الدكتور كمال الجنزورى صديقى.. وعندما أسندت إليه رئاسة الوزارة منذ أيام اتصلت به مرتين عن طريق الموبايل الذى أحفظ رقمه منذ سنوات بعيدة.. ولكن الدكتور لم يرد على اتصالى، وتولى الرد أحد أفراد السكرتارية وطلبت منه مرتين أن أتحدث مع الدكتور، ولكنه كعادة السكرتارية اعتذر بأدب بأن الدكتور ليس على مكتبه.. أو أن عنده ضيوفا.. وقال لى إنه أبلغ رئيس الوزراء باسمى.. وأن رئيس الوزراء سيتصل بى.. ولكنه لم يتصل. وأنا أقدر ظروف صديقى القديم.. وطبعا.. طبعا لم أتصل به لأطلب شيئا من أى نوع.. وأنا أعرف الدكتور الجنزورى وهو رئيس وزراء ولم أطلب منه أبدا أى طلب.. بل لم أدخل مكتبه قط.. ولم أدخل منزله قط.. وكان ضيفا على منزلى المتواضع مرارا. وقد كنت أول من قابل الدكتور الجنزورى بعد تعينه رئيسا للوزراء فى العهد الماضى.. وهو الذى طلب أن يقابلنى وكنا مدعوين معا على الغداء فى منزل صديق مشترك.. فطلب أن يقابلنى قبل الطعام.. وذهبت وتحدثنا طويلا حتى كاد الطعام يبرد فانتقلنا إلى المائدة وما زال حديثه متصلا.. وبالمناسبة فالدكتور الجنزورى يتمتع بصحة جيدة جدا.. وبمعد] قوية جدا.. والدكتور الجنزورى كان ملاكما وما زال يحتفظ بقبضة حديدية عندما يسلم عليك. وقيمة الدكتور الجنزورى أنه يعرف مصر شبرا شبرا منذ كان محافظا للفيوم .. ثم تتالت وظائفه من محافظ إلى نائب وزير للتخطيط.. ثم نائبا لرئيس الوزراء ثم رئيسا للوزراء.. والناس تعرف جميعا قوة ذاكرته المدهشة.. وأذكر أنه عندما تفضل وشهد على وثيقة زواج ابنتى الوحيدة ذكر جميع الأرقام المطلوبة التوقيع من الذاكرة ولم يملك المأذون نفسه من أن يقول: ما شاء الله.. ما شاء الله. وميزة كمال الجنزورى عن غيره من مرشحى رئاسة الوزراء أنه على دراية واسعة جدا بالاقتصاد المصرى.. وهو يحمل الدكتوراه من أمريكا فى الاقتصاد الزراعى.. ومصر ما زالت حتى الآن تصنف على أنها بلد زراعى، بالإضافة إلى هذه المواهب فإنه رجل يعشق النكتة يسمعها ويرويها ويضحك من قلبه.. ولعل هذا ما حفظ له صحته.. ولعله أكثر صحة ولياقة من بعض الثوار الشبان الذين ندين لهم بالفضل فى الإطاحة بحكم الطاغوت. وقد تم إبعاد الدكتور الجنزورى من منصبه قبل بضع سنوات من ثورة يناير المجيدة.. وتفسير ذلك كما يشهد الجميع أنه كان يريد أن يكون رئيسا فعلا للوزراء لا مجرد سكرتير للرئيس السابق. وقد أخطأ الجنزورى بضع مرات ولم يستمع إلى نصحى ونصح غيرى من العارفين بحقيقة الأمور فى قصر رئاسة مبارك.. لقد اصطدم الجنزورى منذ بداية توليه رئاسة الوزارة.. اصطدم بأقوى ثلاثة رجال فى حكم مبارك، صفوت الشريف وزكريا عزمى وجمال مبارك. وباختصار كان صفوت الشريف هو المتحدث الرسمى باسم رئيس الوزراء، واختار الجنزورى أن يكون المتحدث هو طلعت حماد، وكانت نتيجة الاصطدام أن عرض الأمر على مبارك فأمر أن يكون صفوت هو المتحدث.. وكان صفوت يلقى باستمرار ببيانات مطمئنة ومتفائلة مع الإشادة الدائمة بالرئيس السابق، وتستطيع أن تطلع على هذه البيانات وكلها متشابهة ونسخة واحدة تمجد فى حكم مبارك.. وحكمة الرئيس وانحيازه إلى الفقراء، وكل ذلك بالطبع كان كذبا صراحة. واصطدم الجنزورى بزكريا عزمى مرارا.. وأعرف بعض ما حدث.. ولكن النهاية كما يعرف الجميع أنه رجل محترم ونظيف اليد.. وكلنا يعرف كيف تعمدت العصابة ورئيسها إهانة الرجل عندما قدم استقالته وأراد أن يقابل الرئيس لتقديم الاستقالة المكتوبة، ولكنهم رفضوا وأرسلوا فراشا لإمضاء الاستقالة. ولا ننسى أنه اصطدم بالصحافة مبكرا، والصدام مع الصحافة أكبر خطأ يقع فيه السياسى.. فالصحف تصدر يوميا، وفى إمكانها أن تصطاد أخطاء المسؤول وتنشرها يوميا.. وليس من المعقول أن يقوم المسؤول بالرد على خمس أو ست صحف يوميا. (انظر عادل حمودة.. أنا والجنزورى). وليست هذه السطور تأييدا لتعيين الجنزورى رئيسا للوزارة.. فأنا لم أستفد منه مطلقا وهو رئيس وزراء.. ولن أستفيد منه الآن فقد تجاوزت الثمانين ولم يعد لدى أى طموح لأى شىء.. طموحى الوحيد أن أرى مصر قوية.. وعزيزة ومستقرة وديمقراطية.. وأن يتولى الحكم فيها الأصلح وليس مهما أن يكون الدكتور كمال الجنزورى أو سواه.