مشكلة المشاكل فى حياتى الآن، هى أننى شديد الخوف على الثورة، ودراستى لأكثر من ربع قرن، أعمال المخابرات، والأمن، وحتى نظم التآمر، علمتنى أن اللعبة دوما هى لعبة شطرنج كبيرة، لا يهم فيها إذا ما كنت صاحب المبادئ الحقة، أو صاحب الأهداف الأسمى، فهذا أمر يسجله لك التاريخ، فحسب، ولكن من يربح اللعبة هو الأكثر مهارة، والأقدر على رؤية الأمور، والأبرع فى إدارتها، والأهم هو الأكثر هدوءا، وبعيدا عن الغضب والاندفاع الأعمى، ولقد أضفت إلى هذا معرفتى الوثيقة ببعض الشباب الرائع من كل الفئات، الذى أشعل ثورة يناير، وبدأ عملية إسقاط النظام السابق، بكل ما كان يثقل به كاهل الشعب، اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا، ولقد عرفت كيف يفكرون بوعى كبير، وكيف يتعاملون بنبل رائع، مع كل ما يواجهونه، وما أراه يحدث، لا يتفق مع روعة هؤلاء الشباب، وإن كنت أعتب عليهم نقيصة كبيرة، لا بد أن يتداركوها، قبل فوات الأوان. فعلى الرغم من اتهام كل حكومة بالعجز، والاتهام المتواصل للمجلس العسكرى بأنه لا يستطيع إدارة الأمور، فقد عجز الشباب، طوال ما اقترب من عام كامل، عن إيجاد قيادة لهم، تجمعهم كلهم فى منظور واحد، ورؤية واحدة، تصنع منهم قوة، بدلا من أن تأتى كل ردود أفعالهم عفوية مشتتة، تفتقر إلى التنظيم وبعد الرؤية، وفى لعبة الشطرنج لا يمكن لطرف أن يربح، إلا إذا أخطأ الطرف الثانى، والشباب، مع حماسه وانفعاله يرتكب كثيرا من الأخطاء، التى تفقده شعبيته، يوما بعد يوم، مكتفيا بتهليل وسائل الإعلام له، واحتفائها بكل ما يفعله، أيا كان. وكل هذا لا يصب فى صالح الثورة، بل يصب فى صالح كل من يرغب فى وأدها، وكل من يرغب فى إفراغها من مضمونها، ثم إن الشباب صار أشبه بالشيوخ، الذين يرفضون سماع أى رأى مخالف، بل ويرفضون سماع أى رأى، أيا كان، ويغضبهم بشدة أن ينسب إليهم أى مخلوق خطأ ما، باعتبار أنهم معصومون من الخطأ، وكل ما يقومون به هو صحيح مئة فى المئة، ولا تشوبه شائبة، وهذه نقيصة مخيفة، خصوصا لو وجدت من يؤازرها، لأنه مهما قيل، ومهما حدث، لن يربح اللعبة إلا من يجيدها، ولن يربحها حتما من يجهل قواعدها، ولا من يصم أذنيه عن سماع انتقادات الآخرين، ويحاول فهم رؤيتهم، وليس بالضرورة أن يتبعها فى النهاية، ولكن الأهم أن يستمع إليها، ويدركها، ثم يتخذ قراره بحرية بعدها، إيجابا أو سلبا، ولو بذل الشباب قليلا من الجهد، وخففوا من حدتهم، لتغيّرت الصورة تماما، وما زال للحديث بقية.