* كل الطرق تؤدي إلى تورط "الإرهابية" في أزمات المنطقة العربية * الجماعة تلفظ أنفاسها الأخيرة على صعيد الحشد والمواجهة مع الأمن * مصر ستشهد طفرة حقيقية في مجال مكافحة الإرهاب خلال الفترة المقبلة * الولاياتالمتحدة الراعي الرسمي للجماعات الطائفية في العالم يرى الخبير الأمني اللواء عبد الحميد خيرت أن مفهوم الأمن القومي لا يقتصر فقط على الجوانب الأمنية، بل يتسع ليشمل جوانب عديدة، كما شدد في حواره مع "فيتو" حول مفهوم الأمن القومي على أن الفترة المقبلة سوف تشهد طفرة في مكافحة الإرهاب، واعتبر أن الولاياتالمتحدةالأمريكية الراعي الرسمي للجماعات المسلحة والطائفية في العالم، وفيما يلي نص الحوار: - في البداية.. ما تعريف الأمن القومي من وجهة نظرك؟ الأمن القومي أصبح ذا مفهوم شمولي يتسع كثيرا ليفوق ما يظنه الرجل البسيط في الشارع، فالعولمة والتطور التكنولوجي الذي أصبحنا نواكبه في هذه الآونة حتم علينا أن ننظر بعين الاعتبار لكافة القضايا والملفات التي قد تمثل تهديدا للأمن القومي للدولة، حيث إن الناس يعتقدون أن الأمن القومي للدولة يقتصر على تأمين حدودها وأن أي اعتداء على ذلك يعتبر خطرا يمس أمنها القومي، إلا أنه بتطور وسائل الإعلام وظهور ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي وسهولة تبادل المعلومات من خلاله والتأثير على قطاع عريض من الجمهور عن طريق نقل الأفكار الهدامة والشاذة عن مجتمعنا كما تفعل عناصر الجماعات الإرهابية لاستقطاب الشباب وتحريضهم على ارتكاب أعمال العنف ضد وطنهم، لذلك أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي من أخطر عناصر تهديد الأمن القومي لأى دولة. وإذا أردنا تحديد مسميات لملفات الأمن القومي التي تؤرق بال المسئولين في مصر، نجد على رأسها: ملف تنمية الموارد الطبيعية بالدولة، فالدولة غير القادرة على تنمية مواردها دولة غير قادرة على المحافظة على هويتها ووجودها، كما تتضمن القائمة ملف العشوائيات، والطائفية والاضطهاد الديني، وارتفاع الأسعار، وأزمة مياه النيل، وأزمة الغاز، والقائمة تطول، فالمقصود هنا أن الأمن القومي لا يقتصر على ملف الإرهاب والحدود فقط بل أصبح يشمل جميع المجالات، فعلى سبيل المثال إذا تظاهر مواطنون وقطعوا طريقا ما اعتراضا على غلاء أسعار أسطوانات البوتاجاز، فسيؤدي ذلك إلى تعطيل حركة المرور وتعطيل مرافق الدولة وإهدار هيبتها وسيادتها، وذلك يدخل تحت بند الأمن القومي للدولة، أي بمعنى أدق كل ما له مردود وتأثير على الشارع، وما يستتبعه من تبعات أمنية. -هل تمثل جرائم وعنف جماعة الإخوان الإرهابية والتنظيمات المنبثقة عنها كأنصار بيت المقدس وأجناد مصر وغيرها أولوية في ملف الأمن القومي المصري؟ وهل ترى فرصا للمصالحة مع الإخوان؟ أولا أنا أستبعد حدوث المصالحة بين الإخوان والدولة، وذلك يرجع إلى أن النظام لن يستطيع التفاوض على مصالحة في الدماء، فالصراع مع الإخوان أصبح الخصم فيه هو الشعب وليس الدولة، وفكرة المصالحة غير مقبولة من المواطن في الشارع جملة وتفصيلا، والذي رأى بعينه وعاصر طوال ما يزيد على العام الجرائم والمجازر التي ارتكبتها تلك الجماعات الإرهابية بعد إسقاط حكم رئيسهم المعزول، وعلى الجانب الآخر فإن الإخوان أنفسهم سيتعرضون للحرج حال إتمام المصالحة؛ لأن إقرارها سيكون بمثابة دليل الإدانة عليهم بتوقف كافة أعمال العنف والإرهاب الممنهج التي ترتكب ضد رجال الشرطة والجيش ومؤسسات الدولة من التنظيمات الإرهابية المختلفة التي تبرأت منها قيادات الإخوان مرارا وتكرارا، وتأكيدهم دائما على ثورتهم السلمية -على حد زعمهم-. ثانيا: بالطبع يمثل إرهاب الإخوان ملفا ملحا على طاولة المسئولين عن الأمن القومي المصري، فالمشكلة التي تواجه الدولة هنا تتمثل في وجود 3 اتجاهات داخل الجماعة، كل منها يحتاج دراسة متأملة لكي نضع أيدينا على حجم الخطر المحدق بالوطن، فالفريق الأول داخل الجماعة الإرهابية يمثله أقطابها وقياداتها المتواجدة داخل السجون الآن، وهم الملوثة أيديهم بدماء الشهداء ويحاكمون أمام قضاء مصر العادل وتنتظرهم أحكام رادعة قد تصل للإعدام. الفريق الثاني يتمثل في قيادات الصفين الثاني والثالث المتواجدين خارج السجون ويتلقون التعليمات من القيادات المحبوسة بالاستمرار في المواجهة مع الدولة والأمن لإجبار النظام على المصالحة، وكثير منهم خاصة الشباب يظنون بأن ما يفعلونه هو الجهاد، فهم يبايعون المرشد ودولة الخلافة ولا يؤمنون بالوطن غير معترفين بثورة 30 يونيو التي أسقطت نظامهم، مدعين أن الدولة تعدت على شرعيتهم. أما الاتجاه الثالث والأخطر، فيتمثل في التنظيم الدولى للجماعة، والذي يتحكم بخيوط اللعبة ويملك زمام الأمور في يديه، فالتنظيم الدولى يعلم جيدا أن المعزول مرسي لن يعود وأنه لا مجال للتفكير في ذلك، وأنه إذا ما تم الاتفاق على المصالحة فإن بنودها حتما لن تتضمن الإفراج أو العفو عن المحبوسين المتهمين على ذمة قضايا العنف والقتل، كما يعلم أيضا أن الأزمة والعداء أصبح بين الجماعة والشعب وليس النظام وأنهم أخطأوا عندما رفعوا الأسلحة في وجه المصريين، فالمشكلة التي يواجهها التنظيم الدولي أكبر من أن يتم اختزالها في إطار المشهد الداخلي، بل امتد تأثيرها السلبي على المستوى الإقليمي والدولي، ولمواجهة ذلك، انتهج التنظيم الدولى للجماعة والمتواجد قياداته بلندن نهجا جديدا تجلى في محاولة استقطاب المصريين والعرب من ذوى الجنسية البريطانية للدخول والانضمام للجماعة بحيث يصبح لها ظهيرا ودماء جديدة ووطنا لهم في إنجلترا، ويكون نواة لتعميم هذه الخطة في باقي الدول الأوربية، وهنا تكمن الخطورة التي أشرنا إليها سلفا بأن يمتد التأثير السلبي للجماعة على المستوى الدولي، وذلك بعد أن تم رصد عدد لا بأس به من المقاتلين في صفوف الجماعات الإرهابية في سورياوالعراق بتنظيم "داعش" من حاملى الجنسيات الأوربية، فأصبحت الخطورة مضاعفة عند عودة هؤلاء لبلادهم لأنهم حملوا "فيروس" الإرهاب والتطرف، وهنا نجد أننا ندور في دوائر مفرغة وأن كل الطرق تؤدي إلى تورط جماعة الإخوان الإرهابية في ما تمر به المنطقة العربية من أزمات. - هل ترى أن مواجهات الإخوان مع الأمن في الشارع قد شارفت على نهايتها؟ وما تعليقك على ظهور تنظيمات جديدة ك"كتائب حلوان" و"الثأر لمصر" وغيرها في الآونة الأخيرة؟ جماعة الإخوان تلفظ أنفاسها الأخيرة على صعيد القدرة على الحشد والمواجهة مع قوات الأمن، وذلك يرجع لأسباب عدة منها: أن قيادات الجماعة كانوا يعتمدون على العناصر المسجلة جنائيا في الحشد لمظاهراتهم بعد دفع أموال كثيرة مقابل ذلك، وأيضا الاعتماد على الشباب المتحمس والغيور على الدين والذي يسهل إقناعه بزعم الدفاع عن الشرعية والهوية الإسلامية للدولة، والاثنان - المسجل الجنائي والشاب المتدين- شكلا نواة وأرضا خصبة لخلايا إرهابية حركها الإخوان لإرتكاب أعمال العنف باستخدام السلاح، ولكن بعد أن تكشف زيف الإخوان للجميع، بدأت تلك العناصر في التخلي عن دعم الجماعة، وتجلى ذلك في اعتراف المتهمين المقبوض عليهم بدون أدنى محاولة لنفى التهم عن أنفسهم، فالمسجل الجنائي لا ولاء لديه سوى للمال الذي يدفع له والأمر برمته لا يمثل له سوى المادة، ولذلك فعندما يشعر أنه متورط في جرائم قتل أوإرهاب سرعان ما يندم ويعقد النية على عدم التعاون مع الجماعة الإرهابية مرة أخرى، أما الشاب المتدين فبدأ في إدراك أن ما يفعله من أعمال قتل وترويع وإرهاب ليس من الإسلام في شئ، وجميع تلك العوامل ستضطر الجماعة للدفع بشبابها لصفوف المواجهة خلال الفترة المقبلة، وذلك بسبب قلة تعاون أو تعاطف العناصر الأخرى البديلة مقارنة بالشهور الأولى بعد 30 يونيو، وستصبح المواجهات أشد شراسة وأكثر عنفا لأن هؤلاء الشباب أعضاء بالجماعة ومنتمون لها فكريا، وذلك بعد أن تم إلقاء القبض على 200 شخص من شباب الجماعة في ذكرى فض رابعة والنهضة. أما بالنسبة للحركات والتنظيمات الجديدة التي تخرج علينا بشكل شبه يومي خلال الفترة الأخيرة مثل كتائب حلوان وغيرها، فإن أكثر ما يقلقني في هذا الشأن هو وجود أسلحة آلية أصبحت في متناول الجميع وما يمثله ذلك من خطر على الشارع المصري، فأنا لا أصنف تلك العناصر جماعات منظمة، هم ليسوا أكثر من مجرد هواة والدليل على ذلك سذاجة خطابهم وسهولة إلقاء القبض عليهم من قبل الأمن. - ما رأيك في إدارة القيادة السياسية لملف الإرهاب؟ وهل ترى في توتر العلاقات المصرية الأمريكية خطرا على أمننا القومي؟ أكاد أجزم أن الفترة المقبلة ستشهد خلالها مصر طفرة حقيقية في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك عن طريق قراءة المشهد الخارجي بحكمة وفطنة، وهو ما يتميز به الرئيس عبد الفتاح السيسي والذي بدأ زياراته الخارجية فور تقلده منصبه من دولة الجزائر، وأرجح أنه بحث مع الرئيس بوتفليقة سبل دعم ملف الأمن المصري الجزائري الليبي، ثم جاءت زيارة السعودية لمتابعة المستجدات في منطقة دول سورياوالعراق وتعزيز التعاون بين مصر والسعودية لدحر ووأد المخاطر المحتمل حدوثها، وصولا لزيارته الأخيرة لروسيا ولقائه بالرئيس بوتين، والتي كانت مرتبطة بالتنسيق والتعاون في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية. أما فيما يخص توتر العلاقات مع أمريكا، فلا أرى في ذلك تهديدا على أمننا القومي على الإطلاق، فالسياسة مبنية في المقام الأول على مبدأ المصلحة، وأمريكا لها - وستظل- مصالح كثيرة في الشرق الأوسط ويهمها بسط نفوذها وهيمنتها عليه، ونحن نعلم جيدا أن إدارة أوباما وراء كل المشاكل التي تعاني منها المنطقة العربية في السنوات الأربع الأخيرة، وأن ثورة 30 يونيو أحبطت تنفيذ أجندتها بإعادة تقسيم المنطقة بالكامل، ولكن ليس معنى ذلك أن نقطع علاقاتنا الدبلوماسية مع أمريكا، فليس هكذا تدار لعبة السياسة ولكن ما يقوم به الرئيس السيسي الآن هو التعامل بمفهوم الندية في التعامل مع كل الدول التي لها مصالح متعارضة مع المصالح المصرية، فأصبحنا نملك قرارنا دون إملاء من أحد، وأكبر دليل على ذلك هو موقف الإدارة المصرية تجاه أزمة سوريا، عندما أكدت الخارجية المصرية على أن الحل السياسي هو الطريق الأمثل لحل الأزمة، وثبت بعد ذلك مدى بعد نظر هذا الرأى ومدى خطأ ممارسات الدول الأخرى بالمنطقة تجاه الملف السوري. -ماذا تعني بمقولة: ممارسات الدول الأخرى تجاه الملف السوري أثبتت خطأها؟ الذي حدث أن سياسة بعض الدول العربية تجاه الملف السوري والتي كانت تهدف لإسقاط نظام بشار الأسد، أصبحت تتكاتف الآن لمواجهة بطش الجماعات الإرهابية التي امتد نفوذها لخارج حدود سوريا وأصبحت تهدد الأمن القومي العربي مثل تنظيم "داعش"، فأصبح الموقف في صالح بشار، وأرى أيضا أن أمريكا تعاملت مع ملف سوريا من الأساس بشكل خاطئ، وذلك لأن نظام بشار هو عضو محورى هام في حلف روسي إيراني صيني، فروسيا لها قاعدة اسطول بحري مستقرة بميناء اللاذقية -هي الوحيدة من نوعها في الشرق الأوسط-، ومن المؤكد أنها لن تسمح بإسقاط نظام بشار وإلا ففي ذلك هزيمة لها في سوريا، محذرة ومعها الصينأمريكا وأوربا من أنهما لن يسمحا بتكرار سيناريو ليبيا في سوريا أوتوجيه الناتو لضربات عسكرية في دمشق والحيلولة دون حدوث ذلك إذا تطورت الأمور، وحينها طالبت أمريكا نظام بشار الأسد التخلص من الأسلحة الكيماوية الموجودة لديه كنوع من أنواع حفظ ماء وجههم أمام الرأي العام. - البعض يردد أن النفوذ الأمريكي بالمنطقة بدأ يتراجع ويقل تأثيره أمام السطوة الروسية الجديدة.. فما رأيك؟ مما لا شك فيه أن روسيا ومعها أيضا الصين أصبح لهما نفوذ يتنامى ويتعاظم شأنه في السنوات الأخيرة داخل منطقة الشرق الأوسط، فاختارت حينها أمريكا أن تكرر سيناريو حرب العراق وأفغانستان في الدول العربية، وهو مخطط خبيث يهدف إلى جر روسياوالصين لحرب عقائدية، فبدأت أمريكا في زرع بؤر إرهابية في أفريقيا والمنطقة العربية، فأصبحنا نرى جماعات متشددة متطرفة تنتهج العنف وتتخذ من الدين ستارا لمطامعها، والأمثلة على ذلك كثيرة في لبنان وفلسطين ومصر والعراقوسوريا واليمن والسودان والجزائر وتشاد والنيجر ومالي ونيجيريا وموريتانيا وبنين ودول أخرى. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإدارة الأمريكية كانت تدير جميع هذه الملفات التي صنعتها عن طريق وسيط يكون بمثابة همزة الوصل بين تلك الجماعات الإرهابية وأجهزة المخابرات الأمريكية والأوربية، فجاء دور الإخوان والوسيلة التي يتحقق بها هذا المخطط هي ما يسمى بثورات الربيع العربي، لأنها أفرزت أنظمة إسلامية سنية إخوانية، ووضح ذلك بشدة في مصر وتونس وليبيا واليمن ودعم جماعة الإخوان للجماعات الإرهابية في سوريا، ومن هنا كانت جماعة الإخوان هي من تلعب دور الوسيط الذي يتعامل مع كل هذه التنظيمات والجماعات الإرهابية، وباتت همزة الوصل بينهم وبين الإدارة الأمريكية لإنجاح محطط تقسيم الشرق الأوسط الجديد وإيقاف المد الروسي الصيني في المنطقة.