هذه هى المرة السادسة التى أذهب فيها لزيارة الرئيس السابق مبارك فى مرقده, قبل الزيارة هاتفته لأطمئن على صحته بعدما شاهدته مستلقيا على سريره لا يتحرك أثناء المحاكمات الأخيرة.. ما أن انفتح الخط حتى فوجئت به يرد بصوت عفىّ كما تلميذ بالإعدادية، وراح يعاتبنى لعدم زيارتى له بصفة يومية وعدم حضورى جلسات المحاكمة.. لكن حجتى الواهية عندما قلت له لا أريد إزعاجك يا سيدى لم تكن لتقنع تلميذا فى 1.G.K.. فقررت أن أذهب إليه.. وكعادتهم فى المستشفى المحاط بالعسكر كما «الفيجتار» يلتصق بورك الفرخة، قابلونى بترحاب وأدخلونى عليه دون «عكننة».. وجدته هذه المرة أكثر إشراقا، حيث ابتسامة عريضة ظهرت على وجهه رغم عينيه الغائرتين!! وسريعا تمدد على سريره متظاهرا بالمرض، فقلت له: ألف سلامة عليك يا سيد الناس!!.. حرك يده بصعوبة لتصل إلى تلك الكمامة التى تساعده على التنفس، فأبعدها عن فمه وقال لى: أهلا يا سطوطة يا بنتى - فيكى الخير.. هل شاهدتنى فى المحكمة؟!! قلت له : نعم كنت فى كل مرة أحاول رؤيتك بصعوبة لأن الكتاكيت جمال وعلاء ربنا يحرسهم دائما ما يواريانك عن الناظرين.. فقال لى: فى كل جلسة كنت أقول «أفندم» بصوت عال لأننى أعلم أن الشعب ما زال يشتاق لنبرات صوتى يا سطوطة!! قلت له: طبعا يا سيد الناس ربنا يعطيك الصحة وتقف لنا من جديد على قدميك وتملأ علينا الدنيا!! فقال: أرأيت سامح عاشور الذى تربى وترعرع بيننا وهو يطلب إعدامى يا سطوطة؟! .. قلت له: رأيت كل شىء يا سيد الناس، وكنت أضرب كفا بكفّ من حال الدنيا المتقلبة!! فقال لى وهو يربت على يدى: لا تقلقى يا سطوطة كل شىء يجرى كما نريد.. لكن ما يصعب علىّ هو حال هؤلاء الذين صنعناهم يوما ما ونراهم الآن وهم يطلبون إعدامنا!! قلت له: ولكن لماذا تراجع محاميك عن طلباته التى وصلت لمرحلة أخذ أقوال ثمانية آلاف شاهد كان من الممكن أن تؤجل موعد المحاكمات لمائة سنة قادمة؟!! فقال لى: لا لا كان ذلك سيناريو من وحى خيال فريد الديب لإطالة وقت المحاكمة وتضييع معالمها، لكننا الآن لا نريد ذلك.. نريد سرعة المحاكمة لأمور سوف أحكيها، لكن فيما بعد عندما تزوريننى فى منزلى إن شاء الله وتقرأين لى الفنجان كالعادة!! قلت له: معنى كلامك أنك ستخرج من المستشفى إلى المنزل ولن يكون هناك سجن يا سيدى!! قال: عيب عليكِ يا سطوطة تقولى كده!! أنا أدخل السجن؟!! لماذا؟!! هى القطة أكلت عيالها؟!! قلت له: أنا لا أقصد يا سيد الناس.. وماذا عن علاء وجمال حبايب قلبى؟!!.. قال: الولاد اقتربوا من العام فى طرة يا سطوطة وهذه هى مدة الحكم الذى سيحصلون عليه من المحكمة إن شاء الله وسلمى لى على حكومة الإنقاذ!! بصعوبة أخذ مبارك يضحك فقلت له: وماذا عن حبيب العادلى ورجاله يا أبو علاء؟!! فقال: ربنا معاه يا بنتى فلا بد أن يكون هناك كبش للفداء!! قلت له: يمكنك الرجوع لكفر مصيلحة وتترشح للانتخابات القادمة يا سيدنا وتخزى عين العدو!! قال : لا لا.. البركة فى الولاد يا سطوطة.. لازم يرجعوا تانى يقفوا على أرجلهم والفلوس كتيرة والحمد لله!! قلت له: طبعا يا سيد الناس أنا أعلم أن أى قارة أو دولة من دول العالم لا تخلو من أموالكم التى كنتم تدخرونها للشعب!! ضحك مبارك وقال لى: إقرئى لى الكف يا سطوطة!! فأمسكت بيده لأجد خطوطها قد تشابكت وأصبح باطن يده يشبه ظهرها فقلت له: أمامك طريق لا يعلمه إلا أنت يا سيدى.. فأنت الوحيد الذى تعلم ماذا يجرى سواء فى المحاكمات أو فى طرة أو فى التحرير، أما باقى الشعب فله الله!! ابتسم مبارك وقال: إنتى شاطرة يا سطوطة!! فقبلت جبينه واستأذنته فى الرحيل.