إلي أي حد تحب الشطرنج؟ السؤال هنا يمكن ان تجيب عنه بأنك تفضل لعب الطاولة او الدومانو عن لعب الشطرنج. ولأني واحد ممن عاشوا في رحاب اثنين من كبار عشاق وأساتذة الشطرنج هما الروائي الكبير الشهير الرائع فتحي غانم، والكاتب السياسي الجميل والراحل ايضا وسيم خالد، لذلك أحب الشطرنج لا لكي ألعبه، ولكن من أجل مشاهدة رحلات المكر والحياد والاحساس بالقدرة علي الاكتمال في نفس الوقت. وأما من أوصلني إلي هذا الاحساس فهو فتحي غانم الذي لم يضع عاطفته في يوم من الأيام إلي في موقعها الصحيح والصحي، فعندما عملت تحت قيادته في بداية عمري الصحفي كانت قراراته واضحة بخصوص التدريب الصحفي، فمن يستطيع الحصول علي الخبر ويكتبه بدقة تجعله قصة قصيرة، فأي خبر هو قصة قصيرة. وعلي ضوء ذلك يمكن له كرئيس تحرير ان يتحمس للصحفي الشاب، أما عكس ذلك فلن يحصل الصحفي الشاب علي فرصته للتدريب مع فتحي غانم. وقد تحمس فتحي غان لتعييني لمجرد أني عملت معه كجامع أخبار لمدة أسبوعين، ثم طلب مني التحول إلي كتابة التحقيق الصحفي. ولأن صداقة جمعت بين فتحي غانم ووسيم خالد، لذلك شكي له وسيم ذات يوم من أني كنت السبب في وضع الحراسة علي العائلة التي قامت بتسليم عبدالله النديم لسلطات الاحتلال الانجليزي. وكنت قد رصدت أسلوب حياة تلك الأسرة وقمت بتوثيق قيامهم بممارسة الربا بشكل فاحش، او ما يقال عنه باللغة العامية "الفايظ" فهم يقرضون الفلاح الجنيه الواحد مقابل ان يدفعه بعد عام اربعة جنيهات. وقرأ جمال عبدالناصر التحقيق وأمر بمعرفة صحة المعلومات التي فيه. وعندما ثبتت صحة المعلومات قام بفرض الحراسة علي كل من يمارس هذا العمل من تلك العائلة علي الرغم من النسب الذي يجمع كبير هذه العائلة مع واحد من كبار رجال المشير عامر. وعندما ناقشني وسيم خالد فيما جمعته من معلومات أقر بصحة الأمر. وقال ضاحكا إن هذه العائلة تتعامل مع الفلاح المصري كما يتعامل معنا المعسكر الاشتراكي. وقدم لي كتابه السياسي النادر الذي يحلل فيه العلاقة بين الدول النامية التي تربطها صداقة مع المعسكر الاشتراكي وبين الدولة القائدة لهذا المعسكر وهي الاتحاد السوفيتي، وكان وسيم هو أول من تنبأ علميا بضرورة سقوط المعسكر الاشتراكي لأنه يمارس القهر ضد الشعوب التي يحكمها، ويمارس الاستغلال ضد الشعوب الصديقة له. وكأنه مراب أقل ضراوة من اللص الكبير وهي الدول الاستعمارية التقليدية. وكثيرا ما تساءلت عن كيفية وصول وسيم إلي تلك الدرجة الرفيعة من التحليل السياسي التي أوصلته في عام 1964 إلي فهم مسارات السقوط لدول المعسكر الاشتراكي، فكانت إجابته "إنه الشطرنج.. فحين تفهم تلك اللعبة، يمكنك ان تتنبأ بما سوف يحدث علي ضوء الحقائق العلمية والواقعية أيضا". وعندما مات وسيم خالد بتضخم في عضلة القلب صرت اقرأ له الفاتحة كلما رأيت رقعة شطرنج. وعندما حدثت هزيمة 1967 سألت فتحي غانم "كيف تحدث الهزيمة لعبد الناصر وهو واحد من أبرع من لعبوا الشطرنج؟" فكانت إجابة فتحي غانم "برع عبدالناصر في لعب الشطرنج، لكن بقية افراد جهازه أدمنوا لعب الطاولة، فقدموا له المعلومات المغلوطة. وكانت تلك هي الكارثة الفعلية". ومازلت أتابع أخبار الشطرنج علي رقعة الحياة، وأدعو كل من أعرف كي يتعلم تلك اللعبة علي الرغم من أني مدمن مشاهدة فقط لمن يلعبونها.