فى بلادنا الجميلة، على خلاف بلدان العالم الأخرى غير الجميلة، يحلم الكثير من الناس بأن يسبق أسماءهم حرفُ «د» الذى يؤكد حصولهم على الدكتوراه. والناس فى هذا الشأن على استعداد لبذل الغالى والنفيس حتى يرصع اللقبُ الفاخرُ أسماءهم ويمنحهم أهمية بين الناس! وبسبب الشغف العالى بهذا الأمر فإن أشياء لا تخطر على البال قد حدثت، منها الاتجار بشهادات الدكتوراه بالبيع والشراء، وهى مهمة نهض بها مجموعة من الشطار والسماسرة قاموا بالتعاقد مع نصابين أنشؤوا جامعات وهمية على الإنترنت فقط وأصبحوا يجلبون شهادات موقعة ومختومة وعليها حفر باللون الذهبى بكلام غير مفهوم وعلامات ملونة وأسعارها فى حدود 200 دولار. وهناك سماسرة لا يتصلون بأى نصابين من الخارج، لكن يتصلون بمطابع محلية تقوم بهذا العمل على أكمل وجه وتطبع لهم ما يريدون ثم يبيعون الورقة المزورة لأصحاب الخلل النفسى والرغبة فى التباهى الكاذب ليعلقوها على جدار الصالون بالمنزل العامر.. بالنفاق! وهذا النوع هو الغالب فى بلادنا، ومعظم أصحاب الدال فى العالم العربى من هذه الفئة التى لم تدرس، وبعضها لم يدخل جامعة من الأساس! هذا وقد أغرى ما سبق رجالا آخرين يتمتعون بجسارة أشد أن يصيروا دكاترة دون حتى محاولة الحصول على ورقة مزورة.. فماذا فعلوا؟ قاموا بإرسال خطابات ومراسلات ومكاتبات لشتى أنواع الجهات والهيئات والصحف والمجلات وذيّلوا مكاتيبهم بحرف الدال يسبق أسماءهم. وطبيعى أن هذه الجهات عندما قامت بالرد فإنها ردت على الدكتور فلان، وطبيعى أيضا أن الصحف عندما تنشر رسائل القراء فإنها تنشرها بأسمائهم كما وردت إليها.. وهكذا يشيع اسم فلان بحسبانه دكتورا بمنتهى السرعة دون أن يفكر أحد أن يسأل عن هذه الدكتوراه متى وأين وكيف؟! هذا عن سكة النصب والاحتيال.. فماذا عن رسائل الدكتوراه التى يحصل عليها طلاب العلم من أماكن حقيقية لها أسماؤها كالجامعات والمعاهد؟ فى الحقيقة إن السحابة السوداء التى غلّفت واقعنا العربى لم تترك مكانا لم تلوثه، فحتى الجامعات العربية صاحبة الأسماء أصبحت تتهاون وتتساهل بعد أن فقدت الصرامة العلمية التى عُرِفت بها، حتى وجدنا بعض الأساتذة يقومون بعمل الأبحاث بأنفسهم للطلاب نظير مبالغ معلومة! كما وجدناهم يتسامحون إزاء رسائل مسروقة ومنقولة بالنص من باحثين حقيقيين، ونراهم لا يترددون فى أن يمنحوا المجرم المزوِّر شهادة الدكتوراه مع مرتبة الشرف! ولا أذيع سرا إذا قلت إننى شخصيا أعرف أحد العباقرة الذين يحترفون القيام بعمل الرسائل نيابة عن الطلاب، وهذا الشخص يحتفظ على جهاز الكمبيوتر الخاص به بمئات الأبحاث التى يستخرج منها ما يشاء ويعمل عليها بالحذف والإضافة والتبديل ويمد الطالب بما يريد على مراحل حتى يحصل على الورقة المقدسة! أكاد ألمح مَن يتساءل: وماذا عن أبنائنا الذين نرسلهم للحصول على الماجستير والدكتوراه من الخارج فى جامعات الشرق والغرب.. هل يحصلون أيضا على شهادات مضروبة ومشكوك فى صحتها؟ والإجابة عن هذا السؤال أعلم أنها لن تكون مريحة، وقد تحمل صدمة لكن ماذا أفعل وقد عرفت الكثيرين ممن حصلوا على أرفع الشهادات من جامعات فرنسا بعد أن قضوا بها سنوات وعادوا متوجين بأكاليل العار دون أن يعرفوا إلا كلمات معدودة من اللغة الفرنسية التى حصلوا بها على الأطروحة الفكرية! ومثلهم الكثير ممن عادوا إلينا من جامعات روسيا وبولندا ورومانيا تسبقهم شهاداتهم وأيضا لا يعرفون اللغات التى حصلوا بها على الشهادات! هل معنى هذا أن العملية كلها نصب فى نصب أم أن الأمر لا يخلو من جامعات محترمة لا تعرف الهزل والخفة؟ بالطبع هناك جامعات محترمة لا تتهاون قيد أنملة فى ما يخص النزاهة، ولكن هذه فى الغالب لا تقبل طلابنا ولا تعترف بشهاداتهم التى حصلوا عليها فى بلادنا. لكن هناك على الرغم من ذلك جامعات فى الغرب تعمل بالتنسيق مع سياسات دولها وهى تغلّب الجانب السياسى والبراجماتى على الجانب الأكاديمى فتقبل أبناء العالم الثالث، لكنها توافق لهم على أبحاث سهلة وبسيطة ولا تمثل إضافة للعلم والفكر الإنسانى كما يفترض فى رسالة الدكتوراه أن تكون، وذلك على العكس من تعاملهم الصارم مع أبناء دولهم الذين لا بد أن يعملوا على مشروعات بحثية حقيقية.. وهم يفعلون ذلك ويقبلون طلاب العالم الثالث رغم تدنى مستواهم خشية أن يهرب الطلاب إلى جامعات دول أخرى تفتح لهم أبوابها وتأخذ فلوسهم، غير الارتباط الثقافى والنفسى الذى يكون عليه الطالب إلى الأبد بالبلد الذى اندمج فيه وحصل منه على الشهادة، وفى هذا فوائد عظيمة يعرفها الاستعماريون العتاة من أصحاب الجامعات فى الغرب. حالات نادرة هى التى يكون الطالب فيها متميزا وحريصا حقا على طلب العلم، الأمر الذى يشجع الجامعة على أن تتعامل معه باحترام فتكلفه ببحث حقيقى يسفر عن رسالة علمية ذات قيمة. ومن أسف أن هذا العدد لا يزيد بأى حال على واحد بالمئة من مجمل الرسائل التى يعود بها سفراء الوطن الذين يغرى مستواهم المتهافت السادة المغامرين بانتحال اللقب ما دام قد حصل عليه من الخارج طلاب من فئة المتردية والنطيحة ومن أكله السبع!