«بعض الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام ويتلفعون بعباءته الجليلة، بينما هم يلعبون بالسياسة فى حوارى البلاد، هؤلاء تجدهم يضيِّقون على خلق الله ضيقا شديدا ويرمون بالحرام والتحريم كل شىء فى الحياة تقريبا، ومع ذلك يدهشك أنهم على تزمتهم وظلام وضيق عقولهم تتسع ذممهم أحيانا وترتخى وتختل معايير الاستقامة والنزاهة عندهم لدرجة التناقض الفاحش مع ضمير وأخلاق المتدين الحق أيا ما كان دينه، فضلا عن أن يكون هذا الدين هو الإسلام...»!! تلك الكلمات كتبتها ونشرتها منذ سنوات بعيدة فى مناسبة لا داعى لاستحضارها من التاريخ الآن، غير أن المعنى الراقد فيها ظل مع مرور الزمن يتأكد ويتكرر ويتواتر وتتسع دائرة انطباقه على تصرفات وسلوكيات ومواقف لا حصر لها حتى كدت أعتذر عن كلمة «بعض» التى بدأت بها هذه السطور القديمة.. فأما الجديد الذى دفعنى وحفزنى لاستحضارها والتنقيب عنها فى أوراقى، فهو هذه القائمة الطويلة من الخروقات الفظة والانتهاكات الخطيرة للمعايير والمحظورات الانتخابية، التى أجمعت تقارير هيئات ومنظمات قانونية وحقوقية مرموقة على أن الجماعات والأحزاب الدينية (سبعة أحزاب فى عين العدو وعين القانون معا) احتكرت (تقريبا) ارتكابها قبل وفى أثناء عملية الاقتراع الأخيرة لاختيار أعضاء البرلمان العجيب المنتظر. وحسب التقارير المذكورة، فإن هذه الخروقات والانتهاكات تعددت وتنوعت صورها تنوعا شديدا، وكان أكثرها شيوعا وسفورا كسر الحظر القانونى للدعاية الانتخابية فى فترة «الصمت الدعائى» الممتدة من اليوم السابق لبدء الاقتراع حتى نهايته، بل وممارسة دعايات وملاحقات فجة للناخبين داخل مقرات لجان التصويت، وكذلك استخدام الشعارات الدينية بكثافة مفزعة واستهداف المنافسين (أحزابا وأفرادا) بشائعات سوداء وأكاذيب واطية تتوفر فى أغلبها أركان جريمة التشهير والتحريض الطائفيين!! لكن بعض حوادث الخرق والانتهاك للقانون وأصول ومعايير النزاهة وصلت فى الفحش لدرجة التورط فى عمليات شراء أصوات وجرائم رشوة الناخبين، بل ومحاولة ارتكاب جرائم تزوير مادى مباشر (كما حدث فى إحدى لجان دائرة حلوان)!! ماذا تعنى هذه السلوكيات والممارسات الفظة الشاذة، التى تستحضر للأذهان ذكرى حزب المخلوع أفندى المحور، وتقترفها الآن جماعات وأناس ليس لديهم ما يقولونه فى السياسة التى اقتحموها بغشم وتهور سوى الكلام طوال الوقت عن الأخلاق والعفة.. فضلا عن محاولات تعليم خلق الله الأدب؟! هناك معنيان لا ثالث لهما، الأول أن هؤلاء فى العمق لا يؤمنون حقيقة بشىء مما يقولونه، وأن الأمر كله مجرد «سبوبة» رزق سياسى والسلام.. والثانى أنهم قوم مساكين ويستحقون التعاطف ربما أكثر مما يثيرون القرف، إذ يبدو أنهم يعانون ويكابدون حالة «بارانويا» أو فصام خلقى وضميرى متأخرة تتفاقم وتتغذى من تبريرات وتأويلات فقهية جاهلة ومنحرفة اخترع أصحابها فكرة «الاستحلال»، التى رأينا تطبيقاتها الإجرامية فى تسعينيات القرن الماضى عندما كان بعض هذه الجماعات (المتمتعة حاليا برخص حزبية رسمية) تخوض ضد المجتمع حرب إرهاب وقتل مروعة وعبثية وكان يسوغ -آنذاك- انتهاكاته الوحشية لحرمة دماء وأموال الأبرياء بأن هؤلاء «كفار» يحل قتلهم وسرقة أموالهم.. وتشويه إرادتهم السياسية وتزوير أصواتهم الانتخابية كذلك!! ولا حول ولا قوة إلا بالله.