أحمد صلاح أحدث الشهداء.. شهيد جديد.. كان أقرب أصدقائه يجلس على الأرض أمام ثلاجة حفظ الموتى فى قصر العينى، ويصرخ صراخا عنيفا، اقتربت منه بصعوبة، حيث يتجمع حوله عشرات من الأصدقاء استطعت أن أمر بينهم وأصل إلى الشاب الصارخ، أمسكت رأسه بيدى ورفعت وجهه لأجبره على النظر إلىّ وسألته: إنت عارف إن أحمد شهيد؟ قال موجها غضبه كله لى «أيوه طبعا شهيد.. بس ليه يعنى.. ليه مايبقاش معانا.. ليه يسيبنا يعنى.. ليه يعنى؟» تشكيلة المشاعر الخارجة من عيون الشاب جعلتنى أهرب من النظر إليه. وتراجعت عن حوار كنت أنوى أن أوجهه فى اتجاه أن الفخر لأنه شهيد كافٍ لنتماسك، وأن الفرح لأنه شهيد قادر على أن يسيطر على حزننا. مشاعر الشاب صديق أحمد أخرستنى وجعلتنى أكتشف أننا بحاجة إلى كلمات جديدة تماما للتعامل مع هذا الواقع. ****** منذ اللحظة الأولى التى رأيت فيها أحمد فى قصر العينى عرفت أن وظائف مخه توقفت تماما فيما يسمى علميا بموت المخ. رغم ذلك قضيت مع أمه أياما نذهب إلى أطباء جدد فى عياداتهم ونطلب منهم أن يذهبوا إلى الرعاية لإجراء الكشف على أحمد ربما يجدوا مخرجا لحالته، ربما يتوصلوا إلى تشخيص جديد أو علاج غائب عن الآخرين الذين رأوه من قبل. الأم والأب لم يفقدا الأمل أبدا، والجدة والخال والأخت والخالة وابنة الخالة والأخ، كلهم يقابلوننى الواحد بعد الآخر ويصرون أن هناك أملا وأن الأطباء يحاولون أن يجعلوهم يشعرون باليأس لغرض ما فى أنفسهم. وأن أحاول أن أقول الحقيقة بكلمات عجيبة فلا أقولها. فى إحدى زيارات الأطباء طال بنا الانتظار الأم والأب وأنا. وبعد فترة صمت فوجئت بالأم تسألنى أحمد شهيد مش كده؟ كل الناس لازم تعرف إنه شهيد.. صح؟ وإنت هتساعدينى على إن الناس تعترف بيه شهيد.. مش كده؟ إنت مش هتسبينى إلا لما آخد حق ابنى؟ ابنى شهيد.. وأنا مش عايزة غير حقه إنه شهيد. إنت معايا؟ نطقت الأم هذه الكلمات بسرعة بصوت هامس لم تترك أى مساحة للمقاطعة لم تتنفس إلا عندما انتهت من كل هذه الأسئلة. الغريب أننى فى اللحظة التى اعترفت فيها الأم أمامى بأنها فقدت الأمل فى شفاء ابنها وهو ما كنت أسعى إليه منذ أيام وجدتنى أرد عليها بتلقائية. ربنا يشفيه إن شاء الله ويقوم ويرجع لك بالسلامة. هزت رأسها موافقة وملأت الدموع وجهها وتمتمت يارب. ****** آخر مرة عاد فيها أحمد إلى بيته كان معه بخاخة فيها ابيكو جيل مخلوطا بالماء. قالت له أمه خليك يا حبيبى ماتروحش هناك. قلبهم قاسى يابنى.. قال لها عايزاها جنة ولا نار يا أمى. قالت له عايزة ربنا ينجيك يابنى، قال: عارفة يا أمى أنا بشيل ناس من الأرض لو ماشيلتهمش هيموتوا، أسيبهم يا أمى، ولّا أشيلهم وأروح الجنة أنا.