدة فى الأوبزرفر بأنها «رواية تهبط بجناحين منصهرين نحو ألا يقرأها أحد».

فى 10 أكتوبر وصل أول تهديد لرشدى بالقتل إلى مكتب ناشره، وتسارع انتشار الأنباء عن محتوى روايته المسىء بين الجالية المسلمة فى بريطانيا، حتى حدثت أول مظاهرة ضده فى 2 ديسمبر فى بولتون شمال غرب انجلترا، حيث أحرق المحتجون نسخا من الرواية.

لم يعرف سلمان أن هذه الأحداث كانت مجرد بداية قبل الزلزال.







رجل إعلانات سابقًا





الابن الوحيد لأنيس أحمد رشدى، خريج جامعة كامبردج، عمل محاميا، ثم عمل كرجل أعمال، وزوجته نيجين بهات، مدرسة.

ولد سلمان فى مومباى بالهند، تلقى تعليمه الأساسى فى مدرسة كاتدرائية جون كونن.

انتقلت عائلته إلى إنجلترا حيث درس فى مدرسة الرجبى الداخلية.

درس التاريخ فى الكلية الملكية بكامبريدج.

عمل فى وكالتى إعلان قبل أن يتفرغ للكتابة.

تزوج رشدى أربع مرات، الأولى هى البريطانية كلارسيا لوارد بين 1976 1987 وانجب منها ابنه ظفار.

زوجته الثانية هى ماريان ويجينز الروائية الأمريكية،

تزوجا فى عام 1988 وتم الطلاق فى عام 1993 بعد كذبها عليه محاولة إقناعه بالذهاب إلى أمريكا.

زوجته الثالثة من 1997 إلى 2004 كانت إليزابيث ويست، انجبا ابنه الثانى، ميلان، انفصلا بعد تأثرها نفسيا بتعرضها للإجهاض المبكر الذى فقدت فيه ابنهما الثانى.

فى عام 2004 تزوج من الممثلة الهندية الأمريكية، والموديل بادما لاكشمى، انتهى الزواج فى 2 يوليو 2007، واعتبره رشدى غلطة منه.





سر العداوة الشخصية





فى دراسة نشرها موقع «المثقف الجديد» منذ أيام، يذهب الكاتب العراقى على الكاش إلى أن أسبابا شخصية دفعت الإمام الخمينى إلى إهدار دم سلمان رشدى، هى ما تصور مقربون من الإمام أنه «غمزات» غير مباشرة من الكاتب فى شخصية الخمينى عبر سطور الرواية.

يقول الكاش إن سلمان رشدى لم يكن يسىء فى روايته إلى الرموز الإسلامية فقط، بل إنه سخر من رؤساء غربيين ومن الفاتيكان ومن شخصيات أخرى، وعرض على الكاش صورة الخمينى التى ظهرت فى الرواية، «الوحش البديل لصنم اللات، متقمص شخصية النبى، الرجل القبيح، المريض نفسيا بفكرة القدس... إلخ».

يضيف الكاش أن أسلوب سلمان رشدى استفزازى ليس مختصا بعداء الإسلام، وإنما هو لجلب الانتباه إلى نفسه من طريق مهاجمة كل من يستطيع أن يبادله الهجوم، وهو يهدف من ذلك إلى الشهرة، ويضرب لذلك مثالا من رواية سلمان رشدى «أطفال منتصف الطريق» التى تطاول فيها على تراث الهند وعلى رئيسة وزرائها أنديرا غاندى.





قائمة الأعمال الحقيرة

كتب نورمان تيبيت رئيس حزب المحافظين السابق فى الاندبندنت مهاجما رشدى لأنه «يمثل ظاهرة الإنسان النذل والخسيس فى مواجهة الإنسان البطل والعظيم»، ولأن «أعماله العامة لم تنطو إلا على سجل من الأعمال الخيانية الحقيرة مثل خيانته لتنشئته الاجتماعية والوطن الذى اختاره لنفسه بالإضافة إلى جنسيته البريطانية» ووصفه بأنه «ضيف وقح غير مرحب به، يعوى باستمرار عواء الجراء، ويشكو دوما من هذا البلد كى يلفت الانتباه لنفسه، دون أن يكون لديه أى استعداد لمغادرته عائدا إلى بلده الأصلى».

يشير جلال العظم هنا إلى مدى العنصرية التى تفوح من هذا الموقف، وينقل كلام الكاتب البريطانى حنيف قرشى عن رأيه بأن الغربيين كرهوا تفوق رشدى عليهم فى فنهم، الأدب الإنجليزى، دون أن يتحول إلى ممجد لمؤسسات بلادهم أو مادح لسياساتهم، على طريقة كتاب مهاجرين آخرين حظوا بالترحيب والتشجيع.

فى الحلقه الثانية من مذكرات سلمان رشدى عن سنوات المطاردة: عائلة الكاتب الهندى تحت الحراسة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.