يامصر ياوطني الحبيب ياعش عصفور رمته الريح في عش غريب يامرفقي آت أنا آت ولو في جسمي المهزول آلاف الجراح.. وكما ذهبت مع الرياح يوما أعود مع الرياح.. إذن هي الرياح العاصفة العاتية الساخنة الهادرة الهائجة التي هبت علي هذا الوطن دون أي استئذان لتجعلنا نترنح يمينا ويسارا.. تأخذنا إلي سابع سماء وتهبط بنا إلي القاع حيث أسفل السافلين.. هي الجراح والدماء التي أغرقت الأسفلت والتي تحدث عنها منذ سنوات بعيدة وكأنه كان يقرأ الطالع شاعرنا نجيب سرور.. الذي لم أجد سوي كلماته لابدأ بها سطوري المقبلة.. من أحداث السفارة الإسرائيلية إلي ماسبيرو مرورا بمجزرة محمد محمود حتي الحرب الطاحنة الدائرة عند مجلس الوزراء.. ياقلبي احزن واحزن واعتصر ألما ومرارة وهما وشجنا ويأسا وانتحب دماء ودموعا علي حال بهية أم طرحة وجلابية إللي شابت قبل أوانها اللي بقت رايحة مش جاية واللي الليل بقي مليون مش مية...!! ما الذي يحدث بالضبط؟ وما كل هذا الهول الذي يحيط بنا يوما بعد يوم.. وما كل هذه الدماء التي تسيل في شوارعك يامصر؟.. ولماذا تدق الحرب طبولها بين حامي حمانا والجسر الوحيد الذي أصبح متبقيا لنا وبين أطراف من شعبه وشبابه العظيم..؟! لماذا أصبح المولوتوف والمسيلة للدموع والرصاص الحي والضرب والركل بالبيادات هو لغة الحوار والنقاش؟ ولماذا أصبح الطوب هو وسيلة التفاهم بين أبناء هذا الشعب؟! وما كل هذه الاتهامات المتبادلة بالتخوين والنفاق والعمالة والبلطجة والتشرد..؟ ولماذا تلتهم النيران تاريخ هذا البلد العظيم.. لمصلحة من ومن المسئول..؟ ولماذا يصل العنف إلي حد المذلة والمهانة وقلة الكرامة مع فتاة مصرية تم انتزاع ملابسها في قلب الميدان كده عيني.. عينك.. دون احترام للشرف والعرض والدين والأخلاق..؟ أسئلة وعلامات استفهام كثيرة حاصرتني وطاردتني لأجد نفسي مسيرة لا مخيرة تجاه ميدان التحرير لعلي أجد إجابات حاسمة لكل التساؤلات وعلامات الاستفهام التي أظن أنها اصبحت تحيط بل وتطارد الجميع بلا استثناء. ساحة حرب هكذا كان انطباعي الأول الذي يتسرب الي منذ ان من وطأت قدماي أرض الميدان وتحديدا عندما وصلت الي بداية شارع قصر العيني من أمام الجامعة الأمريكية بقاييا الطوب المتناثرة علي أرض الميدان والمتاريس المقامة لتفصل بين قوات الجيس المصري وأبنائه لتضع حدا فاصلا قاطعا مانعا للهجوم من أي طرف علي آخر شئ يثير الحزن بل يجعلك بلا مبالغة تصاب بالغم وربما بحالة من الغثيان...!! امتلأ الميدان بعدد لابأس به من البشر والذين راحوا في حالة من حالات الانهماك الشديد في النقاش الذي حتما ينتهي ب خناقة سرعان ما تتم السيطرة عليها من الدوائر البشرية التي تحيط بها.. خناقة ما بين مؤيد للمتظاهرين في حقهم المشروع في التظاهر والاعتصام وقول كلمة لا للعنف وآخر معارض لهؤلاء الواقفين في ميدان التحرير الذين يعطلون الحياة والمرور ويقضون علي الأخضر واليابس والبلطجية الذين يضربون عساكر الجيش بالمولوتوف بل ويحرقون تاريخ مصر العظيم عندما احرقوا بغباء وقسوة وعنف المجمع العلمي للبحوث.. تعلو الأصوات وتشتد الحناجر قوة ويبدأ الطرفان بانصارهما في جذب ملابس بعضهما البعض لولا تدخل الواقفين قائلين: يا إخوانا إحنا كلنا بنحب مصر وخايفين عليها ومش معني اننا نختلف يعني نتخانق.. ومع كلمات التهدئة يروق الحال سريعا وتعلو الابتسامات الوجوه ولكن هذه المرة لايخلو الابتسام من مسحات الحزن. ياللي بترمي علينا النار... مهما ضربت ومهما قتلت العصافير في الهوا أحرار... دم الشهداء علي الأسفلت يطرح ورد ويطرح نور... شمع منور6 شهور خالد أحمد ماجد.. مينا شهداء يغنوا وشهداء يطيروا هكذا كان حال الهتاف الذي يعلو سريعا بحماس وسرعان ما يطغي عليه صوت المناقشات التي اقتربت من إحدي دوائرها والتي كان يتوسطها شاب بدأ عليه الانفعال والحرقة والحماس عندما وقف مهللا متحدثا للجميع صاحب الحق بقي بلطجي ياجدعان في البلد دي.. احنا بقينا بلطجية والفضل يرجع للاعلام اللي بيحاول وفعلا نجح للأسف في تشويه صورة الناس اللي واقفة في التحرير.. طيب حد يقولنا الشيخ عماد اللي استشهد ده بلطجي ولاد. علاء عبدالهادي كان ماسك مولوتوف في ايده ولا مات واستشهد وهو في ايده البالطو الأبيض.. نفس السيناريو يتكرر ونفس الحمق الذي يتعامل به الإعلام المصري اللي كان بيقول علي ثوار25 يناير بتوع أجندات ووجبات كنتاكي وبيأخد فلوس. ده حرام وافتراء وظلم.. الناس اللي بتتهمنا إننا مأجورين وبناخد فلوس علشان نقف في التحرير ونضرب ياحرام جنود جيشنا اللي المفروض يحمينا ناس ظلمة ومغيبين والإعلام ضحك عليهم. *رجل في الأربعينيات من عمره يقاطع محمود الشاب الذي فار دمه وكاد أن يغشي عليه من كثرة الانفعال ليعلو صوت الأول قائلا: والله العظيم مصر بتضيع وانتم يا بتوع التحرير السبب..انتم اللي حرقتم المجمع وبتضربوا الجيش.. وبتهاجموا الراجل الطيب اللي اسمه الجنزوري, بصراحة لازم الناس دي كلها تمشي, خلونا نشوف أعضاء مجلس الشعب هيعملوا إيه مع الحكومة الجديدة.. لازم نهدا شوية.. خلاص احنا داخلين المرحلة الثالثة من الانتخابات وبعدها الشوري ثم انتخابات الرئاسة, نصبر شويه وكفاية ثورة كده. * بقولك إيه ياعم الحاج هكذا قطع عم صالح الرجل العجوز حديث الشاب قائلا: مش الجنزوري ده اللي طلع علينا في التليفزيون وقال إن مفيش أي عنف بتمارسه قوات الأمن ضد المتظاهرين, وبعدين احنا ليه بنخلط الأمور, المجلس العسكري مش الجيش كله, فين محاكمات علي بابا والأربعين حرامي؟ فين الأحكام اللي صدرت ضدهم؟ كل الأحكام صدرت ضد الناس اللي هربت بره واحد ب30 سنة والثاني ب15 لكن اللي في سجن طره قاعدين في فندق خمس نجوم معاهم موبايلات وبيدوروا البلد وهم قاعدين.. إنت جاي تتشطر علي الشباب اللي واقفين بيقولوا كلمة الحق ومستحملين الضرب بالرصاص الحي واللي بيموتوا كل لحظة وتتهمهم بالبلطجة وكمان نتجرأ عليهم ونقول إنهم اللي حرقوا المجمع العلمي.. حرام عليك يا راجل اتق ربنا ناقص تقولي إن الشيخ عماد رحمه الله هو اللي حرقه قبل ما يستشهد ولا يمكن د.علاء عبدالهادي ولا أقولك هي البنت اللي قلعوها هدومها اللي حرقت علشان كده ضربوها ببيادتهم في صدرها..اصلهم بيعاقبوها. *رد الشاب بعنف قائلا مستهزئا: طب وحياة دقنك يا شيخ صلاح لا لتقولي مين اللي حرق؟! *البلطجية طبعا بتوع سوزان وعصابة طرة اللي قاعدين يخططوا ويدبروا وحياة ذقني اللي انت حلفتني بها إنهم هم اللي دبروها وعملوها بأصابع بلطجيتهم.. هم اللي ربوهم ودربوهم وكمان بيقبضوهم من خلف قضبان سجن طره.. واللي أنقذ الكتب الباقية هم المتظاهرين اللي واقفين دول, الله هي الآية انقلبت وانعكست خلاص. أنتم عارفين ياناس والكلام مازال علي لسان الشيخ صلاح أنا جاي علشان مش عاجبني حال البلد ولا حال العسكر, أنا واحد من الناس مش لاقي فلوس علشان أعالج بيها مراتي ومبارك الله يحرقه قاعد يتعالج في المركز الطبي اللي هو5 نجوم بفلوسي وبفلوسك.. * والله عندك حق ياعم الشيخ.. هكذا قطع الحديث أبوالعلا عبدالعظيم رجل في الستينيات من عمره قائلا: إحنا كنا ضد الليبييين لما قتلوا القذافي لكن يبدو أن ده كان الحل, الناس مش هتهدا والبلد مش هتروق الا لما الراجل ده يتحاكم بجد مش مجاكمة تمثيل, اشمعني صدام حسين, اللي ضحوا بيه في الأضحية والقذافي.. الراجل ده سرطان في جسم الشعب المصري وهو وأولاده وزوجته اللي بره بيحركوا الأمور وهم الأيدي الخفية اللي وراء كل حاجة بتتحرق لأنهم الوحيدين اللي من مصلحتهم إن مصر تتحرق وتولع. * ممكن أتكلم أنا عندي رأي يا إخوانا. صمت الجميع ليسمعوا رأي الشاب حسين السيد الذي طرح حلا اتفق عليه الجميع عندماقال: لماذا لا ينزل د.الجنزوري إلي أرض الميدان؟ لماذا لا يكلف نفسه وتقام له منصة ليجلس مع الناس ويسمعهم؟ بلاش أين مرشحو الرئاسة أمثال عمرو موسي والبرادعي وحمدين صباحي؟ لماذا لا ينزلون جميعا للناس في ميدان التحرير ويحاولون فض هذا النزاع والمشاركة الفعلية في الحل؟ إذا كانوا لا يستطيعون حل هذه الأزمة فهم إذن ليسوا جديرين بالمرة بحكم البلد في المستقبل.. هم عاوزين الرئاسة علي الجاهز وخلاص. وبعدين إيه حكاية الطرف الثالث واللهو الخفي اللي عمالين يقولوا لنا عليه في كل مرة تحصل فيها مصيبة.. من أحداث السفارة وماسبيرو ومحمد محمود وحتي مجلس الوزراء بيقولوا لنا الطرف الثالث وتطلع علينا بيانات المجلس العسكري قائلة إننا قبضنا علي ناس وبنحقق معاهم, طيب فين نتائج هذه التحقيقات ولماذا لا يخبرونا بالحقائق اللي هم بيقولوا إنهم عارفينها؟ * أنا راجل سواق تاكسي هكذا بدأ محمد عبدالفتاح حديثه.. قائلا: المجلس العسكري فاشل وحكومة الجنزوري ومن قبلها شرف وشفيق فشلة والمجلس الاستشاري فاشل رغم أن الناس المحترمة اللي فيه قدموا استقالاتهم. أما عن البلطجية فبلاش نضحك علي نفسنا ويضحكوا علينا, هم عارفين بلطجيتهم كويس والناس اللي كانت واقفة فوق بتحدف طوب علينا وبترش مياه وبتضرب نار حي, هم دول اللي حرقوا المجمع العلمي. * يا سيدتي أنا راجل سباك أرزقي, سيبت كل شغلي وجيت من امبارح التحرير, يعني أنا لا بلطجي ولا صايع, بس الناس صعبت علي الدكتور اللي مات والشيخ اللي دمه راح هدر, والبنت اللي اتهدر شرفها وعرضها.. كل ده عمله الثورجية ولا البلطجية وفلول النظام.. مين اللي ولع في المجلس العلمي..؟! ده سؤال هم عارفين اجابته كويس.. وخليهم يسألوا بتوع طرة اللي عمالين يشتغلوا ويدبروا.. خليهم يسألوا سوزان هانم.. واكيد هتقولهم الاجابة..!!! شعرت بالاختناق فقررت أن أتنحي جانبا لالتقط بعضا من أنفاسي لعلي أستطيع الاستمرار في متابعة تلك المناقشات الحامية والاختلافات الحادة.. استوقفني أحد الشباب يوسف محيي الذي أتي من الإسكندرية خصيصا لميدان التحرير ودون أن أسأله أجابني متحدثا: كان صعبا علي أن تابع ما يحدث في القاهرة وأنا أقف علي بحر إسكندرية كنت حاسس بأنني ندل طول ما أنا قاعد في البيت وزمايلي بينضربوا ويموتوا.. نزلت يمكن أقدر أحمي حد أو أخد رصاصة مكانه ونزلت كمان لأني بحب البلد دي, ثم إني مش أحسن من أصحابي اللي انصابوا. يا جماعة انتم ليه مش حاسين ان مفيش حاجة اتغيرت.. مبارك اتخلع لكن النظام باقي وما يحدث مع المتظاهرين هو اللي عمله العادلي ورجالته معانا في52 يناير, واللي حصل مع الجنزوري وهو اللي حصل مع شفيق وشرف, مفيش أي صلاحيات ولا حتي لمجلس الشعب.. كله غلط في غلط والإعلام للأسف مصر علي النفاق لمبارك ومن بعده المجلس الأعلي خايف علي البلد أوي.. المصالح اللي بتتحرق والأيدي الخفية والطرف الثالث.. ما يخلصونا ويقولوا لنا مين هو الطرف الثالث اللي مش أكيد الثوار اللي هم أنقذوا الكتب من الحريق.. ولا الهدف هو تشويه بتوع التحرير وانقسام الناس ما بين العباسية والتحرير.. ما بين شعبين واحد مؤيد للعسكر والثاني بيطالب برحيلهم.. ثم أين القوي السياسية والمرشحون للرئاسة والفائزون بالمقاعد البرلمانية.. خلاص التورتة اتقسمت ولا إيه.. هو ده بقي المراد.. أحد الاطباء الميدانيين والذي عرفته من البالطو الأبيض الذي كان يحمله بين يديه.. فاجأني عندما اقتربت منه لأطلب الحوار معه بطلبه الذي تحول إلي رجاء بعدم ذكر اسمه وعندما سألته عن السبب فاجأني بالقول: بدأنا كأطباء نشعر بأننا مستهدفون.. كثير مننا ما إن يتكلم مع القنوات الفضائية حتي يختفي والأمثال كثيرة منهم د.ميلاد الذي اختفي ولم يعد له أي أثر ولدينا أكثر من حالة اختطاف لمجرد أنه هاجم المجلس العسكري. د.علاء عبدالهادي كان لابس البالطو الأبيض, يعني ما كانش ماسك معاه طوب ولا مولوتوف ولا حجارة أخذ3 رصاصات واحدة اخترقت انفه وخرجت من رأسه والثانية في صدره والثالثة في جانبه الأيسر.. موت علاء أثر فينا تأثيرا بشعا.. النهارده الصبح بس مات5 أشخاص منهم واحد مضروب رصاصة في ظهره خرجت من صدره والثاني مضروب في رأسه ومخه طلع الراجل ده مات علي ايديا.. صعبان علي اللي بيحصل ده بقي في الآخر الجيش اللي بيقول إنه حمي ثورتنا يضرب نار وصعبان علي أن الناس بتضرب في الجيش.. خلاص كده الحاجز النفسي انكسر والهيبة راحت. الناس بتتعامل مع الشرطة العسكرية وكأنهم يهود وده معناه خطير, يعني لما نشوف عساكر الجيش بتضرب في الناس وتهلل وتقول الله اكبر والعكس صحيح الناس لما تضرب في الجيش يقولوا الله اكبر.. إيه بقي طيب؟! تركني الطبيب مختنقا بدموعه.. ذهب لأجدني وحيدة شاردة واقفة في الميدان أتأمل تلك الوجوه الساخنة المنفعلة المحتدمة.. أتأمل أرض الميدان التي أصبحت ساحة حرب للأحداث والشوارع التي تحولت إلي بركة من الدماء.. أتأمل بصمت موجوع ومرارة ثقيلة وهم أثقل وحزن دفين.. أسأل نفسي ومن حولي وكل ما أعرفه.. احنا رايحين علي فين؟! اصطدم بالمجهول المتوحش.. أغادر الميدان ولسان حالي يقول: يا قبضتي دقي علي الجدار لحد ليلنا ما يتولد له نهار مش فاهم اللي حاصل لكن لقلبي واصل واللي مش فاهمه عقلي بتشرحه السلاسل يا قلوب بتنزف دم في العتمة يا قلوب بتنزف دم وتغني والكلمة غصب عنها وعني طلعت في القضبان ومن الأسوار..