كان ولا يزال العلم هو حلم الفقراء للترقى والثروة والعمل فى أفضل وأحسن الوظائف.. وقد قالها عادل إمام يوما فى إحدى المسرحيات الشهيرة فى بداياته (هذه بلد شهادات) وكانت فعلا الشهادة الجامعية والدراسات العليا حتى الدكتوراة هى القيمة الحقيقية للإنسان فى مصر.. وعندما أهدرت هذه القيمة قالها أيضا عادل إمام (العلم لا يكيل بالباذنجان).. وكأن عادل إمام الممثل استطاع أن يرصد التحولات الاجتماعية التى حدثت فى مصر فى خلال الخمسين عاما الماضية.. عندما تحول مجتمعنا لمجتمع يسعى للعلم وحب العلم والبحث والعمل بالعلم والشهادات العليا فأصبح العلم لا قيمة له أمام الفلوس والسماسرة ورجال الأعمال الجهلاء الذين تحدد قيمتهم بقيمة أرصدتهم فى البنوك.. ولكنى مع ذلك أستطيع أن أقول بملء الفم إن العلم لا يزال هو حلم الفقراء للصعود إلى قمة المجتمع بشرف وكرامة. وما رأيته عندما حضرت إحدى المناقشات لى العلمية لرسالة الماجستير بكلية الإعلام فى جامعة القاهرة مؤخرا..أستطيع أن أقول بنظرة حولى للحاضرين من أهل الطالبة الممتحنة أنهم من البسطاء مثلى الذين مازالوا يحرصون على العلم وأنه الطريق الوحيد للترقى والتوظف فى أعلى المناصب. إن العلم الذى تحدث عنه دكتور طه حسين وتمنى أن يتحقق لكل مصرى كالماء والهواء.. لم يعد كذلك فأصبح العلم الآن يكلف الفقراء والبسطاء ما يقصم ظهورهم فى الدروس الخصوصية والمصروفات المدرسية التى أصبحت خيالية لا يقدر عليها غير الأغنياء، وأن الفقراء يتعلمون الآن الفتات فى المدارس الحكومية التى لا تقدم العلم كما يجب أن يكون. وكم من هؤلاء الذين يحملون شهادات الماجستير والدكتوراة ومؤهلاتهم العلمية لا تسقيهم ماء، والعلم الذى حصلوه وتعبوا فى البحث عنه فهو حبيس الأدراج.. ولا أخفى عليهم أن هناك من يشترى أعلى الشهادات بالنقود، والذى يحصله لهم هم البسطاء الذين يهتمون بالعلم أصلا والآخرون يأخذون الدرجة العلمية للوجاهة واستكمال المظهر الاجتماعى.. والعلم مازال هو حلم الفقراء، ويبدو أن الفقراء يعانون حقيقة من أجله، فلم يعد كالماء والهواء ولم يعد مجانيا يحصل عليه كل متفوق ومتميز، إنما أصبح الآن حتى فى الجامعات يحتاج من الطلاب أن يتكالبوا على الدروس الخصوصية، لأن ما يقدم فى المدرجات يحتاج مزيدا من الفهم..حتى فى الكليات النظرية.. وأصبح العلم الصحيح لا يحصل عليه غير القادرين وليس الفقراء والبسطاء الذين مازال العلم هو حلمهم الحقيقى للخروج من دائرة الفقر والحصول على الوظيفة المضمونة. فهل أصبح العلم كما قال عادل إمام يكيل بالباذنجان؟ حتى ولو كان هذا فلا يزال العلم ولا شىء غير العلم هو حلم الفقراء والبسطاء للحياة بكرامة وشرف.. فاتركوا لهم العلم فهو ثروتهم الحقيقية فى الحياة.