كانوا بيقولوا عليه شعب ابن نكتة عندما كانت النكتة هى وسيلته الساخرة الوحيدة للتعبير عن كل شىء، وبظهور مواقع التواصل الاجتماعى، انتقل إليها نشاطه الساخر، فحلت التويتاية، والstatus مكان النكتة، بعد أن شهدت التقاء آماله وآلامه بملايين الإفيهات التى يعرف جيدا كيف يبتدعها على الهواء مباشرة فى نفس لحظة وقوع الحدث، بل إنها قد تسبق الحدث أحيانا. إفيهات لا تخلو من الضحكة.. والوجع أيضا. هذا الشعب الذى تنزف دماء شبابه فى ميدان الحرية وتختلط فيه أنفاسه مع رائحة البطاطا المشوية ودخان الغاز الخانق، ومع ذلك ترفض أن تفارق الابتسامة وجهه، أو تغادر البسمة هتافاته، ولافتاته المكتوبة بخط إيده. شعب يهتف بعلو حسه فى الميدان صباحا حتى تضيع معالم صوته، ثم يلتقط أنفاسه على قهاوى وسط البلد عصرا بعد يوم شاق اختلط فيه التعب بمتعة الحياة، ثم يفترش الميدان ليلا وهو يعلم أنه ربما يكون اللقاء الأخير الذى يجمعه بشركاء الرحلة، ومع ذلك لا يخلو لقاؤه هذا من المرح والبهجة. شعب لديه خلطة سرية وسحرية لتحويل التكشيرة إلى ضحكة فى أقل من ثانية، خلطة -لا يعرف مقاديرها غيره- تزيح عنك الهموم كلها فى لحظة، لكنها قادرة على إعادتها جميعا لذاكرتك فى نفس اللحظة، خشية أن تنسيك الضحكة الحمول وإن ثقلت. تشعر بشبابه يتغنى عندما تتعالى أصواتهم وهم يتقدمون إلى الأمام فى شارع محمد محمود، وعندما يصرخون بقوة وحزم «اثبت مكانك» وحتى وهم يتراجعون إلى الخلف مرددين «ارجع بالراحة وبضهرك.. ماحدش يجرى». تكاد تسمع بين أصواتهم كلمة كتبها الخال عبد الرحمن الأبنودى ولحنها العم عمار الشريعى، لتكون ضمن أغانى فيلم «البرىء». كلمة عمرها خمسة وعشرون عاما لكنك ستشعر أنها كتبت خصيصا لهم: «يا قبضتى دقى على الجدار.. لحد ليلنا ما يتولد له نهار/ يا قبضتى دقى على الحجر.. لحد ما تصحى جميع البشر.. لحد ما تتفسر الأسرار/ مش فاهم اللى حاصل لكن بقلبى واصل.. واللى مش فاهمه عقلى بتشرحه السلاسل/ يا قلوب بتنزف دم فى العتمة.. يا قلوب بتنزف دم وتغنى/ سجنوا وبيسجنوا الكلمة.. والكلمة غصب عنها وعنى/ طلعت من القبضان ومن الأسوار». إنه شعب ظل يدق على الجدار بكل طاقته -دون أن يفقد ابتسامته- حتى ولد على أيديه النهار، شعب كهذا هل يستحق غير الحياة بديلا؟